في الشأن العشائري.. معالم واضاءات ..كتاب الفريق الدكتور مارد عبد الحسن الحسون
ثقافية
أضيف بواسطة zawraa
الكاتب
المشاهدات 1001
تاريخ الإضافة 2020/11/10 - 5:10 PM
آخر تحديث 2024/11/07 - 12:47 AM

عرض ومراجعة د . معتز محي عبد الحميد
لعل البنية العشائرية هي أحد أبرز المكونات الاجتماعية التي تفرض بوجودها مؤثرات قادرة على التحكم بصيغة العلاقات الاجتماعية والسياسية في المجتمع، وذلك من خلال صياغتها لسلوكيات تلزم الأفراد الإقرار بها والتمسك بمبادئها، وهو ما يطلق عليه الوقائع الاجتماعية. وقد أسهمت قوانين الجغرافية والتاريخ في تأطير تلك الوقائع الاجتماعية بقوانين تتحكم بنشوئها وصياغتها، وفرضت عليها وضعا لا يمكن الخروج منه، وهو العيش في إطار مجموعة من القوميات والأجناس المتنوعة أنتروبولوجيا شكلت بمجملها نسيجه الاجتماعي. وهذا مااكد علية الكاتب الفريق الدكتور مارد عبد الحسن الحسون في كتابة الذي صدر حديثا ( في الشأن العشائري00 معالم واضاءات )
وتناول الكاتب صورة القبيلة كمؤسسة اجتماعية متكاملة في مجموعة من الدراسات الحديثة التي نشرها في الصحافة العراقية قائلا 00 لقد شكلت قوانين الجغرافية حدودا تبلورت فيها وحدات اجتماعية يطلق عليها القبيلة تقوم بتنظيم العلائق بين أفرادها، وتتمتع بسمات وأفكار مترابطة كسلة متماسكة، ترسم صورة القبيلة كمؤسسة اجتماعية متكاملة ذات مبادئ أساسية متفق عليها، حيث اتسمت القبيلة العراقية بشيوع العقل الجمعي، الكل لأجل الكل، والفرد يدافع عن الآخرين لأنه عضو في الجماعة ولأنه مكفول بالدفاع عنه من قبل الآخرين، فضلا عن شيوع التضامن الآلي، إذ لا يوجد مجال للتفكير والتردد في الدفاع عن القبيلة، إلى جانب ما اتسمت به من سلوكيات مقرونة بالحذر واليقظة والانتباه والجدية في أحيان كثيرة.
وعلى الرغم مما يراه البعض من أن العراق في مطلع القرن العشرين «لم يكن شعبا واحدا أو جماعة سياسية واحدة» فهو بالإضافة إلى عدد كبير من الأقليات «كانوا يشكلون مجتمعات متمايزة ومختلفة رغم تمتعهم بسمات مشتركة. 00 راى الكاتب أن هذا القول نصف الحقيقة، فالعراق كان جزءا من الإمبراطورية العثمانية، ولم تكن فيه سلطة سياسية وطنية، أما شعبه فقد كان موحدا على درجة كبيرة، ولعل أوضح مثال على اشتراك العراقيين بمختلف فئاتهم وطبقاتهم في مواجهة الاحتلال الإنجليزي للعراق (1904–1918). وحالة المقاومة التي وصلت ذروتها في ثروة العشرين وفي هذا الإطار يؤكد الدكتور مارد عبد الحسن ، أن ثورة العشرين كانت تعبيرا عن فعل جمعي شعبي لا يمكن أن يكون قد ظهر فجأة بل هو بالتأكيد تعبير عن تأريخ من مشاعر الانتماء تسبق ذلك الفعل. وكان العراقيون جميعا بمختلف فئاتهم وطبقاتهم يهتفون «يحيا الوطن». بل إن العرب (ذوي المجتمعات المتمايزة) كما وصفهم حنا بطاطو كانوا غالبا ما يتحدون في صراعهم ضد الدولة العثمانية، هذا بلا شك يجسد انتماء مشتركا إلى مجتمع واحد رغم وجود كيان مستقل.
