رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
منهوبين ونص


المشاهدات 1198
تاريخ الإضافة 2023/06/06 - 8:17 PM
آخر تحديث 2024/04/13 - 9:05 PM

واحد من أمثالنا «الفاكسة» يقول «منهوب النص ما منهوب». لا أريد الاستغراق في قصة هذا المثل الذي يبرر نصف السرقة على الأقل. إذ طالما سرقوا من جيبك 50 ألف دينار بينما أنت «شايل» 100 ألف دينار فأنت طبقا لحيثيات هذا المثل غير مسروق. طيب كيف غير مسروق؟ هل الـ 50 ألفاً التي صارت من حصة السارق حلال مثلا؟ أم أضيفت الى قائمة الأمانات الضريبية؟ أم هي جزء من إشكالية الكمارك والمنافذ الحدودية؟  يبقى التبرير غريبا ومتساهلا مع السارق الذي خرج مثل الشعرة من عجين السرقة. تسوية لا مثيل لها حتى في اتفاقيات أوسلو ووادي عربة. لا السارق يعتبر سارقا ولا أنت تعتبر مسروقا. كان على اللص الظريف طبقا لمطلق هذا المثل أن يسرق كامل المبلغ. يعني يصير سبع وسبنبع مثل نور بحيث لهف ومن معه كل مبلغ الأمانات الضريبية. ففي حال سرقت كل الـ 100 ألف دينار التي تحملها في جيبك فإنك مسروق ومن لهفها سارق. بدون ذلك لا أنت مسروق ولا هو لص محترف.
 مع ذلك، أكرر مع ذلك، بتنا اليوم بحاجة الى استدعاء هذا المثل وتوظيفه من جديد من باب الزيادة في «قشمرتنا» على صعيد الفساد المالي الذي استشرى، كما يقول المحللون السياسيون والاقتصاديون والرياضيون والفلكيون والبيولوجيون والإنثربولوجيون والسمكريون والتنكجيون والباججيون والكببجيون والمحلبيون والكنافيون والزلابييون والبقلاويون، في كل شيء، في مفاصل الدولة وغير الدولة. وطبقا لهؤلاء جميعا يضاف لهم طلال أبو غزالة وحورية فرغلي، فإنه إذا كان الفساد المالي استشرى في مفاصل الدولة والتجسيد الأكبر هو «سرقة القرن» التي لا تزال ساطعة ناطعة بين نورها وضياءها، فإن هذا الفساد استشرى في بقية المفاصل أيضا كما يقول معلم أبو علي الشيباني الذي طالما تنبأ إنه بعد الخامس عشر من الشهر، أي شهر منذ ولادة الجنرال ديغول، الى اليوم سوف يحصل التغيير. ولأن كل مفصل من هذه المفاصل كما يقول طبيب المفاصل والغدد اللمفاوية يحتاج رسالة ماجستير من سوق مريدي أو من جامعة لبنانية فإنه يمكن الاكتفاء بإشارة واحدة تتعلق بالكباب فقط. لماذا الكباب؟ الجواب لا يحتاج الى جدل كبابي بقدر ما يحتاج الى تذكير فقط بعدد المرات التي مسكت الأجهزة المختصة كم مطعما يبيع لحوم الحمير؟ الجواب كلكم تعرفونه، بل أن بعضنا يستذكر حين يذكر اسم المطعم الممسكوك كم مرة تناول فخ حمار أو باجة جحش مع البمبار؟
لست أريد الانتقال الى الكلام الطويل العريض عن أنواع المستويات الهابط منها والأقل هبوطا. فهذه القضية هي الأخرى طالها الفساد المالي بل وحتى الإداري، ولا يوجد حل لها لأن حلول الأرض انتهت ولم تأت ولن تأتي حلول السماء لأن الله سبحانه وتعالى يقول «إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم». بالعودة الى قصة المثل «منهوب النص ما منهوب» فإن من يتابع يوميا ما تقوم به هيئة النزاهة من إصدار مذكرات قبض واستقدام بحق مسؤولين في مختلف الوزارات والمحافظات يصل الى قناعة أن السرقة عندنا باتت هي القاعدة وما عداها استثناء. فأنت لا تستطيع أن تفهم كيف يمكن لمسؤول محافظ، أو رئيس مجلس محافظة أو مدير عام أو خاص لا تصدر بحقه مذكرة واحدة ولا اثنتان ولا ثلاث ولا أربع، بل عشرات المذكرات بين قبض واستقدام. كيف يمكن أن نتخيل مسؤولا يفترض أن يكون مؤتمنا على المال العام الذي يطلق من ميزانية يدور حول فقراتها القتال من أجل كذا وكيت وإذا بها تذهب «شلع قلع» الى مسؤولين لا يكتفون بالنهب مرة ومرتين وثلاث، بل أحيانا عشرات المرات ولا يشبعون. صحيح أن هؤلاء جميعا ليسوا بمستوى ذكاء مَن سرق القرن لكنهم في النهاية أذكياء. أما سارق القرن فقد بحوش في القانون العراقي فوجد التالي .. الذي يسرق باكيت كلينكس يسجن سبع سنوات. أما سرقة بحجم القرن فطبقا للقانون مشمولة بالكفالة. المثل لازم يكون سارق القرن مو .. مقرون.


تابعنا على
تصميم وتطوير