رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
محمد يونس... انموذج ورقي بتشارك التضادات رواية موبي ديك لهيرمان ميلفل


المشاهدات 1034
تاريخ الإضافة 2020/04/26 - 8:57 PM
آخر تحديث 2024/05/03 - 5:20 AM

تشارك التضادات – لم تكن الرواية في قمة عصر الكلاسيكية أن تشير لنا الى مفعولها الحسي، ولا تربط الصراع الدرامي فيها بالجمال، بل هدفت الى تأهيل المضامين العامة، بعدما حلتها الى ما مختلف او متندر اجتماعيا، وراعت الحكاية اكثر من مراعاتها للفن، وبعد التحولات العاصفة النوعية التي فرضت بعض الروايات من استيعاب مضامين خلاقة، وهدفت ابان القرن التاسع عشر الى توسيع المضمون الروائي، وخلق وجدان ادبي حساس، ففلوبير اقام ثورة اخلاقية معكوسة في رواية – مدام بوفاري – والتي كانت تمثل تحولا نوعيا في نمط الكتابة الروائية، وبطلة روايته ايما بوفراي هي صرخة بشرية ضد السياقات البرجوازية، والتي تجعل الحياة مقسمة الى طبقات، فهناك طبقة عليا تعيش في نعيم، وهناك طبقة ادنى تعيش في جحيم بلا اي ادنى اهتمام من تلك الطبقة، ولكن فلوبير حافظ على النسق الاجتماعي، وكان هناك من عاصره نقض ذلك النسق، بل اغرقه في المياه المظلمة، وقد انساق هرمان ميلفل الى الماء كودة سرد شعورية، وهنا قد دعم حسه الشكسبيري، فقدم رواية – موبي ديك – الغريبة والمشوقة، والتي تعدّ مأساة بشرية، وقد نماهنا الصراع في الرواية بين البشر الذي يتنفس على الارض، وبين الحوت الابيض الذي يكون داخل ظلمات البحر، وهنا نقف امام جانب نفسي، فلا نرى أن ميلفل هدف الى اشباع الغريزة البشرية، وكذلك طر الخوف من تلك الظلمات، فهو هنا اذن يخلق شخصية باسلة يمكنها تغيير تلك الابعاد النفسية، وهنا يقف امامنا شخصية اهاب، والتي تعارض تلك الفكرة الساذجة، فهو قد فقد ساقه، اذن أن البسالة ليست في الواقع، بل بالمشاعر الاحاسيس والوجدان، وأن ميلفل في الكتابة اهتم بتوسيع المعنى الروائي، وسعى الى تغيير التوصيفات الاجتماعية العامة، ورسم صورا بديلة لها، وقد تطورت المعاني والمشاعر والاحاسيس في الطبيعة الجديدة للوحدات السردية، والخروج عن المألوف بعدما اصبح السرد على وجه الماء، وذلك ما تألفه الرواية سابقا فيكل المجالات المكتوبة، وهنا ليس السرد على وجه الماء يعني اشبه بسياحة جمالية، بل هنا السرد يمثل افعال صراع غير طبيعية، حيث هي ايضا غير متوازنة، وتلك التجربة المثيرة، قد سبقت عصرها، فالصراع الدامي الدرامي لايعني الا هناك موهبة تقف خلف ذلك الصراع . إن الاختلاف في الكتابة المهمة في رواية – موبي ديك - ليست يسيرة هين بل هناك صعوبة عصيبة، مثلما فيما بعد ديفيد لورنس في رواية – نساء عاشقات – قد اقترب من ميلفل في روايته الاخرى – الامور الغوامض – حيث هناك عشق وعلاقة بالمحارم وهناك انتحار قاسي كان، وصراحة كان الكل في ظل شكبير، ولم يستطع احد منهم أن يفر منه، وكان ميلفل يملك شعور كبير بشكسبير، والا لم يقترب كثيرا من تلك الظلمات، فالجرأة الادبية التي صنعها شكسبير في مسرحياته دعمت الادب بعده من تعدي الافق الاجتماعي العام، او تحطيمه واعادة انتاجه، وقد برهن هيرمان ميلفل أن يخلق رواية قاسية في الجرأة الادبية، لذلك لم يكن هناك حظ لتلك الرواية الا بعد القرن العشرين، حيث المجتمعات اهتمت بفكرة هيرمان ميلفل، والذ دفع البشر الى الصراع مع المياه المظلمة، جعل احساس اهاب يتدفق في النفوس البشرية الى اقصى الحدود . لقد حقق اهاب لنا امكانية في تفسير صراع التعارضات ايجابي هو، وأن اهاب يعادل موقفه موقف الحوت الابيض، او هما يتبادلان الموقف، رغم أن لموقف اهاب ظروف اغلب واكثر، حيث أن اهاب فقد ساقه، وفي الحياة البشرية