رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
مرة أخرى.. الإعلام الغربي أطلق النار على قدميه!


المشاهدات 1168
تاريخ الإضافة 2023/05/21 - 8:15 PM
آخر تحديث 2024/04/09 - 7:32 AM

لقد حدثت أشياء سخيفة هزت جوهر الاعلام الغربي على مدار العقود الماضية، وجعلت منه مكانًا مربكًا في الوقت الحالي، بيد أن ما حدث لحد الآن في الانتخابات الرئاسية التركية جعل الصحافة الغربية تطلق النار مرة أخرى على أقدامها.
عندما تسأل أي قارئ للصحف الأمريكية والبريطانية اليوم عما ينتظره، فإنه سيفكر مباشرة بالحقيقة المفقودة، أنه مثل الملايين على هذا الكوكب يريدون استعادتها، منذ أكاذيب احتلال العراق والهروب الشنيع من أفغانستان حتى الانتخابات الرئاسية التركية التي حسمت بالنسبة لصناع الخطاب الغربي، قبل أن يصوت الجمهور التركي!
لكن، الأتراك علّموا وسائل الإعلام وكتابها المحترفين “الدرس التركي” ليمنحها الفرصة الأهم لإعادة النظر في المحتوى الواثق من نفسه أكثر مما ينبغي.
كانت أغلب وسائل الاعلام الغربية تترقب قبل اسابيع من التصويت ما أسمته النهاية الوشيكة التي تمكن رجب طيب أردوغان من تحقيق أكبر مصدر للإزعاج لأوروبا، من دون أن تفقد اطمئنانها على فوز كمال كيليجدار أوغلو! وكأن من مهام وسائل الاعلام التعبير عن امنياتها وفق مزاج سياسي أو حكومي. باعتباره شكل من أشكال الانتقام. بينما هو في حقيقة الأمر يعبر عن فشل المدارس الإعلامية في صناعة الرأي والتأثير على مزاج الجمهور.
إذ لا يمكن لنا كصحافيين أن نحوّل السياسيين إلى شخصيات غير مرئية لأنهم لا يوائمون مزاجنا وسياسة مؤسساتنا الإعلامية ومن ثم حكوماتنا. اذ ليس من العدل وفق جوهر الصحافة التاريخي أن تكون وسائل الاعلام ميداناً للأمنيات الأنانية، سواء بفوز أردوغان أو كيليجدار أوغلو، بقدر الحرص على حرية تبادل المعلومات في ديمقراطية حرة من الأفكار.
عكس ذلك ما حدث مع المتابعة الإخبارية للانتخابات الرئاسية التركية في الصحافة الغربية التي لا تعتبر تركيا دولة ديمقراطية خالصة، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى القوة الهائلة التي يمارسها الرئيس أردوغان وقدرته على تشكيل ساحة اللعب السياسية.
قبل التصويت، أشارت معظم استطلاعات الرأي إلى تقدم كيليجدار أوغلو، المرشح المشترك لتحالف تم تشكيله حديثًا من ستة أحزاب معارضة. لكن نتائج الجولة الأولى أظهرت الجاذبية والتأثير الدائمين لأردوغان.
صحيفة الغارديان البريطانية لم تتردد في الفترة التي سبقت الانتخابات الرئاسية أن تسوغ لما أسمته أسباباً وجيهة للاعتقاد بأن الناخبين كانوا على وشك إدارة ظهورهم للنزعة الأردوغانية.
لكنها صباح الاثنين عبرت عن أسفها وكأن من «مهنيتها»!! أن يخسر أردوغان، عندما كتبت إلا أنه «تبين للأسف أن هذا التفاؤل كان في غير محله». وتقول إنه كما اتضح، كان أردوغان هو الذي كاد أن يفوز في الجولة الأولى.
ماذا يمثل هذا الكلام غير المزيد من التآكل لجوهر الصحافة، وكأن سي بي سكوت ليس من الآباء التاريخيين للغارديان عندما ترك للصحيفة الحكمة الذهبية التي لازالت تضعها أعلى صفحة الآراء وبعد أكثر من مائة عام من كتابتها، بقوله “من الجيد أن نكون صرحاء مع القراء، لكن الأفضل من ذلك أن نكون عادلين”، مشددًا على أن حرية الكلام متاحة للجميع، لكن الحقائق يجب أن تبقى مقدسة بالنسبة إلينا كصحافيين.
