رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
ســـوق الصفاريـــن.. هــل يستعيــد عافيتــه مــن جديـــد؟


المشاهدات 2037
تاريخ الإضافة 2015/08/02 - 7:20 PM
آخر تحديث 2023/06/07 - 9:00 AM

[caption id="attachment_27870" align="alignnone" width="300"]عبد  الأئمة الطائي عبد الأئمة الطائي[/caption] 13131 [caption id="attachment_27868" align="alignnone" width="300"]تتجول بين أروقته وورشه القديمة تتجول بين أروقته وورشه القديمة[/caption] أنتَ تدخل عبر البوابة الرئيسة المطلة على شارع الرشيد لأعرق وأقدم سوق عرفته العاصمة الحبيبة بغداد وهو (سوق الصفارين) أو كما اعتاد الناس على تسميته بـ ( سوق الصفافير ) تواجهك ورشه ودكاكينه التي اكتظت بمختلف المصنوعات النحاسية، فتخالها كأنها كنوز من الذهب والفضة تتلألأ أمام عينيك وأنت تنظر بدهشة وانبهار لتلك التحف الفنية الفريدة والنادرة والتي لاتعدو كونها قطعا مصنوعة من النحاس، زينتها نقوش ورسوم وزخارف جميلة أبدعتها أياد ماهرة حرصت على أن تكون تلك المصنوعات التي هي عبارة عن اوان ومباخر وقدور ودلال واباريق بمختلف الانواع والاحجام الى جانب لوحات فنية لشواهد حضارية وتاريخية عراقية اصيلة يزخر بها تاريخنا وماضينا المجيد بمستوى عال من الاتقان والصنعة اضافة الى كونها مستوحاة من بنات افكار حرفييها وصناعها الذين توارثوا مهنتهم عن ابائهم وأجدادهم جيلاً بعد جيل لتتخذ هذه التحف والانتيكات مكانها على الرفوف والجدران والسقوف وافترش ماهو ثقيل في وزنه وكبير في حجمه الارض، وكأنها تحاكي ذلك التاريخ الطويل من الابداع الحرفي الذي يكمن بين جنبات هذا السوق العتيد . كتابة / علي ناصر الكناني في تلك اللحظات تداعت في ذاكرتي صوراً جميلة مازالت عالقة في الذهن عن هذا السوق القديم الذي مضى على انشائه مئات السنين بعد ان خبا صوت ضجيجه واكتسحت ورشه العتيدة محلات جديدة تضم بين جدرانها مهن دخيلة عليه لاتمت بصلة ولا علاقة لها من قريب او بعيد بطبيعة تقاليده ومنتجاته التي تعتمد مادة الصفر والنحاس اساسا لها كبيع الاقمشة والعدد اليدوية والمواد الاحتياطية للطباخات وغيرها ليسفر ذلك عن غياب ضجيج مطارق اسطواته  وحرفيي  الصنعة الذين غادروه لمهن أخرى بديلة قد توفر لهم أسبابا افضل للعيش وكسب الرزق والبعض الاخر تخلى عن دكاكينهم وورشهم لمن يدفع أكثر ((كسر قفلية )) من اصحاب المهن الدخيلة والغريبة كبيع الاقمشة وغيرها الى جانب الكساد وعدم الاقبال على الشراء للتحف والمنتجات النادرة والجميلة التي تقدم من قبل السياح العرب والاجانب الوافدين الى العراق وبغداد الى اصدقائهم في بلدانهم حتى كاد الصدأ يكسو سنادينه الحديدية العتيدة لولا وجود ثلة قليلة من رواده وصناعه القدامى ممن اصروا على التمسك باهداب الصنعة ومواصلة العمل اليدوي والحرفي رغم تقدمهم في السن في محاولة منهم لاتخلو من الاصرار والشجاعة في التواصل للمحافظة على السوق وهويته العريقة من الاندثار والضياع والنسيان، ولعل ماحفزني ودفعني للكتابة عن (سوق الصفارين) هذه المرة هو ماشهده مؤخرا من محاولة طيبة وجيدة لاعادة الحياة اليه من قبل امانة بغداد باعماره وتأهيله والحد من تفاقم انتشار المهن الدخيلة عليه وحث الوزارات والمؤسسات الثقافية والسياحية على المساهمة من جانبها باقتناء المنتجات النحاسية المحلية والمصنعة فيه والحد من استيراد المقتنيات والمنتجات المشابهة لها من الخارج . اللقاء بعدد من العاملين فيه وخاصة بعض رواده القدامى وفر لي فرصة التعرف والاطلاع على