يمشي على عكازة منكس راسه، بدلا من أن يكون رافعا رأسه، على اعتبار أنه مهزوم باحساسه، وقد تمكن من أن يرسم لنا صورة مثيرة للجدل، بعدما استمر بصراعه امام الحوت الابيض، وقدم لنا مثالا نوعيا، وليس بالسهمل في ظروف صراعه امام الحوت الابيض، وقد هدف هرمان ميلفل نشاط بشري اعاد صياغة السرديات الكبرى، فقد حرك الحس البشري فوق الماء وليس على الارض، وهذا الاختلاف النوعي قد اثمر لنا جدا افلاطونيو حيث أن كيفية التعارض تتوافق، وهذ نجده اكثر من مرة ينادي اهاب الحوت الابيض أن يأتي للصراع، بل تجاوز اهاب ذلك حيث تنازل عن موقعه وهبط الى الماء، اي هو هبط الى موقع الحوت الابيض ليصارعه، هذا يعني أن اهاب يملك طاقة روحية لاتقاس، وبذلك كانت تجربة رواية – موبي ديك – هي رسالة نوعية للبشرية . انموذج الانفصال عن المعنى العام – لقد قدمت شخصية – اهاب - تطورا نوعيا من الخروج عن المعنى العام، كما قد خرج – راسكلينوف – بطل رواية الجريمة والعقاب,وايضا كما قدم سمو شخصية جان فال جان – بطل رواية البؤساء، واللتان قد نشرتا بعد المنتصف الاول للقرن التاسع عشر، فيما سبقتهما رواية – موبي ديك – في تخلييق نموذج بشري وورقي ايضا، فأنت تشعر فطريا بأن اهاب من لحم ودم، لكن بالوعي تشعر أنه شخصية ورقية باهرة، وهنا طبعا فارق كبير بين الشعور الاول والشعور الثاني، فالأول يعكس احساس اجتماعي طبيعي، فيما الشعور الثاني يدل لنا على احساس ادبي، وهذا ما نراه تصاعد فني نحو الانموذج، وذلك الانموذج يملك حسم بشري، لكن احاسيسه تكون اعلى من ذلك تكون، وليس من اليسر بلوغ عمقها اذا سعينا له فنحتاج الى طاقة معادلة الى ما يملكه اهاب من طاقة، وذلك من الصعوبة في القرن العشرين، حيث تراجع البشر الى التزام المنطق الوضعي بالشكل العام، وتنظيم الحس الاجتماعي بالتساوي، وهنا قد اصبحت شخصية اهاب اما هي اسطورية، او هي نموذج فنين ومن يكون قد يصارع المياه العميقة المظلمة يملك ادوات مساعد كثيرة، فيما كان اهاب لا يملك غير ساق واحدة . أن الانموذج الروائي ليس بشخصية افقية حتى لو كان من لحم ودم، وهذا امر طبيعي جدا في بنية الشخصية، فهي لابد لها أن تملك مقومات معنوية في خلق طاقة خاصة، وهنا لابد للمؤلف أن يستثمر التاريخ ويستعار منه ما يدعمه، والان من اليسير يستعار المؤلف ما يدعم طاقته، ويجعلها متقدمة على المعنى العام، ويتجاوز ايضا المنطق الطبيعي لروح الحياة، فالشخصية بتعديها الافق العام لابد لها أن تملك طاقة عالية لمقاومة ظروف غير طبيعية، واعتقد قد تفردت شخصية اهاب في امتلاك طاقة نوعية، وعلى وجه الخصوص هي تسرد على وجه الماء، وليس كما اعتادت الشخصيات من الحركة على الارض، وهذا ليس بتميز هون بل تفرد نوعي لا تملكه غيرها من الشخصيات الادبية، وهو ليس بتمرد نوعي عن السياق الادبي، بل هو يعكس الى أن هناك طاقة خلاقة قد مثلها المؤلف هيرمان ميلفل كروح عبقرية تكل رسالة للبشرية، واعادة انتاج الضمير البشري ادبيا، حيث جعل شخصية اهاب تتمتع بتلك الطاقة وتتفرد بها ايضا، واكد وجوده الادبي بأنه اعظم شخصية ادبية، وهي اندر مثال نوعي . كان هناك في افاق رواية – موبي ديك – منطقة شك عاشتها شخصية اهاب، لكن ذلك الشك لم يستمر,حيث قد تجاوزت شخصية اهاب ذلك الشك لتملكه يقينها النوعي، وتحولت شخصية اهاب الى علم وبصيرة بأنها يمكن أن تقاوم الظروف القاهرة – هذا لو عرفنا بالقصة الحقيقية أنهم بعد أن فقدوا الامل داخل المياه العميقة في ظلمات البحر قام احد يأكل الثاني – وهذا ما تراضه الحياة، وهنا قد عاكس اهاب الظروف وقدم روحية بها امل من اجل خلق حياة مليقة للبشر، فكان اسمى نموذج ادبي من لحم ودم.

تابعنا على
تصميم وتطوير