الزوراء/ ليث جواد:
انشغل الشارع العراقي خلال الأيام الماضية بالحديث عن استمرار العمل بنص المادة 398 من قانون العقوبات النافذ رقم 111 لسنة 1969 والتي تنص “على انه إذا عقد زواج صحيح بين مرتكب إحدى جرائم الاغتصاب وبين المجنى عليها يعد ذلك عذرا قانونيا مخففا لغرض تطبيق احكام المادتين 130 و131 من قانون العقوبات شرط استمرار الزواج لثلاث سنوات وفي حال انفصالها قبل المدة المقررة تطبق العقوبة بحقه، الأمر الذي اعتبره بعض القانونيين والإعلاميين والباحثين على انه مكافأة للجاني وطالبوا بإلغائها، فيما اعتبره آخرون على انه يهدف الى الحفاظ على حياة الضحية التي قد تواجه مصير القتل في مجتمع ذكوري عشائري”.
تعرضت للشتائم
وتحدث المحامي صفاء اللامي لـ(الزوراء) قائلا: ان “الموضوع أثير من قبل إحدى المنظمات وتمت استضافتي في احدى القنوات العراقية بشأن تلك الدعوات المطالبة بإلغاء المادة 398 من قانون العقوبات وابديت وجهت نظري بشأن هذه المادة ووجهة نظر المشرع العراقي”.
واضاف انه “كان هناك عدم فهم للنص القانوني بصورة صحيحة من قبل تلك الجهات التي تحاول إلغاء هذه المادة لأننا اصحاب الاختصاص ونعرف البعد القانوني والبعد الاجتماعي لهذه المادة واسباب تشريع هذه المادة القانونية، وبسبب هذا الرأي تعرضت الى حملة تشهير وإساءة من قبل بعض الجهات وبشكل غريب جدا “.
وتابع ان “فصل جرائم الاخلاق والآداب العامة في قانون العقوبات يبدأ من المادة )393 -398( ويتحدث فيها عن هذه الأمور، أي انه في حالة تعرض النساء الى الخطف او الاغتصاب او الفعل الفاضح فإن القاضي يستطيع اسعاف النساء وفقا لهذه المادة ويمنع قتلها”.
واشار اللامي الى انه “إذا ألغيت هذه المادة سوف لا نستطيع انقاذ النساء اللواتي يقعن تحت هذه التصرفات لان جميع الحالات التي سجلت في المحاكم او في وزارة الداخلية في حقيقتها لم تكن اغتصابا او اختطافا من الشارع كما يتصور بعضهم، وحتى إن حدثت فهي نادرة ما تحدث”.
واضاف: انه “حقيقة ليست اختطافا او اغتصابا وإنما هي علاقات عاطفية بين رجل وامرأة وصلوا الى طريق مسدود”، لافتا الى “ان هذه العلاقة وفقا للعرف العشائري مرفوضة وبسبب تضييق الحريات وبمجرد معرفة وجود علاقة يمنعون تزويجها من هذا الشخص لذا يضطرون الى الهروب معا”.
ونوه بأن “القاضي لكي يسعفهم اجاز للمتهم ان يتزوجها لان الاهل يكونوا مشتكين عليه إما بتهمة الاغتصاب او الاختطاف والقانون أعطاه الحق بالزواج منها وإذا قبلت الفتاة فإن العقوبة تخفف عنه بشرط ان لا يطلقها إلا بعد مرور ثلاث سنوات وفي حال طلقها قبل هذه المادة فإن العقوبة تنفذ بحقه من جديد وعقوبتها تصل الى السجن المؤبد”.
بعد اجتماعي
وأوضح ان “ المشرع العراقي عندما وضع هذه المادة وضع فيها بعداً اجتماعيا لان الكثير من النساء يقعن تحت عنف مفرط والنظرة الضيقة والقبلية والعشائرية للنساء لأنهن يعشن واقعا مرزيا جدا”.
واعتبر ان الجهات التي تبنت المطالبة بإلغاء هذه المادة يعيشون بواقع بعيد عن مجتمعنا ومعظم تلك الجهات التي تطالب بإلغاء هذه المادة تعيش في اوربا، والنساء هناك يتمتعن بالحرية ولا توجد عليهن قيود، وبالتالي نجدهم اليوم يطالبون بإلغاء هذه المادة، بينما نساء العراق هن من يعشن هذا الواقع المزري وهن من يتعرضن الى القتل في حال وقع هذا الامر”.
