رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
قراءة في روايات الكاتب العراقي علي لفته سعيد


المشاهدات 1009
تاريخ الإضافة 2020/04/29 - 6:52 PM
آخر تحديث 2024/04/27 - 4:20 PM

آسيا الشقروني هذه قراءة لروايات للكاتب علي لفته سعيد الثلاثة. الصورة الثالثة -مزامير المدينة -فضاء ضي. الجزء الأول. الصورة الثالثة جاء في مقدمة الرواية، الإهداء لأبيه والذي يظهر مدى تأثره به في فصول الرواية. ملخص الرواية الرواية تتحدث عن محسن وهو كاتب، كان جندي احتياط عراقي عائداً من غمار الحرب مع الكويت ويشتغل عاملاً على تشغيل مولد كهربائي على سطح فندق حيث تكون السقيفة، هي محل إقامته، وكل الرواية زمنها يبدأ صباحاً لتنتهي الرواية مع مساء نفس اليوم . وفي أثناء مراقبته لمؤشرات المولد الكهربائي وضجيج تشغيله يلهي الكاتب عامل المولد نفسه بإنهاء كتابة قصة عشيقته التي يزورها في الساعة العاشرة من كل ليلة ليمكث معها حتى حلول الفجر،، ويعذبه انه لا يعرف لماذا ارتضيت أن تتخذ لنفسها عشيقاً إذا كانت متزوجة، وهو يرى صورة زوجها معلقة على حائط الغرفة. فيظل يلاحقها بالأسئلة، وحين تمتنع عن إخباره يتخيل هو قصة هذا الزوج وهذه العشيقة. يحاور عامل المولد ذاته وكأنه شخص آخر، لنعيش في الصراع الداخلي للإنسان ويأخذنا لحوادث وأحداث مرت به منذ بداية شبابه حتى هذا اليوم في تصاعد متناغم سلس ،، لنعيش زمنين متداخلين الزمن الذي يعيشه الكاتب عامل المولد، والزمن الذي يتذكره وهو يحاور ذاته، لتنتهي الرواية بمغادرته وتركه العمل في الفندق عند الحادية عشرة ليلاً. الرواية ذكرتني إلى حد ما بأسلوب روايات الكاتب الكولمبي الماركيز دي غارسيا حيث تبدأ القراءة وتشعر بأن القصة متداخلة، فهو يقص علينا ما يحدث بشخصية هنا وشخصية هناك ثم يرجع للشخصية الاولى وغيرها ولا نعرف وجه الارتباط حتى نصل لمنتصف الرواية وتشعر بالملل، ولكنه ملل محبب بحيث تجد نفسك تقرأ ولا تعرف ما الذي يشدك في الرواية إلى أن تصل لنقطة ترتبط فيها كل الخيوط وكل الشخصيات ارتباطا وثيقاً حتى لكأنك تشعر أنه عليك أن ترجع للصفحات السابقة لتراجع الأحداث التي قرأتها، لتلوم نفسك لتغافلك فقرات هي بغاية الأهمية لبقية الرواية. كانت هناك بعض النقاط تمنيت على الكاتب لو أوردها بطريقة مختلفة، وسأسرد هذه النقاط وإن كانت لا تعبر إلا عن رأي الشخصي كقارئة يحتمل أن يكون رأيها صواباً ويحتمل ان يكون خطأ. حين كان يحاور الكاتب عامل المولد الكهربائي ذاته كان يسميه محسن ولم نعرف ان العامل هو ذاته محسن ،وفى الصفحة رقم (11) أربكتنا كتابة كلمة ( قلت) بدون حركات ولم نعرف هل تعود على الكاتب عامل المولد ام على ذاته التي يخاطبها، وإن تم الفهم من السياق إلا أنني تمنيت أن تكتب بالحركات لتفهم على من تعود الكلمة أو تجنب تكرارها ليتم الفهم وصف الكاتب للأماكن كان مختصراً جداً سواء لوصفه للسقيفة التي يقطن بها أو لبيت سلوى وهذا جعل القارئ يرى الصورة وكأنها هلامية غير واضحة المعالم. اختيار الكاتب لجعل الرواية حواراً مع الذات هو اختيار