في إطار هذه المعطيات وفي اسلوب مهني متمرس للكاتب حيث امضى سنوات عديدة يدير ويشرف على ادارة هذا الملف في وزارة الداخلية اكد في عدة مقالات على دور الهوية الوطنية للعشائر قائلا 00يبدو أن هوية الوطنية موسومة في وجدان وعقل وضمير جميع العراقيين، وكل الخطر في رأينا ليس في العشيرة بذاتها كوحدة اجتماعية أو حتى العشائرية، بل في بحث العشيرة في بعض الأحيان عن أمنها وعزتها في حضن الغريب الذي يجد فيها صيدا ثمينا لأطماعه واستغناء له عن شر القتال، بدل أن تبحث العشيرة عن ذاتها في الوطن عبر صيغ دستورية ووفاق يحفظ لها أمنها وحريتها وتطورها الثقافي وتشبثها في آن بالوطن الذي لا يمكنها من تحقيق سيادتها على نفسها إذا كان منتهكا، ولا يمكن تذوق الاطمئنان إذا كان قلقا.
وفي جانب اخر ومهم في الكتاب يتناول الدكتور مارد دور المتغيرات على الارض وروح المواطنة قائلا00 وعلى الرغم مما تطرحه المتغيرات على الأرض من سلبيات، نجد اليوم الكثير من الوقائع والتأثيرات التي أسهمت بشكل مباشر أو غير مباشر في وضع العشيرة العراقية لمفاهيم جديدة تفرز مفهوم المواطنة، وتبتعد عن مفاهيم العصبية الضيقة، مفتوحة على رحاب المجتمع الأرحب لتتحد مع مجموعات كبيرة من عشائر العراق نابذة خلافاتها، لتسعى لتقديم خدمات مجتمعية إنسانية، كإسهام البعض في حماية خطوط الأنابيب النفطية أو إصدارهم قرارات ضد من يرتكب جرائم بحق الناس، أو الإسهام في حل المشكلات الاجتماعية التي باتت تهدد كل بيت عراقي.
و على صعيد آخر جدد القول أن رؤساء العشائر اليوم يساهمون بشكل فاعل في صياغة العملية السياسية، حيث تحتل العشيرة في ظروف الأزمات وغياب الكيان السياسي لسلطة الدولة الركن الأساسي في بلورة صورة المجتمع المدني بمفهومه الحديث، نقف هنا قليلا لنقول إن جدل التنوع لم يكن بالضرورة انقساميا، من حيث العلاقة مع الآخر (الأجنبي) على وجه الخصوص، لأنه تنوع ينطوي على تثاقف وتواصل، إنه تنوع يثري ثقافة الأمة، وخصوصا في ظروف الأزمات،
وفي ظل التحولات المجتمعية السريعة التي يمر بها العراق على الأصعدة كافة، ما المطلوب من العشيرة؟ يتسائل المؤلف ويجييب 00المطلوب هو أن تركز اهتماماتها لا على ما هو مرغوب فيه فحسب، بل على ما يمكن إنجازه عمليا في الواقع. ومن الطبيعي أن العشائر العراقية في عملها، كما في الخطوط السياسية الأخرى، إن اندفعت بتكريس البحث من أجل مصالح المجتمع فإنها في الوقت نفسه ترسي أسس دولة متماسكة.
ووفقا لراي الكاتب نجدة يحذر في انجرار بعض العشائر الى التحزب قائلا 00أن العشيرة كقوة متماسكة في وجه العوامل البشرية والطبيعية تعترضها أخطار. لكن الأمر يصبح أكثر خطورة عندما تصبح العشيرة جزءا من المحتل وتروج لمفاهيمه وسياساته، أو عندما تتحول الوحدة العشائرية إلى أداة للدولة وبالتالي تفقد وظيفتها كجزء فاعل من المجتمع المدني. كما يتجسد الخطر الآخر في العودة إلى الانقسامية من خلال تحويل القيادة العشائية من قيادة جماعية إلى قيادة فردية، أو عندما تتحزب العشيرة للطائفة أو الفئة على حساب الوطن، وكذلك عندما تدخل العشيرة في صراع مع العشائر الأخرى على حساب المواطنة لأسباب فردية كحالات القتل والثأر والدكات العشائرية وغيرها.