كانت الغارديان مثل بقية الصحف التي رفعت راية الانحياز المكشوف ضد الديمقراطية التي يفترض أن تدافع عنها، عندما اعترفت بشكل متأخر صباح يوم الصدمة، بأن كل استطلاعات الرأي بشأن خسارة أردوغان كانت خاطئة “لأننا مهووسون بتوقع الآراء بدلا من الاستماع إلى أصحاب الآراء أنفسهم”.
على الجانب الآخر في الولايات المتحدة لم يفقد توماس فريدمان أحد كبار كتاب نيويورك تايمز التهكم بشأن مستقبل الحقيقة وهو يعبر عن رغبته الصريحة في خسارة أردوغان، بالتساؤل القائل “أليس الكذب إحدى الوصايا العشر؟”.
ووصل الحال بمجلة «فورين بولسي» التي تحسب على وسائل الاعلام عالية الحساسية، إلى استباق النتائج بأيام، عندما كتبت «لن يكون تزوير التصويت سهلاً على أردوغان»!
لكن كل ذلك تغير صباح يوم الاثنين عندما أوضحت الانتخابات الرئاسية التركية أن إيمان الشعب بالنظام الانتخابي في البلاد لا يزال قوياً، وأن وسائل الاعلام الغربية عندما تضع على عينيها عدسة تزييف ما يجري، لا تغير من الحقيقة شيئاً، ذلك ما أوصلنا إلى أن اردوغان، اتفقنا أو لم نتفق معه، لا يزال قوة سياسية هائلة، على الرغم من عدم تحقيق فوزه في الجولة الأولى.
مع ذلك استمرت وسائل الاعلام الغربية وتحت إدارة كبار الخبراء في رغبات الجمهور والمنظرين وواضعي الخطط، في لعب دور من يجد في أردوغان الخاسر الساخط وقبل أيام من الدورة الثانية من التصويت.
لكن الخبراء أنفسهم غير قادرين على الدفاع عن خيارهم هذا، أو على الأقل توقع حدوث الخيار الآخر، عندما بدأ الناخبون الاتراك يعبرون عن أنفسهم بشراسة، بينما وسائل الإعلام احتفظت بأسطوانتها القديمة، من دون أن تعير انتباهًا إلى تغير الأمزجة لدى الناس الذين لم يعودوا يستمعون إلى العزف الإعلامي المكرر والمكشوف.
الجمهور التركي صنع معزوفته عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ولم يعد يثق بما يسمى موضوعية وسائل الإعلام، التي باتت مطالبة اليوم بالاعتراف بأنها عاجزة عن التأثير على رغبات وآراء الناس.
يُصرّ بعضهم على أن الذين صوّتوا لكيليجدار أوغلو فقط لهم الحق في تفسير معنى النتيجة، وهذا التفسير يضع بلا شك وسائل الإعلام الغربية في خانة الخاسر لا محالة، لأن تفسير خسارة أردوغان الذي تبنته وسائل الإعلام فشل، ولم يعد يقنع القارئ الغربي قبل التركي.بيد أن وسائل الإعلام التي لا تشارك في نشر الحقائق لا يمكنها الدفاع عن حقوق المجتمعات ومحاسبة الحكومات والإسهام في حرية تبادل المعلومات.
هكذا أصبح الخوف والغضب عواطف سياسية مُهيمنة في كبرى الديمقراطيات في العالم، ولم تكن وسائل الإعلام بريئة في هذا التصعيد الخطير الذي جعل من العواطف أكثر غرائزية وأقل جاذبية، وهذا ما يهدد فكرة الديمقراطية التي تعمل من أجلها وسائل الإعلام.
اندلاع مثل هذه العواطف البدائية يُثير القلق وفق تعبير مارتن وولف الكاتب في صحيفة فاينانشيال تايمز، لأن من الصعب احتواؤها، الديمقراطية في أعماقها هي شكل مُتحضّر من الحرب الأهلية، إنها صراع على السلطة تحتويه التفاهمات والمؤسسات.
يقول وولف “كلما كانت العواطف أقوى والطموحات أكثر احتواء، أصبح على الأرجح أن النظام الديمقراطي عُرضة للانهيار نحو الاستبداد، الغوغائيون هم نقطة المقتل بالنسبة إلى الديمقراطية”.
وهكذا تتخذ الحرب من أجل الحقيقة من الخلاف السام سببًا بعد أن أربك العالم وغير نظرة الناس إلى وسائل الإعلام، هي حرب للحفاظ على مثالية الصحافة مثلما هي معركة الديمقراطية الحقيقية.


تابعنا على
تصميم وتطوير