اختلفت المنهجية هذه المرة في اجتماعات الفرقاء السياسيين الليبيين في المغرب ، حيث عقد ممثلون عن البرلمان الليبي ببنغازي والمجلس الأعلى للدولة الليبي، اجتماعاتهم في مستهل الأسبوع الحالي في مكان ظل غير معلوم لدى وسائل الإعلام، وبذلك أبعدت هذه الاجتماعات عن عدسات المصورين و كاميرات القنوات التلفزية ، وعن تسابق الصحافيين في متابعة أطوار الخلافات الليبية الداخلية التي عصفت بهذا القطر نحو مسار ظل مستعصيا عن التسوية لحد اليوم .
ويبدو أن الفرقاء الليبيين تعمدوا الابتعاد باجتماعاتهم عن وسائل الإعلام بهدف التحرر والتخلص من الضغوطات التي يتسبب فيها اهتمام الرأي العام الليبي و الدولي بها .
من حيث المضامين كشف بيان اللجنة المشتركة المكلفة من مجلس النواب الليبي و المجلس الأعلى للدولة الليبي، الذي صدر يوم الثلاثاء الماضي بمدينة بوزنيقة المغربية الواقعة بين مدينتي الرباط و الدار البيضاء ، عن أنهما توصلا أخيرًا إلى توافق كامل و مطلق بخصوص القضايا الخلافية ، والمتعلقة بانتخاب رئيس الدولة و أعضاء مجلس الأمة ، إضافة إلى التوافق على طريقة وكيفية إشراك الأحزاب السياسية في انتخابات مجلس النواب ، عبر قوائم حزبية أو ترشيحات فردية . وأكد البيان حرص الطرفين على تحقيق تقدم فيما يتعلق بتحديد مقاعد مجلسي النواب و الشيوخ و توزيعها حسب الدوائر الانتخابية، والإجراءات الخاصة بتشكيل و اعتماد قوائم الترشيحات و تمثيلية المرأة و ضبط الجرائم الانتخابية ، والإجراءات المتعلقة بتقديم ومعالجة الطعون الانتخابية الخاصة بانتخابات رئيس الدولة وبمجلسي النواب و الشيوخ ، وتنظيم حق جميع المترشحين في الولوج بشكل منصف إلى المنصات الإعلامية الحكومية و كذلك الخاصة .
ويبدو أن الفرقاء الليبيين اتفقوا أخيرًا على البنية الدستورية للدولة الليبية ، التي ستتشكل من مجلس نواب و مجلس شيوخ وحكومة تتكون من أغلبية نيابية تفرزها انتخابات عامة ، و رئيس دولة يتم انتخابه وفق انتخابات عامة .
البيان المشترك ، و إن لم يحدد مواعيد مضبوطة لإخراج هذا الاتفاق إلى حيز الوجود بتنظيم انتخابات مجلسي النواب والشيوخ ورئاسة الجمهورية ، بالنظر ، ربما إلى ما تتطلبه هذه الاستحقاقات من تحضير جيد وفعال، إلا أنهما اتفقا على حرصهما على التوصل إلى إطار تشريعي توافقي و شامل للانتخابات، وذلك بتشاور مع الهيئات القضائية والجهات الفنية المتمثلة في المفوضية الوطنية العليا للانتخابات و بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا.
وبذلك تكون الأطراف السياسية في ليبيا بهذا الاتفاق الجديد، قد قطعت شوطا مهما نحو التسوية الشاملة للأزمة الداخلية الليبية التي عمرت طويلا والتي تخللتها مواجهات مسلحة عنيفة .
والواضح ك أن إصرار الفرقاء الليبيين على عقد اجتماعاتهم في المغرب ، و هي الاجتماعات التي انطلقت بمشاورات مدينة الصخيرات المغربية في سنة 2015 ، و تواصلت باجتماعات الصخيرات ( 2 ) وبوزنيقة ( 1 ) وبوزنيقة ( 2 ) وبالعديد من اللقاءات بالمسؤولين المغاربة، يؤكد ثقة هؤلاء الفرقاء في الوساطة المغربية ، التي تنأى بنفسها عن الانحياز لأي طرف، وتحرص على تكريس الوحدة الليبية ومصلحة الشعب الليبي، وهذا ما أهلها لتكون محل ثقة جميع فرقاء الأزمة الليبية .
ورغم محاولات التشويش على هذا المسار من طرف بعض الجهات، التي رأت في نجاح الوساطة المغربية استفرادا للرباط بالمسعى نحو حل الأزمة، بما يقوي موقعها الديبلوماسي الإقليمي و الجهوي، فإن الرباط واصلت وساطتها الفعالة، وحافظت بذلك على محل ثقة وتقدير جميع أطراف الخلافات الليبية ، وهي الوساطة التي أثمرت أخيرا الاتفاق الجديد، الذي سيشكل منعرجا حاسما نحو إيجاد تسوية شاملة للخلافات السياسية الليبية المعقدة في حال التزام الموقعين بما وقعوا عليه .