رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
مديات المثاقفة بين استراتيجيات التأليف والترجمة الأدبية في كتاب “الخيانة العظمى “ ...أشعار التوراة وجذورها العربية القديمة - مقاربة نقدية جديدة بين ترجمات الربيعي والنصوص التوراتية الرسمية للكاتب داود سلمان الشويلي


المشاهدات 1310
تاريخ الإضافة 2022/09/29 - 12:56 AM
آخر تحديث 2024/04/27 - 2:55 AM

قراءة / عبدالكريم عيسى:
     مهما بذلت وتبذل من جهود ترجمية موفقة للأدب على وجه العموم والشعر على وجه الخصوص , بيد انها لا تنجو من الوقوع في خسارات ومفقودات وخيانة للنصوص الاصلية , وما يرافقها من صعوبات في نقل المكافئات اللسانية والثقافية و الاستعارية من لغة الانطلاق الى لغة الوصول .وهي بذات الوقت , فن التجلي لما تجعله من المجهول معلوما . وكما تحدث (شتاينر) بحق عن الحزن المرافق دوما لعملية الترجمة , فهناك بكل تأكيد ((ألم)) داخل هذه التجربة وهو ليس فقط الم المترجم , بل ألم النص المُترجَم والمعنى المحروم من حرفه , فالمعنى والحرف منفصلان ومتصلان في الآن نفسه على حد تعبير (انطوان برمان).
   نجح هذا الكتاب في استثمار المنهج البنيوي الوصفي والتوليدي لتحديد المادة المدروسة والخروج من التعميمات الى التخصيص , حيث التمييز بين اللغة والكلام , مستفيدا ايضا من الجانب اللساني الآني (Synchronique) واللساني التزامني (Diachronique) في تحديد الدليل اللغوي (العلامة اللغوية) في الدال والمدلول والقول بالعلاقة الاعتباطية.
   اضافة الى ذلك, اشتغلت آليات التاليف المثاقفة مع النقد الترجمي , والدرس اللغوي اللساني كموضوع معرفة مستقلة بالتجاور والتحاور مع الدلائل التاريخية والجغرافية لتحقيق الهدف الرئيس لهذا الكتاب فياثبات ان أرض اليمن هي البيئة الأصلية الجغرافية للتوراة واليهود كجزء من التنوع السكاني بكل أطيافه ومذاهبه وليس أرض فلسطين .
   ويتوزع الكتاب على  ربعة أقسام .فيتناول القسم الأول (التعريف بعاموس)في قصيدته أقوال في الامم, ترجمة الدكتور الباحث والمفكر فاضل الربيعي) والتي تذكر التوراة على انها نبوءة عاموس. وهي من تلك القصائد التي قالها النبي عاموس ويدعو الهه (يهوذا) بأن ينزل عقابه على هذه الأمم التي يذكرها. وفي ترجمة(فاضل الربيعي)عن اللغة العبرية أثبت  بمنهجية لسانية - ثقافية, تاريخية وجغرافية , انها قد ارتكبت خيانة وتحريفا لفظيا للأسماء عموما وأسماء المواقع الجغرافية وطمست الكثير من المواضع والمدن لأنها تقع في اليمن وليس في فلسطين كما زعمت الترجمة الرسمية للتوراة . ففي مقطع (قول على دمشق) من قصيدة عاموس (أقوال في الامم) :
((لصوت الرب من صيون,أسمَع في أورشليم ارتفع أجدبت قمة الكرمل والرعاة يندبون)) ص 34.
   فصيغة (صيون) هي لفظة عربية من غرب الجزيرة العربية  وليست  كما تم تحويرها على انها (صهيون) وحذف الهاء متعارف عليه في لغة أهل اليمن. وأرض (أورشليم) توجد ضمن سلسلة من الأماكن لا وجود لها في فلسطين، وجبل (الكرمل) من جبال (نجد) اليمن الشهير في تهامة . وهكذا ينسحب التمثيل الغزير على عشرات الأسماء وأسماء الأماكن الجغرافية والتاريخية الدالة ، بدون أدنى شك، في بنيتها اللسانية – اللفظية وبنيتها التحتية الثقافية والتاريخية – الجغرافية على ان البيئة التي انطلقت منها قصيدة عاموس هي يمنية وليست أرض فلسطين .
        ويدعم المؤلف (داود الشويلي) في الفصل الثالث للقسم الأول بمنهجية بحثية موفقة جدا النقل المنهجي  العلمي في ترجمة أسماء الأماكن العديدة التي احتشدت في قصيدة (عاموس ) في اللغة العبرية في قوله : ان الشعر الجاهلي لشعراء اليمن يحفل بالمواضع والأماكن في مستهل القصيدة أو في ثناياها ، ص 115 ، وان جغرافية فلسطين ليست فيها تلك المواقع مستنتجا ، ان ذلك قد جاء تحت فكرة استعمارية استشراقية ، اتصفت بالخداع والتلفيق والتزييف لاسقاط جغرافية (التوراة) على جغرافية (فلسطين  الواقعية ) .
وفي قراءة الباحث  والمؤلف ( داود الشويلي ) لقصيدة  عاموس ، يلفت  نظرنا الى وجود تفاوت المقاطع والأبيات من هذه القصيدة مع  مجموع الأبيات في (النبوءة التوراتية ) ويدل هذا التفاوت على ترجمة التوراة الرسمية وترجمة  بعض سردیاتها مثل نبوءة عاموس  وبين الترجمة  الرسمية من اللغة العبرية مباشرة وما تحمله  من أخطاء جاءت بدافع  لاهوتي  استشراقي واستعماري ، ص137.