وشدد على ان “هذه المادة لا تحتاج الى أية تعديل لانها مفصلة على الواقع العراقي على الرغم من كونها قد شرعت ضمن قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 وضيق من نطاق استخدمها آنذاك وتم اجراء تعديل عليها بموجب قرار 91 لسنة 1987، أي انه عندما صدر القانون اول مرة كانت تسقط العقوبة كليا، لذا انتبه المشرع الى ذلك وتم تشريع قانون ينص على انه إذا وافق على الزواج منها فإن العقوبة لا تسقط بحقه وإنما تخفف”. مضيفا انه “من وجهت نظري القانونية بعيدا عن العاطفة اجد انه لا توجد هناك أي حاجة لتعديل تلك المادة في الوقت الراهن لان المشرع اعطى حرية الاختيار للفتاة بقبول الزواج او رفضه”.
واشار الى ان” المجتمع العراقي يختلف من محافظة الى أخرى، إذ ان بعض المحافظات تنظر الى المرأة نظرة دونية وسيئة وقد تتعرض الى القتل مع شديد الاسف لكونها لا تفرق فيما إذا كانت ضحية ام لا، وتعتبر قتلها اتقاءً للعار ومن دواعي الشرف سواء قبلت او رفضت، في حين بعض المحافظات تكون الفتاة فيها مخيرة بالقبول او الرفض والاهل متفهمين لهذا المادة”.
واستدرك اللامي قائلا “بهذه الهيكلية الخاصة بالمادة 398 فإننا كأصحاب اختصاص نراها مناسبة لواقع مجتمعنا العراقي لان المتصدين لهذه الحملة غير متفهمين لواقعنا اصلا”.
فيما خالفه الرأي الخبير القانوني الدكتور علي التميمي، إذ قال لـ(الزوراء) ان” المادة 398 من قانون العقوبات المتعلقة بزواج المغتصب من المغتصبة هذه المادة اوقفت المحاكمة وتحريك الدعوى والاجراءات المتخذة بكل المراحل القضائية واوقفت الاجراءات إذا تزوج الجاني من المجنى عليها بشرط عدم وقع الطلاق بينهما لمدة ثلاث سنوات “.
القانون ذكوري وعشائري
واضاف: ان “هذه المادة غريبة، إذ انها الغت المواد التي قبلها المتعلقة بفصل الآداب العامة والتي كانت عقوبتها تصل الى الاعدام ومثل هذه المواد الغيت في المغرب وتونس ومصر وهذه والمواد فيها ظلم للمرأة وهي شبيهة بمواد اخرى تدل على ان قانون العقوبات فيه نزعة ذكورية واضحة وقبلية لان مواد 409 و41 من قانون العقوبات المتعلقة بغسل العار خير دليل على ذكورية القانون”.
ولفت الى ان “ بعضهم تحدث عن القرار 91 لسنة 1987 وقالوا إنه تم ايقاف العمل بهذه المادة في حين انه في الحقيقة لم تلغ العقوبة وإنما جعلها عذرا مخففا إذا قبلت به وهذا اجحاف بحق المرأة لان القرار 91 ذهب الى المواد المخففة في قانون العقوبات (132 و131) والتي عقوبتها الاعدام خففها الى الحبس لمدة سنة وفي بعض الاحيان تذهب المحكمة الى المادة 144 والتي هي ايقاف التنفيذ”.
واوضح التميمي ان “ الامم للمتحدة وصفت هذه المادة بأنها انتهاك لحقوق الانسان واعتبرتها جرائم ضد الانسانية فضلا عن كونها تخالف الدستور العراقي في المواد (14 و 25 و29) ويجب ايقافها “.
جرائم ضد الإنسانية
واكد ان “المجتمع الدولي اعتبرها جرائم ضد الإنسانية، إذ ان المادة 5 من اتفاقية القضاء على جميع اشكال العنف الدولي وحتى اتفاقية (سيتاو) اعتبرتها شكلا من اشكال العنف ضد المرأة وهذه الجريمة لها بُعد اخلاقي لانها لاحظت حالة المرأة النفسية والاجتماعية، اضافة الى انه لم تراع ركن عدم الرضا والاكراه وبالتالي سحقت ارادة المجنى عليه وهذا يخالف ميثاق العهد الدولي في المواد (7-8-9)”.
ونوه بأن “إلغاء هذه المادة يجب ان يكون بنص قانوني وفقا لقاعدة (القانون لا يلغى إلا بقانون او لا يعدل إلا بقانون) او يطعن به امام المحكمة الاتحادية لمخالفته تلك المواد التي اشرنا إليها اعلاه”.
