بيروت/متابعة الزوراء:
تشهد دراسة الإعلام في مجمل تخصّصاتها إقبالاً لدى اللبنانيين من الشبان والبنات، وهي تشكّل واحدة من الأحلام التي ترافق صاحبها منذ الصغر.
أحياناً يأتي هذا التوجه على أساس حب لمهنة المتاعب، ومرات أخرى يكون رغبة بعالم الشهرة الذي يتمنى الشباب ولوجه.
وإضافة إلى الإعلام المكتوب والإعلانات، يشكّل الإعلام المرئي بمختلف أقسامه وجهة غالبية طلاب هذه المعاهد. فبالنسبة لهم الشاشة الصغيرة تسرّع في الانتشار وتؤمّن الشهرة.
في لبنان العديد من معاهد الإعلام المرموقة على مستوى العالم العربي. ولقد أسس في الجامعة اللبنانية (الجامعة الحكومية الأم في البلاد) معهد الصحافة في عام 1967.
وفي عام 1975 غيّر اسمه ليصبح كلية الإعلام والتوثيق. أما شروط الانتساب إلى هذه الكلية فيتطلب حيازة شهادة الثانوية العامة اللبنانية أو ما يعادلها. وكذلك النجاح في اختبار مباراة الدخول الخطية الذي تجريها الكلية كل سنة. ومن الجامعات الأخرى التي تملك أقساماً للتخصّص في مجال الإعلام المختلفة، الجامعة الأميركية في بيروت AUB والجامعة اللبنانية الأميركية LAU وجامعة سيدة اللويزة NDU وجامعة البلمَند والجامعة الأميركية للعلوم والتكنولوجيا AUST وغيرها. وتختلف الإجازات والشهادات التي تمنحها هذه المعاهد لطلابها. إذ منها ما يتعلق بالصحافة وعلوم الإعلام والعلاقات العامة والإعلان والاتصال التسويقي وفنون التواصل وغيرها، وتتراوح مدة الدراسة الجامعية ما بين 3 و4 سنوات، وفق منهج كل جامعة.
الدكتور جورج صدقة، العميد السابق لكلية الإعلام في الجامعة اللبنانية، يؤكد في لقاء مع «الشرق الأوسط» أن «مستوى كليات الإعلام بمجملها جيد ومتطور، وأن كلية الإعلام بالجامعة اللبنانية، بالذات، تطور مناهجها باستمرار كل سنتين أو ثلاث. ومنذ سنوات قليلة أدخل الاختصاص الرقمي وعلم البيانات، وهذا الأخير موجود فقط فيها داخل لبنان». ويتابع: «كذلك طورت الشهادات العليا لتشمل الصحافة التنموية والبيئية والصحية وغيرها، حتى أن مختلف الجامعات تملك التكنولوجيا المطلوبة ليتسنى للطالب القيام بالأعمال التطبيقية... فالاستوديوهات والتقنيات الصوتية اللازمة وغيرها، متوفرة».
ويضيف صدقة: «لدينا هيئة تعليمية تتألف من متخصصين من دول أجنبية، يزودون المنهج التعليمي في كلية الإعلام برؤية جديدة على الصعيد النظري». ويستدرك فيلفت إلى أن «المشكلة لا تتعلق بكليات ومعاهد الإعلام في لبنان، بل بمن هم دُخلاء على هذه المهنة، ذلك أن نصف العاملين في هذا المجال اليوم، ليسوا من خريجي كليات الإعلام، بل يأتون من اختصاصات أخرى. وأحياناً يكونون غير مؤهلين للمهنة، ولا سيما النساء الآتيات من عالم الجمال. هؤلاء يفتقدن مرات كثيرة إلى التكوين المهني المطلوب، وهو ما ينعكس سلباً على أدائهن، وعلى أخلاقيات المهنة».