فيه الكثير من التحدي ولذلك كان الوضع شائكاً بعض الشيء، فحين نحاور الذات يفترض لهذه الذات انها تعي كل ما مرّ بها من أحداث وشخصيات في زمنها الماضي، فليس من المنطقي أن أحدث نفسي عن زميل وأصفه لنفسي، ولكن لأن الكاتب يريد أن يعرّف القراء بالشخصيات اضطر أن ينحو هذا المنحى، وهذا ما أربك المشهد في بعض الآحيان. مثال على ذلك الصفحة ( 23 )“سأكتب الهذيان اضحك اضحك،، صديقي عفواً صديقنا مهند، أنت تعرفه،هذا القصير القامة الذي يكتب الشعر بلسان طويل ويتخيل أن شعره ينبع من لسانه، ما أن يمد يده أمامه حتى يسكب قصائده النثرية على الورق، يقول لي:أن لكل إنسان كبوة، بدونها لا نصبح شعراء.. عجباً لك يا مهند وأنت تخالف قوانين الحياة، وتخرج من جاذبية الارض لتقف على لسانك بدلاً من قدميك، حتى إذا ما سقطت، ضحكت وقلت: آه يا لساني، كم أنت جميل إذ تتلقف جسدي الناعم النحيف بكثير من النقد اللاذع. صديقنا هذا يعلف أجنحة الدجاج.” لعلّ هذا المثال أوضح ما كنت أرمي إليه من أن عسر عليّ فهم منْ المخاطب، تمنيت على الكاتب لو وضع الكتابة بطريقة مختلفة عندما يخاطب ذاته مثل أن تكون الحروف مائلة مثلاً. وصف السارد علاقته بأبيه واشتياقه لأمه وتفاصيل موت أبيه كانت جداً شفافة و سامية وحقيقية لدرجة إنك تشعر معه بالوجع، ولو إنني تمنيت ان يستغني عن الوصف الدقيق لبعض الأشياء والإشارة لها فقط، أو على الأقل عدم تكرارها وهذا لن يضعف النص بقدر ما يذهب بالقارئ للشعور بنوع من التقزز غير الضروري.. في الصفحة 164 يحكي لنا الكاتب عامل المولد عن لقائه الأول بسلوى ويصف بدقة مجريات الحديث الذي دار بينهما ومدى اقترابه منها في السوق، فقال“سرت إلى جانبها تماما، لم تعد المسافة الفاصلة بيننا كبيرة وقد سبقنا ظلنا في الطريق” ربما في إشارة رمزية لأغنية السيدة أم كلثوم. وفجاءة في الصفحة 165 قال “انتبهت بعد عشر خطوات إلى أن كفها مازالت في كفي وبحركة مصطنعة أفلتتها” ولم يخبرنا بأنه أمسك كفها من قبل. الجزء الثاني: مزامير المدينة ملخص الرواية هذه الرواية جزء ثان لرواية الصورة الثالثة وتبدأ أحداثها وهو يستريح في المقبرة ويقرأ كتاباً ليسرح بمخيلته في الحرب ويتذكر كيف كان أبيه يصفها بالحجر الضخم الذي بمجرد أن يقع على شيء يصعب الفكاك منه وبهذا كانت الحرب مثل الحجر على العراق تنتهي من إحداها لتبدأ في حربٍ أخرى. من بعد رجوع الكاتب من الحرب التي استدعي لها وبقى فيها عشرة سنوات عاد ليكون بلا عمل يعاني شظف الحياة حتى يقترح عليه جاره أن يعمل معه في المقبرة ويكون حفاراً للقبور ويوافق على مضض ليأخذنا معه في مشاهداته وما يحدث في المقبرة والطبقية الموجودة فيها والفرق بين الأغنياء والفقراء حتى في هذا المكان،، وكيف بالرغم من أن المقبرة تعد مكاناً للفناء والموت إلا أنه يجد من يعتبرها مكان للحياة الممتعة حين يصادف حمدية في أحد القبور مع عشيقها، ويستغل ضعفها ليسألها عن سلوى، التي رغم السنين لم يستطع نسيانها. وتخبرنا الرواية عن يوميات البطل وحواراته مع ذاته واستذكاره لأحاديث أصدقائه