إعادة النظر بالقوانين
فيما اكدت المستشارة الحقوقية الدكتورة زهراء التميمي لـ(الزوراء) انه” ليست هذه المادة فقط التي تحتاج إلى اعادة النظر أو التعديل، وانما العديد من القوانين التي تحتاج الى التقنين في العراق، حيث تظهر أسماء جديدة اليوم لبعض الممارسات العنيفة التي لم يتم تدوينها بواسطة القانون او تشريع آلية للتعامل معها، مثل الاغتصاب الزوجي لأنه ايضا لا يعتبر اغتصابا وفق للقانون العراقي، ولا يوجد تشريع بهذا الشأن”.
وترى التميمي ان “هذه المادة أعطت فرصة لتنظيم داعش الإرهابي للتهرب من جرائم اغتصاب الإيزيديات والتركمان؟ّ! بدلاً من عقابهم، بل انه تمت مقاضاتهم وفقًا لقانون مكافحة الإرهاب فقط “.
جرائم الاغتصاب
واشارت الى ان “ المشرع العراقي عرّف جرائم الاغتصاب بأنها جرائم أخلاقية تمس شرف الضحية وكرامتها وهذا التعريف يعتبر حلا غير قانوني بل اجتماعيا للتستر على الضحية بالزواج من المعتدي بزواج رسمي لمدة ثلاث سنوات من أجل إعفائه من العقوبة، أي ان استعمال المشرع لكلمة (عرض) يعزز فكرة الكرامة التي تقتصر على الأعضاء التناسلية فقط”. وتابعت “هنا علينا أن نسأل ماذا لو كان (المغتصب) رجلاً مسنا أو متزوجاً من 4 نساء، كيف يمكن للضحية أن تتزوجه”.
رفع الوصايا عن المرأة
واشارت الى انه “من وجهة نظري فزواج المغتصب من الضحية لا يعتبر حلا شرعيا بل حلا اجتماعيا فقط، وأن الحل الصحيح الذي يزيل الحرج والقيود ويعيد للمرأة سمعتها وكرامتها هو المجتمع نفسه الذي كبلها بقيد الشرف وعلى المجتمع ان يرفع وصايته عن النساء وأن يتقبلهن كما هن عليه من حال “.
ونوهت بأن “معالجة السبب أهم من تجنب النتيجة إذا كنا فعلا نبحث عن طريقة نقلل فيها من جرائم الاغتصاب فلابد من تشريع قانون صارم يطبق بالشكل الصحيح وعقوبات قاسية للمغتصب لكي تكون رادعة له، فضلا عن انه في هذه الجرائم يجب ان لا يكون هناك تخفيف أو إعفاء من العقوبة بأي حال من الأحوال”.
ولفتت الى ان “مطالبتنا اليوم كحقوقيين ونشطاء هي إلغاء المادة 398 والتي تعد احد اهم اسباب استمرار جرائم الاغتصاب في العراق مع شديد الاسف”.
زواج باطل
من جانبها، اكدت الدكتورة سناء عيسى الداغستاني، المتخصصة في علم النفس الاجتماعي: انه “ لا نؤيد هذه المادة لعدة اسباب منها ان الزواج هناك يكون غير سليم للاثنين فكيف يأخذ المغتصب دور الجلاد والضحية في الوقت نفسه، وهذا دور غير صحي بالعلاقات الزوجية لان ما بني على خطأ وباطل تكون نتائجه ايضا باطلة”.
وتابعت قولها انه “هناك ما يسمى متلازمة ستوكهولم عندما يعتدي المجرم على الضحية ثم يحافظ على حياته ممكن او قد يحب الضحية ويتحمل الاذى منه فقط لأنه حافظ على حياته وهذا قد يحدث هنا بالعلاقة الزوجية”.
واوضحت ان” المرأة دائما هي الضحية بمثل هذه الحالات حتى لو تم الزواج والستر عليها مثل ما يقال ولكن يبقى الاثر النفسي واضحا وعميقا ويؤثر على الأطفال والمرأة في المستقبل”.
واشارت الى انه “يجب إلغاء هذه المادة من القانون او تعديلها لانه على أي اساس استندت في السماح للمغتصب بالزواج من الضحية لان الاغتصاب عمل غير انساني، ويجب ان يتعرض الى العقاب لمن يقوم بارتكاب هذه الافعال “.