يرى صدقة أنه لا يكفي أن تتطور كليات الإعلام كي تتطور المهنة «إذ إن القطاع الإعلامي بحد ذاته متعثّر. وجميع وسائل الإعلام في لبنان عاجزة عن تأمين اكتفاء مادي ذاتي، كما هي القاعدة عالمياً. فالطلب لا يزال مستمراً على خريجي كليات الإعلام من قبل المحطات والإذاعات والصحف، لكن في المقابل لا يلاقي هؤلاء الأجر المادي المطلوب، كي يعيشوا على المستوى اللائق».
وحسب العميد السابق فإن «المشكلة الجديدة التي تواجهها كلية الإعلام في الجامعة اللبنانية هي تراجع مستوى التعليم... لم يعد هناك لغة سليمة ولا قلم وكتابة صحيحة بسبب تواضع التركيز على دروس القواعد العربية، وعلى مواد الآداب العربية وغيرها. إننا نلاحظ ركاكة في أسلوب الكتابة عند هؤلاء». ويختتم قائلاً: «المشكلة بشكل عام لا تتعلق بكليات الإعلام أبداً، في الحد الأدنى من التكوين المهني المطلوب. كما أن بنية الإعلام اللبناني وواقع وزارة الإعلام ونقابات الصحافة والمجلس الوطني الإعلامي، إضافة إلى المؤسسات الإعلامية هي التي تعاني من المشاكل، وليس العكس».
لدعم المناهج في كليات الإعلام، يستعان في لبنان حالياً بنجوم الشاشة الصغيرة، في المسموع والمكتوب، لتزويد الطلاب بخبرات نابعة من واقع المهنة. وتطول لائحة نجوم الإعلام الذين باتوا يشكلون عنصراً أساسياً من الهيئة التعليمية. ومعظم هؤلاء يُتعاقد معهم للتعليم بالساعة، فلا يدخلون رسمياً لائحة الأساتذة الأكاديميين المنتسبين إلى الملاك. هؤلاء يعطون حصصاً نظرية وأخرى تطبيقية، ولكن من باب خبرتهم العملية في غالبية الوقت. وكما الإعلامية الدكتورة مي شدياق، صاحبة الخبرة الغنية في المرئي والمسموع، كذلك هناك نيشان ديرهاروتونيان الذي يتمتع بتاريخ طويل في الإعلام المرئي والمكتوب. والأمر نفسه يطبق على مذيع الأخبار في «المؤسسة اللبنانية للإرسال» يزبك وهبي وزميله في قناة «إم تي في» سابقاً جورج عيد وغيرهم.
تشير الدكتورة ماريا بو زيد، رئيسة قسم الإعلام في جامعة سيدة اللويزة، إلى أن قسم الإعلام في جامعتها «يغطي 3 برامج أساسية، بينها العلوم البصرية (تلفزيون وأفلام) والصحافة والإعلام الإلكتروني، إضافة إلى الإعلان. وبالطبع لدينا أقسام أخرى خاصة بالدراسات العليا». وعن نسبة الإقبال الأكبر التي يشهدها اختصاص دون غيره تقول ماريا بو زيد لـ«الشرق الأوسط» إن «النسبة الأكبر من طلابنا اليوم تتجه نحو قسم الإعلان، فهو واسع وشامل وفرص العمل فيه متاحة بشكل كبير في لبنان والعالم العربي». وتضيف أن «قسم التلفزيون يأتي من بعده، ومن ثم الصحافة والإعلام الإلكتروني. وعادة ما تقوم الجامعة بإعادة نظر دورية في مناهج الإعلام كي تواكب كل جديد يطرأ على هذا العالم، ومنذ نحو سنتين وبفضل تجديد شهده برنامج الصحافة والإعلام الإلكتروني، في ظل الفورة التي كان يحققها على الأرض، ازداد الإقبال عليه بشكل أكبر». إلى أن تقول إن «الـNDU تتمسك بتطبيق اعتماد دولي لبرامج الإعلان والعلوم السمعية والبصرية. فالأولى جارٍ الإشراف عليها من قبل المنظمة الدولية للإعلان، بينما الثاني يجري تحت عنوان «اعتماد cilect”. وبفضل هذا التدقيق، كل 5 سنوات يُعاد البحث في طبيعة المناهج لتطويرها».
