عبد الفتاح المطلبي...شرفة على الجهات الأربع
ثقافية
أضيف بواسطة zawraa
الكاتب
المشاهدات 1524
تاريخ الإضافة 2015/09/08 - 8:38 PM
آخر تحديث 2023/06/06 - 9:00 AM
فن صناعة القصة
يوسف عبود
يقدمُ لنا القاص عبد الفتاح المطلبي مجموعته القصصية “شرفة على الجهات الاربع” التي تضم ثلاثة وثلاثين قصة قصيرة، ومن ضمنهن ثلاث قصص قصيرة جداً، هي باقة منوعة تتناول واقع الحياة المؤلم من كل الزوايا، إنها شرفة على الجهات الأربع، إذ إن القاص عرف كيف يقوم بصناعة قصة تحتوي كل أصولها وأساسها ومقوماتها وأدواتها، اذ إننا نجد في ثنايا متن النصوص الأدبية هذه الحرفنة في صناعة النص القصصي الذي يمثل القصة بكامل كيانها، الشكل، المضمون، الزمان، المكان، الحدث والحكاية، المعالجة الفنية التي نحس من خلالها أن القاص بذل جهداً واضحاً من أجل انضاج النص وتقويمه بعد أن يدخل في بوتقة مختبر فكر الكاتب ليقوم بمهمته الصحيحة دون أن يغفل أي أداة من أدوات كتابة هذا الجنس الادبي، ونلاحظ أيضا من خلال متابعة المجموعة أن العملية السردية والبناء السردي والهيكل العام للنص جلياً واضحاً، إذ إن أغلب كتاب القصة يغفل أداة أو أكثر وهو يقود العملية السردية، قد يحرك الزمن ويغفل المكان، أو يحرك الشخوص ويغفل الحدث، أو يترك هذا وذاك ليهتم بجمال النص، أو يقدم نصاً واقعياً بحتاً دون معالجات فنية تتطلبها هذه الصنعة، إلا أن القاص عبد الفتاح المطلبي استطاع الامساك بزمام القيادة بإحكام وقاد العملية السردية في نصوص مجموعته حركة موحدة دفعة واحدة دون أن يتخلف جانب عن الآخر نحو سياقها الفني المنطقي الصحيح، حيث تصاعدها، وتواترها ، وذروتها، وهو يراقب البناء السردي المرصوص، كي لايطغي جانب عن الآخر، أو يحدث تداخل يسيء إلى مسيرة هذا البناء، ونكتشف من خلال ذلك أن الحدث والحكاية لا يمثلان القصة، أو هما الطاغيان والمسيطران على العملية السردية فحسب، انما جعلهما جزءاً مكملاً لباقي أصول الكتابة، ليأتي الجانب الآخر والمهم والذي اولاه الاهتمام الصحيح، ذلك هو المعالجة الفنية وتضمين هذا الحدث الفكرة المبتغاة وحسب حاجة الحدث، إذ إنه يرى أحياناً يحتاج أن يعالج فنياً بأسلوب الرمزية التأويلية كما نرى ذلك في قصة ((الحصن)) وقصة ((الدغل)) وقصة ((رهاب))، وأحياناً تحتاج إلى معالجة فنية خيالية كما في قصة ((الخندق))، وأحياناً تحتاج إلى لغة تقترب إلى ما نراه في الحلم، أي تكون مضببة وكئيبة وحزينة، ونرى ذلك بإتقان في قصة ((زمن ميت))، ونكتشف أيضاً أن مهمة القاص ليست كتابة القصة فحسب، بل إن أمامه رسالة يجب توجيهها إلى المتلقي، وإنه يعيش معاناة الناس داخل هذا البلد، كل ذلك يدخل ضمن همومه، ولنأخذ نموذجاً من تلك القصص ونجري عليها عملية التحليل لأن القيام بتحليل قصص المجموعة يأخذ مساحة كبيرة من الدراسة، ونحن بصدد تناول أسلوب القاص في صناعة القصة بشكل عام وهي قصة((نظارة سوداء))، في هذه القصة تختلط الواقعية مع المعالجة الفنية مع الغرائبية، فهي تتحدث عن أحد الممثلين في إحدى المسرحيات التي يخرجها مخرج سلطوي بعيني صقر، وعلى الممثل بطل القصة أن يقوم بدور أعمى في المسرحية بنظارة سوداء زجاجتها اليمنى مكسورة، وثوب رث، ونعل جلدي قديم، وقد أجاد هذا الممثل دور الأعمى ولاقت المسرحية نجاحاً باهراً، مما حدا بالمخرج أن يقوم بعرضها في المحافظات، وطلب من بطل القصة أي الممثل أن يرافقه في هذه الرحلة ليطلع على خشبة المسرح هناك، وفي الطريق يتعرض لمحاولة اغتيال، فيقتل السائق في الحال، ثم يقتل المخرج بسبب عينيه اللتين تشبهان عيني الصقر، ويترك الممثل لأنه أعمى، وذلك بسبب إجادته لدور الاعمى، وعندما يخلى سبيله يظل يمشي وهو متقمص دور الأعمى، وهذه القصة النموذج عولجت بتقنية عالية جداً، ووظفت رمزيتها لتعني أن المسرح هو الوطن، والمخرج السلطوي هو الرئيس المتسلط، والأعمى هو الشعب، كما نرى في هذه القصة كما في القصص الباقية، التحريك الموحد لأدوات فن كتابة القصة موحدة دون تخلف، وجعلها تسير بنسق انسيابي، حركة الشكل والمضمون والزمان والمكان والحدث والحكاية والمعالجة الفنية والبناء السردي والشخوص، تتحرك بشكل موحد منذ كتابة السطر الأول في القصة إلى وصولها مستوى الذروة ثم النهاية، وهذه الحالة تتطلب فطنة وذكاء وحرفية نادرة نجدها في كتاب القصة الذين أجادوا صنعة هذا الجنس، وكذلك اولى القاص الاهتمام بجانب المتعة والتشويق والدهشة والانبهار والتي يجب أن تتوفر في كل قصة، إلا أنه لايضخّ ذلك دفعة وهو يحرك عجلة السرد بل إنها تأتي بسياقها المنطقي الصحيح دون مبالغة، وهكذا فإني أجد في مجموعة ((شرفة على الجهات الاربع)) للقاص عبد الفتاح المطلبي ترسيخ حقيقي لأصول كتابة القصة بكل تفاصيلها التي قد يغفلها أحيانا كتاب هذا الجنس الأدبي الصعب، وبما إن فن صناعة القصة القصيرة هو فن التكثيف الصعب فإننا نلاحظ هذه الصعوبة وهذا التكثيف داخل فضاء كل نص من المجــموعة.