ليلى عامر
مضت مدّة و أنا أسبح في ظلام دامس ، أستيقظ الآن ، أفتح عينيّ بصعوبة ، بياض يلفّ المكان و ضباب يشبه الأحلام ، يدي ترتجف و حلقي جافّ ، و هذه الأنابيب اللّعينة ...
آه تلك أمّي و هذه الفتاة النّحيلة الجالسة هناك خطيبتي ، أرى والدي أيضا ..
و تلك جارتنا أمّ أمين ، تبّا مالي أراها أجمل امرأة هنا ؟
أحاول أن أبعد عنها وجهي ، لكن لا أقدر ، أمّي أسرعت إليّ ، أمسكت يدي و بدأت شريط الدّعاء ...
خطيبتي اقتربت باستحياء :
-حمدا لله على سلامتك .
لم أستطع الجواب ، كان شيئا بداخلي يرفضها ، يتلوّى كالأفعى يكاد يخنقني .
أتكون هي السّبب في فيما حدث لي ؟
نعم ربّما كنّا في رحلة ما و كان حادثا جنونيّا ، لكن لا أراها مصابة أم أنّها لم تصب بأذىً.؟
و أمّ أمين لم هي هنا و عيناها محمرّتان ؟
أستغفر الله ..
هل مات أمين ؟ هل هو زلزال ؟
خرجت من ذاك المستشفى اللّعين ، أوّل ما فكّرت فيه هو زيارة أمّ أمين
أقصد خالتي أمّ أمين ، استغربت والدتي الأمر و أنا الّذي لم أكن لأزورهم منذ سنوات..
-تفضّل بنيّ .
قالت و مشت أمامي تفسح لي الطّريق بعكّازتي على يميني و أمّي على يساري .
لم أقل شيئا ، كان كلّ نظري يغطّي جسدها صعودا و نزولا ، أستغفر الله و نظرت إلى الأسفل .
أحسست براحة و أنا ألج البيت ، رائحة القهوة المسائيّة و هواء منعش ، ستائر البيت ، غير أنّها تبدو حزينة و مقهورة ، أحضرت القهوة مرحّبة مرّة أخرى .
كنت أختلس نظراتي إليها و كلّ خليّة في جسدي منجذبة نحوها ، احترت في مشاعري ، هل صرت مجنونا ؟
لاحظت والدتي تصرّفاتي الحمقاء ، و من الغريب أنّها لم تعلّق بشيء ، بل رأيتها تمسح دمعتها بيديها .
-بنيّ هيّا نعود إلى البيت !
-أيّ بيت ؟ أنا ..... أنا ...
و هناك في زاوية الصّالة وقعت خالتي أمّ أمين مغمىً عليها .
قمت بصعوبة أحاول مع والدتي إسعافها و قلبي يهزّ صدري هزّا لأحضنها ، التقى الجسدان ، لا أستطيع الابتعاد ...
-بنيّ !
أتاني صوت أمّي مرتبكا :
-عمّك سليم رحمه الله كان معك أثناء الحادث ،أنقذك من موت محقّق . هل أتعبك نبضه ؟
أبعدت جسدي عنها، محاولا أن أجد متّسعا لأستوعب هذا النّبض المختلف .