زافين قيوميجيان من الإعلاميين أصحاب الخبرة الطويلة في المرئي والمسموع. وكان درس الإعلام في الجامعة اللبنانية الأميركية، وكانت مشهورة يومها بقسم فن التواصل والمسرح. ويشير زافين إلى أن هذه الجامعة: «كانت من الأوائل في إعطاء حصص باختصاص التلفزيون والإذاعة والإعلام الإلكتروني. أما شهرتها الأكبر فاكتسبتها من قسم الفنون الجميلة. وزاد بريقها بعدما صارت ملتقى لجماعة السمعي - البصري، ومن بين خريجيها رانيا برغوت وهند مجذوب من أوائل مذيعات الـ«إم بي سي». وبعدما شعرت أن هناك منافسة قوية عندها من قبل معاهد وكليات إعلام أخرى، قررت أن تثبت وجودها أكثر فأكثر من خلال اتباع مناهج أهم».
حالياً تحول زافين من طالب إلى أستاذ في «الجامعة اللبنانية الأميركية»، حيث يدرّس مادة تاريخ التلفزيون وصناعة البرامج الحوارية. وخلال لقاء مع «الشرق الأوسط» يقول: «سعيد أنا اليوم بعودتي إلى جامعتي ولكن كأستاذ. عندما انتسبت إلى هذه الجامعة كطالب دخلت قسم الصحافة. ومرة، عندما كنا نقوم بأحد فروضنا عن نشرة الأخبار في الصف، أسرّ لي أستاذي علي جابر، بأن الكاميرا تحبّني، وأنّ علي أن أعمل في المجال المرئي. واليوم ها أنا أمارس التعليم، وهي مهنة صرت أحبها كثيراً. ففي فترة عملي في «تلفزيون لبنان» كنت أتمنى أن أدرس مادة تتعلق به، فكثيرون لا يملكون أدنى فكرة عنه. اليوم أحقق رغبتي هذه مع طلابي ونتبادل معاً حوارات غنية ومفيدة».
من ناحية أخرى، أسباب الاستعانة بأساتذة من خارج الملاك أي غير متفرغين ومثبتين في عملهم، تعود إلى أمور مختلفة. فالأمر لا ينحصر بالشهرة التي تحيط بهؤلاء، بل بالخبرة التي يمتلكونها على الأرض. وهنا تقول ماريا بو زيد: «نحن أيضا لدينا خبراتنا الأكاديمية. إننا لم نهبط على هذا المضمار بالمظلةـ بل بفعل وجود مواد تطبيقية تواكب الإعلام اليومي، نلجأ إلى نجوم الإعلام. والأساتذة الأكاديميون يتمتعون بخبرات مختلفة، ومنهم من يملك خلفية غنية بفضل ممارسته عمله في الإعلانات والتسويق وغيرها. وأحياناً يلزمنا قراءة 50 كتاباً كي ننتج بحثاً نعمل عليه. وتشكل نسبة الأساتذة الأكاديميين النصف فيما الإعلاميون هم النصف الآخر». وتشدد ماريا بو زيد على أن التعاون مع نجوم الإعلام من شأنه «خلق توازن بين الدروس النظرية والتطبيقية... إنه يطبع الطالب ويدفعه إلى بذل الجهد والتعب للوصول إلى مكانة أستاذه النجم، فيكون النجم خير مثال له. لأن هذا الأخير بذل مجهوداً كي يصل إلى ما هو عليه. وفي النهاية لا شيء يأتي من العدم واللامبالاة. وهذا الأمر يستوعبه الطلاب من خلال حواراتهم مع نجوم الإعلام من أساتذتهم».
(عن/صحيفة الشرق الاوسط)