   ويركز القسم الثاني (قصيدة بارق ودبورة النبية )، والتي احتشدت أيضا بأسماء الأماكن اليمنية . فنلاحظ على سبيل  المثال ، في الفصل الثالث لهذا القسم لترجمة الدكتور (فاضل الربيعي) لنشيد بارق ودبورة: 
((وفي سعير تسامية من مرتفعات أدُومَ حيث الأرض ارتعشت، ص157))
   فلفظة (سعير) هي تحريف  لفظي لمفردة (تعز) مديرية الشمايتين، عزلة دبع الخارج ، قرية السعير. ولفظة (أدوم) هي محافظة (ذمار) مديرية عتمة، عزلة بني العراص، قرية الشاملة ، محله ( أدوم). واستنادا لذلك يورد المؤلف (الشويلي) قول الدكتور الربيعي بانه ليس ثمة نص شعري في التوراة ، تم التلاعب به عن جهل مفضوح مثل نشيد دبورة وبارق وهي من الشعر المألوف الذي يكتبه الكهنة اليهود قد تم تحريفه وترجم بطريقة مغلوطة، ص 163.
     وبعد ذلك يتناول القسم الثالث ترجمات قصيدة (نشيد الانشاد ) الى العربية مسلطا الضوء على الترجمة الأمينة الرصينة للدكتور (فاضل الربيعي)، معززا ذلك بجداول مقارنة مع الترجمات الرسمية للتوراة . لذا يؤكد المؤلف (داود الشويلي) في الفصل الأول من هذا القسم ان المفكر العربي (فاضل الربيعي) قد أنتج نظرية تاريخية جغرافية تعتمد اللغة وحقائق الجغرافية...... والتي قدمها وفق منطق واقعي استنادا الى الوقائع التاريخية وحقائق الجغرافية والموروث الشعبي واللغة العبرية المتداولة في اليمن ، وهي نظرية كون جغرافية التوراة مسرح احداثها في اليمن وليس في فلسطين وان اللغة العبرية هي لهجة عربية أيضا تكلم بها أبناء قبيلة إسرائيل في اليمن حالها حال اللهجات العربية الأخرى ، ص181. 
   وتضمن الفصل الثالث قصيدة (نشيد الانشاد) بترجمة (الربيعي) فترد في ترجمة (الربيعي) عشرات الأسماء أيضا الدالة على البيئة الجغرافية المكانية والطابع الديموغرافي والانثروبولوجي لأرض اليمن والتي وردت (باللغة العبرية) بتحريف لا يصمد أمام دقة ترجمتها والتحقق اللساني الصوتي المشفوع بدلائل جغرافية وتاريخية عند الدكتور فاضل الربيعي. 
   وفي الفصل الرابع للقسم الثاني , يدعم المؤلف (الشويلي ) المساحة التأويلية في ترجمة (الربيعي) بجداول موفقة جدا بينها وبين ما ورد بالترجمة الرسمية لتوراة من دار المشرق 1968 , مستنتجا من تلك الجداول ابتعاد مترجم التوراة عن النص العبري تحت دوافع لاهوتية استشراقية معروفة . ويعزز المؤلف الشويلي ذلك بقوله ان “قراءة متأنية للنشيد مع معرفة بالأغاني الشعبية للمنطقة العربية وبالشعر العربي الجاهلي يعطينا فكرة انتحال هذا النشيد من واقعه الذي قيل فيه ودخوله في التوراة بعد سنوات , ص 230 “.
   ويرفدنا القسم الرابع الأخير لهذا الكتاب الخصب والموسوم بـ (دراسات أخرى (للكاتب الشويلي) بمناقشة منتجة لكتاب (فلسطين المتخيلة والتوراة) للمفكر (الربيعي) , يؤكد فيها الموارد السابقة وتحمل قدرة توصيلية اثرائية  من المثاقفة في التشابك التفاعلي بين آليات التأليف وتقنيات الترجمة , داعما وجهات نظر الدكتور الربيعي وآراء كمال الصلبي في هذا الشأن .
   وجاءت الدراسات على التوالي : 
   الأولى بعنوان (فلسطين المتخيلة والتوراة التي جاءت من جزيرة العرب).
   الثانية (عن الجزيرة العربية واليمن و آراء كمال الصليبي وفاضل الربعي عن اسرائيل). 
   الثالثة نظريات (جغرافية التوراة).
   الدراسة الرابعة بعنوان جغرافية هجرة النبي ابراهيم بين التوراة والواقع . 
   وعلى وجه العموم , يؤكد في جميع هذه الدراسات  دعمه للموارد السابقة , وتحمل جميعها قدرة توصيلية اثرائية من المثاقفة بتشابك تفاعلي بين ستراتيجيات التأليف والترجمة . 
   ويجدر القول ان المؤلف داود سلمان الشويلي قد بذل جهودا كبيرة من الانصات والتفاعل والتحاور مع المعلومات التي تصدى لها مرتكزا على رصيده الثقافي الموسوعي المتنوع . 
*صدر هذا الكتاب عن دار الرافدين , ط1, آذار 2022 ، وهو من الحجم الكبير ويقع في 292 صفحة ويتوزع على أربعة اقسام و16 فصلا. 
 


تابعنا على
تصميم وتطوير