رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
الأسلوب النقدي عند الناقد د. علي المختار


المشاهدات 1240
تاريخ الإضافة 2023/01/22 - 8:35 PM
آخر تحديث 2024/04/24 - 6:21 PM

إبراهيم رسول
الذيّ يشهدُ أو يستمع إلى محاضراتِ الدكتور علي المختار، التدريسيّ في جامعةِ الكُوفة، كُلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية، سيجدُ أنّ درسهُ النقدّيّ ، يتصفُ بمزايا، وهذه المزايا، تعنّى في المقامِ الأوّل على فنّ الجمال أو القولُ الجماليّ الإبداعي، فهو ناقدٌ معرفيٌّ، منهجهُ النقدّي، يعتمدُ على ألياتٍ أو أدواتٍ مُتعددة في قراءتهِ للنصّ الأدبيّ. الأدواتُ التي يَتكأُ عليها في قراءتهِ المعرفيّة للنصّ، مستمدةٌ من ثقافتهِ الإنجليزية الواسعة، فهو مَعنيٌ بالأدب الإنجليزي شعرًا، روايةً، دراما و نقدًا. انطلاقًا من مقولة الناقد الإنجليزي الكلاسيكي لونجاينس الذي يقرُّ أنّه لا يمكن للناقدِ أن يكونَ ناقدًا إلا إذا قرّأ النصّ جيدًا، وهذه القراءة الناقدةُ للنصّ المتكررة والفاحصة، هي التي تُمكن الناقد من أن يمارسَ نقوده على النصّ الذي يقع بين يديه، وأما الدكتور المختار فهو يذهب مذهبًا أكثر موسوعيةً، حينما يجعل من قراءته تعتمدُ على المذاهب الجمالية الحداثوية. أن تكونَ ناقدًا، ليسَ بالأمرِ الهيّن أو الميسور، بل تحتاج إلى أدواتٍ تستندُ عليها لتتمكن من فحصِ وتقييم النصّ الذي يكوّن أمام مجهرك النقدي ، الناقد د. علي المختار، يحللُ النصوص ويفككها إلى جزئياتٍ ومن ثمَ يحللُ كلّ جزيئةٍ دلالياً، وفي تحليلهِ يستحضر المَلَكَة النقدّية لديه، فيأتي إلى النصّ ليتذوّقه تذوّقًا معرفيًا_ جماليًا.
التساؤلاتُ المنطقيةُ التي يطرحها على النصوص، هي استدراكاتٌ أو تأملاتٌ معرفيةٌ في النصّ. المنهجُ النقديُّ الذي يسلكه، ليس محددًا ، فهو يتعامل مع النصّوص كلٍ بحسبِ المنهج الذي ينطبق عليه، فلا يطبق منهجًا معين ويفرضه على النصوص الإبداعية، ففي تحليلهُ لقصيدةٍ من القصائد الشعرية، يحاولُ أن يُحللّها وفقَ المنهج الذي قامَ بناء القصيدةِ عليه، وهو بهذا لا يكون متطفلًا على النصّ أو فارضًا عليه رؤاه او مذهبه النقدّي. لا يكون النقد نافعًا حتى يتحلّى بالثقافةِ والأمانة، من خلالهما يستطيع أن يبتعدَ عن الذاتيّة والانطباعية التي تُسيء إلى النصِّ أكثر مما تنفعهُ في أحيانٍ كثيرةٍ، لذا، نحن نقرأ النقد ليُّحببَ لنا الأدب الذي نقرأهُ.
د. علي المختار، حببَ لنا مادة النقد من خلال طريقته في الدرس، إذ حوّل مادة النقد، التي تحتاج إلى ذوقٍ وثقافةٍ وقراءاتٍ كثيرة إلى درسٍ مُمتعٍ، الطُلاب الذي يجلسونَ
غر   في قاعة درسه، سيخرجون وهم يحملون العديد من مناهج النقد ومن أسماء أعلام النقد الانجليزي. إن مميزات أو صفات الدرس النقدي عند المختار، أو المرجعيات التي تُشكل بالمجمل مادته النقدية ، هي حقولٌ أوجزناها بستةِ حقولٍ، الأول: حقل الأدب: أي القراءات الأدبية الخالصة للنصوص الأدبية التي تعطي صفة التمييز ومعرفة الجيد من الرديء أو الممتاز من العادي، فهذا لا يتم إلا بالقراءة الأدبية المتنوعة، فقد كان المختار مُلمًا بصورةٍ كبيرة على مختلف الآداب التي أخذ منها فكوّنت له التصوّر الكبير نحو النصّ الأدبي، شعرهُ ونثرهُ، فأنت تراه يأخذ من الأدب الفرنسي والاسباني واليوناني والعربي على حدٍّ سواء، فهو بهذا يقترب من الأدب أو من تعريف جوهره الذي يعني ضمن ما يعنيه ، الأخذ من كل شيء أجمله، فهو يأخذ من آداب هذه الأمم أجملها وينتقي أكثرها بريقًا وإشعاعًا، وهذا لمسناهُ في الاستشهادات الكثيرة التي يستشهد بها أو يستحضرها أثناء محاضرتهِ النقدّية. والحق الثاني، هو حقلُ المعرفة، أيّ حقل العلوم الإنسانية التي يجب أن يلم بها الناقد، التي تشمل علوم( الفلسفة ، الاجتماع، النفس، الانثروبولوجيا، الجغرافية، إذ تكون في العصر الحديث قسمًا جديد وصار يعرف بأدب الجغرافية وألفت به الكتب منها على سبيل المثال لا الحصر كتاب الأستاذ عبد الحق بلقيدوم الذي أسس عنوان ( الأدب الجغرافي العربي، المفهوم ، الأنماط والتطور)، ينبغي على الناقد أن يأخذ من هذه العلوم التي هي على تماس مباشر مع الأدب في كثيرٍ من خطاباتهِ وقضاياه، ومن تلمسهُ في محا    ضرة المختار، هو أخذه عن هذه العلوم بما يخدم رؤيته أو رؤاه النقدية، فلديه معرفة بفلسفةِ أفلاطون وتلميذه أرسطو نزولاً إلى فلاسفة أوربا ، والمعرفة الواسعة بالمدارس الفلسفية التي تحمل المركزية في عمق الطرح النقدي، فأنت لا تستغني عن الدرس الفلسفي مهما بلغت من المكانة النقدية، فالفلسفةُ تُثير الأسئلة التي تجعل النصّ ينفتح على التأويل، وهذا تلحظهُ عند المختار، حينما يقرأ لك النصوص فهو يذهب فيها مذهب الفيلسوف في طريقةِ تحليلهِ الذي يحفر بالنصّ إلى أعماقٍ بعيدة، فتستكشف من الجواهر واللألئ المبطنة في باطن النصّ، والحقل الثالث، هو حقل العلم، قد يعجب القارئ من إدراج حقل العلم في الدرس النقدي، وهذا التساؤل يزول من خلال النصوص التي يكتبها الأدباء التي تعنى بالقضايا الفكرية، فالأدب له تقسيمات منها يكون الأدب الذي يُزيّن العلم، فالأدب يعطي للعلم ويأخذ منه، يعطيه اللغة التي ترتفع من الهبوط وتأخذ منه قضاياه ومسائلهُ فيعالجهُ وفقَ تصوّر أدبيّ، عقلنة الأدب، هو مصطلحٌ شاعَ بكثرةِ في العصر الحديث وصارَ العشرات من النُقاد، يتسلحون بالثقافة العلمية في قراءتهم النقدية للنصوص الأدبية، كأنهم يُروضون عقولهم على المنطقية والعقلانية في الطرح النقدي. وأما الحقل الرابع، هو حقلُ النقد ذاته، أي مدارسهُ ومذاهبهُ ، وهذا يعني، الاهتمام بالآليات التي يمارس من خلالها الناقد نقوده، فأنت لا تستغني عن مدارس النقد ومذاهبه  في قراءةِ أيِّ نصٍّ إبداعيٍ ما، وما يتسلّح به الناقد المختار هو المعرفة في مذاهب النقاد الذين لديه معرفة عميقة في طرحهم النقدي، فهو يملك الخلفية التي تؤهله أن يعرف رأي المدرسة هذه ورأي رائدها أو مؤسسها في النقد، فالنقدُ هو نظامٌ، فلا يعد الرأي الاعتباطي نقدًا علميًا، فتحليل المختار للنقد، قائمٌ على تصوّر نقديٍ منظمٍ، مرتكز على مدراس نقدية وعلى مذاهب نقدية رصينة، أي أنّه يملك المنهج الذي يمارس من خلالهِ عملية النقد على النصوص الإبداعية، ومن خلال درس المختار د. علي ، تلمحُ ارتكازه على مذاهبٍ نقديةٍ ، وهذا الارتكاز يعني أنّه يجعلُ من نقودهِ مادة فكرية وعلمية، وبهذا تراهُ يُطيل التأمل في النص ويحلله وفق المذهب النقدي الذي يسلكه في القراءة. الحقل الخامس، هو حقلُ الثقافة كحقل جامع شامل لشتّى الأفكار والقيم والتمثلات، هذا الحقلُ هو الحقل الذي يُمكن الناقد من الموسوعية في نظرته لأيِّ نصٍّ إبداعيٍ، فالثقافة الكلمة الملتبسة الواسعة قد نعني بها، أنها المعرفة في كثيرٍ من الأشياء، نعم، فردس الناقد المختار، يمتلك هذه الصفة الثقافية، فهو مثقفٌ عضويٌ فعّال، وهذا واضحٌ في حضورهِ المؤثر عند طّلابهِ، فهو  كوّن شخصيتهُ تكوّينًا يجعلهُ القطب الذي يجذب إليه شتّى الأقطاب المتنافرة.
وأما الحقل الأخير الذي وجدناه في نقود د. علي المختار ، هو حقل الحياة الذي ينشط الحقول السابقة ويمنحها عناصر مادية وواقعية ، تلامس المتلقي بصورةٍ وجودية، قريبة منه، فللمختار التجربة الحياتية التي هي الدرس الأهم، فدرسُ الحياة هو الدرس الأكثر واقعيةً. هذه الحقولُ الست وجدناها ماثلةً في الدرس النقدي الذي شهدناهُ في كلية الآداب جامعة الكوفة، فهو ناقدٌ متمرسٌ نتيجة الخبرات المتراكمة التي استوعبها فتراكمت عليه هذه المعرفة الشاملة التي أسبغت على درسه النقدي المنفعة والمتعة.
 


تابعنا على
تصميم وتطوير