الجدد مجتبى ومحمود ويوسف،، ويتحدث على التغيرات التي حدثت لصديقيه مهند وناهض وكيف ركبا موجة التيار الديني لخدمة اغراضهم الشخصية. لتنتهي الرواية بمشواره مع صديقه محمود يرافقان مجتبى بناء على طلب الأخير ليتحدثا مع والده الغني صاحب الاسرة الدينية العريقة ليتعطف على ابنه ليتنازل بجزء من ثروته له، وانتهى المشوار بطردهم من محله. عندما تقرأ هذه الرواية تعيش كل ما عاشه العراق وتفهم كيف دمرت الحرب العراق وكيف يعاني المواطن البسيط، هذه الرواية تجسيد للواقع العراقي والذي نجد ما يشابهه وإن كان بطريقة أقل وطأة في بعض البلدان العربية الأخرى، وفي الرواية تجسيد أليم لما مر به الجندي العراقي ولما عاناه من ويلات الحروب المتكررة . الرواية جيدة لولا أنها عانت من التكرار فهي لم تحتو على أحداث وإنما اعتمدت على تكرار ما حدث للعراق وما حدث مع البطل وهذا جعل الرواية طويلة ولكن جاءت باهتة. تصوير مشاهد الدفن ومواكب الجنائز ووصف الامهات الباكيات كان معبراً جداً وجعلنا نعيش هذا الشعور بالحزن العميق والذي داعب ما نمر به من أحداث قتل وتفجير والفاجعة تتلو الفاجعة. الجزء الثالث: فضاء ضيق هذه الرواية هي الجزء الثالث والتي تكون تتمة للروايتين السابقتين. تبدأ الرواية حين يرى الكاتب محسن بعدما ترك عمله حفاراً للقبور وهو في طريقه لعمله الجديد في مؤسسة لمساعدة الايتام، يرى صورة بها اسم مترشحة و تحمل نفس الاسم الذي تحمله عشيقته السابقة سلوى التي لم يستطيع أن يتخطى حبه لها وضياعها منه.وتستمر علاقته بصديقه مجتبى ابن عائلة الدين الثرية والعريقة، ومن خلال أحاديثه مع أصدقائه القدامى والجدد مثل علاء وحليم وتوجهاتهم الدينية وكيف أنه يمثل حالة الوسط بين علاء العربيد وحليم الملتزم بالدين وكيف أن محسن يقف فى المنطقة الوسطية المعتدلة. ويصور كيف يتألم من حال الأرامل من خلال مؤسسة الأيتام التي يشتغل بها. كما تخبرنا الرواية عن رحلته إلى مصر لإقامة ندوة حول روايته، والحوارات التي كانت بينهم حول هموم العراق. وتصور لنا الرواية صراع الاحزاب على السلطة واستغلال الجانب الديني لتحقيق المصالح الشخصية. وتظهر حمدية عند عتبة بيته لتطلب منه ضم ابنها لمؤسسة الأيتام مقابل أن تخبره عن سلوى، ولتخبره عن ما مر بها منذ اخر لقاء بها وكيف انها تعاني من ضيم الفقر والمجتمع الذي جعلها في مكان لم تختاره بإرادتها ليبقى السؤال مستمراً أين سلوى؟. إن هذه الرواية تجعلك تعيش مع كاتبها من حيث الحدث والمشاعر التي تصاحب الحدث وكأنك هذا الشخص تعيش معه ساعة بساعة لدرجة تشعر معها بالفراغ بعد انتهاء الرواية وكأنك تودع صديقاً تعرفه منذ زمن وتعرف كل عادت اكله ونومه وكل أحداث يومه. اعتمد الراوي في الرواية نفس الأسلوب السابق في الرواية الأولى وتلاعب بالأحداث من حيث تقديمها وتأخيرها، وإن لم تكن كما في الرواية الأولى. أعجبني جداً كيف أن الراوي يترك القارئ في نهاية كل رواية في حالة استفهام، أسلوب لم نعهده من قبل ويجعل من الرواية قابلة لجزء يليها أو تركها كما هي.

تابعنا على
تصميم وتطوير