بدوره، قال المتخصص بالعلوم التربوية والنفسية الدكتور قاسم الكناني لـ(الزوراء) انه” من الناحية النفسية وحسب الدراسات والبحوث العلمية فكل امرأة يتم اغتصابها تتعرض لصدمة وبعدها تبدأ آثار تسمى ما بعد الصدمة، لذلك علمياً لا يمكن ان يتم هذا الأمر اطلاقا، أي الزواج “.
واوضح: “هناك اسباب متعددة للاغتصاب والدوافع التي تحرك سلوك المغتصب وتختلف من مغتصب إلى آخر لكن بشكل عام ممكن حصرها في الادمان على المخدرات والمؤثرات العقلية والفقر والجهل والانتقام لدوافع شخصية وعدم وجود خشية من العقاب...الخ”.
فيما اعتبر الكاتب والباحث قاسم الغراوي ان “ المشرع العراقي لم يعفِ الجاني من العقاب في المادة 398 من قانون العقوبات وانما اعتبر فعله عذراً مخففاً له في حال زواجه من المجنى عليها، كما ان حالة زواج الجاني من المجنى عليها تمثل معالجة لهذا الموضوع، خصوصاً أن العادات والتقاليد وواقع المجتمع العراقي ينظر الى المرأة (الضحية) نظرة ريبة حتى إن كانت ضحية”.
وتابع ان “ زواج المجنى عليها من الجاني لا يتم إلا بموافقتها ولا تجبر على اجراء عقد الزواج وفي حالة رفضها فإن الاجراءات القانونية تستمر بحق الجاني الى صدور القرار النهائي من المحكمة المختصة”.
واضاف “لا يمكن النظر الى هذه الجناية بهذا الوجه لان الاصل في الجرم وقع وهو تجاوز على حرية انسانة ومساس بشرفها ويترتب على ذلك عقوبة جنائية لان الاغتصاب جريمة ويعاقب عليها الشرع الاسلامي والقوانين الوضعية الدولية لكن المشرع العراقي وضع هذا القانون لعدة اسباب آنذاك”.
المادة وضعت لحماية المرأة
واشار الغراوي الى ان” هذه المادة وضعت للتخفيف من وطأة الحكم على الجاني أولا، وثانيا تخليص المجني عليها من تبعات الاعراف العشائرية والاجتماعية، وغالبا ما تكون حياتها مهدورة من قبل ولي امرها، لذا شرع القانون لحمايتها من القتل او تخليصها من الحالة النفسية والوضع الشاذ الذي تعيشه بعد الجناية التي ارتكبت بحقها وربما تدفع حياتها ثمنا لهذه الجناية التي هدرت كرامتها وإنسانيتها بفعل نزوة طائشة”.
فيما يختلف الباحث والكاتب، سعد الزبيدي، مع الغراوي، إذ يرى أن “ المادة ٣٩٨ من قانون العقوبات العراقي شرعت لتخفيف العقوبة ضد مجرم ارتكب جرما يعتبر في المجتمعات المتحضرة جريمة ضد الإنسانية”.
مضيفا ان “ المجتمعات الذكورية التي تتمسك بقيم الدين والعشيرة تنظر الى المجنى عليه نظرة دونية بالرغم من كونها مغلوبة على أمرها وتتعامل مع الموضوع بنظرة قاصرة وتبحث عن حلول للملمة الجريمة والتضحية بمستقبل المجني عليها من زواجها من المغتصب”.
آثار نفسية
واوضح الزبيدي انه” بعد الزواج يخفف الحكم على الجاني بل وربما يتم التنازل من ذوي المجني عليها عنه حتى لا يفتضح أمرها والطامة الكبرى أن هذا التشريع لا ينظر بعين الاعتبار للجانب النفسي والمعنوي للمجني عليها، وهكذا يتحول المجرم الى زوج وربما أب لامرأة تحطمت نفسيتها وفقدت ثقتها في نفسها “.
لافتا الى انه” كيف لنا ان نتخيل أن جاهلا أميا مجرما يتعاطى المخدرات يغتصب طبيبة أو مدرسة أو مهندسة أو شابة شريفة في مقتبل العمر ومن ثم يصبح زوجا لها لانها تكون مجبرة على الارتباط به، وبسبب هذه المادة نكون شاركنا بتحطيم نفسيتها وثقتها بنفسها وسيكون زوجا لها بالاسم فقط وسيطلقها أو ستطلقه ولو بعد حين من الدهر، فضلا عن انه كيف سينظر لها وإلى مولوده من قبل المجتمع والذي يرى أن ابنها ابن حرام؟!”.