المزيد من الاسرار والحكايا النادرة والذكريات الجميلة لزمن مضى ولكنها مازالت باقية تنبض حية في الذاكرة وصداها مازال يتردد في النفوس وبين اروقة السوق وورشه القديمة ويتجدد الأمل ثانية مع اصوات المطارق الذي لن يتوقف معلنة بأنه سيظل وكما يقول ماجد صالح خليفة الصفار تولد عام 1959 صاحب محل لبيع النحاسيات فيه، بانه سيد الاسواق البغدادية وبلا منازع . توارث محدثنا (خليفة) المهنة واسرارها عن والده وجده حتى غدت مهنة الصفار لقبا لعائلته ليكتسب خبرة طويلة في هذا المجال تمتد الى عام 1969 . لقد زارت السوق كما يقول نقلا عن والده العديد من الشخصيات العراقية المعروفة انذاك من بينهم الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم الذي كان بشهادة العديد من رواد السوق غالبا مايتردد عليه ليشتري منه اغلب اللوازم والاواني المصنعة من الصفر التي كان يستخدمها الجيش العراقي وقت ذاك في الطبخ وذكر لي والدي والكلام مازال للصفار (خليفة)، بان الزعيم عبد الكريم كان قد اشترى منه ذات مرة (80) ابريقا كبيرا لعمل الشاي (كتلي) مصنوع من مادة الصفر بسعر دينار لكل واحداً منها، تشجيعا منه لهذه المهنة والصناعة المحلية . مشيرا الى ان اغلب الاواني المستخدمة في الطبخ سواء كانت في البيوت او في المطاعم هي من الصفر ولعلك تجد الأن الكثير من هذه الاواني في دكاكيين ومحلات السوق، يقتنيها العديد من الناس كمقتنيات تراثية تذكرهم بايام زمان، ويواصل الصفار (خليفة) حديثه الشيق والطريف بان السوق زاره العديد من الشخصيات السياسية والاجتماعية المعروفة وقادة وزعماء عرب واجانب وخاصة في السبعينيات ومن بين هؤلاء، جورج بومبيدو وانديراغاندي ورئيس وزراء اسبانيا انذاك . مشيرا الى حادثة ذكرها لي لاتخلو من الغرابة وهي محاولة احدى دول الخليج وهي قطر باستقطاب عدد من الصناع الماهرين والعاملين في مهنة الصفارة بحجة دعوتهم لترك العراق وتقديم المغريات المادية الكبيرة لهم نظير الاقامة والعمل هناك وكان ذلك بعد احداث عام 2003 وفق خطة مدروسة لطمس معالم هذا السوق التراثي الموغل في القدم وتجريده من حرفييه ولكن جوبه هذا الأمر بالرفض وحسب علمي لم يوافق اي واحد من الصفارين عليه. الحاج حسين النقاش واحداً من الاسطوات القدامى الذين يعود تاريخ عملهم في هذا السوق إلى أواسط الخمسينيات، كان من بين الذين التقيتهم وتحدث لي عن جوانب أثيرة من ذكرياته عن هذا السوق وتاريخه العريق وإصراره على توريث مهنته (النقش على النحاس) لأولاده السبعة منذ نعومة أظفارهم حتى أصبحوا اليوم ممن يمتلكون الخبرة والمهارة في هذا المجال وممن مازالوا يعملون فيه كأسطوات وأصحاب محلات. حين سألت الحاج حسين أن يحدثني عن بعض الأسباب التي تقف وراء تدهور حالة السوق وعن المساعي التي تجري حالياً من قبل الجهات المعنية لإنقاذه قال لي:- هناك العديد من الأمور التي يجب معالجتها من أجل النهوض بواقع ومستقبل السوق نحو الأفضل، ومنها مايخصه كبناء تراثي وأثري قديم ويتركز ذلك في تجديد أعمال لصيانة له وبشكل متواصل ، ولكن المهم والكلام مايزال (للنقاش) هي معاناة حرفيية وصناعه العاملين فيه والذين بدأت إعدادهم تؤول إلى الانقراض بسبب هجرهم لمهنتهم الأصلية والعمل في مهن أخرى لاتمت بصلة للصفارة والنحاس أو ممن هاجر إلى بلدان أخرى بسبب الكساد وقلة الإقبال على شراء منتجاتهم النحاسية التي يقومون بتصنيعها بأنفسهم بسبب وجود البضائع الأجنبية والعربية المستوردة والجاهزة وبأسعار رخيصة جداً إذا ماقيست بالمنتجات المحلية المصنعة يدوياً هذا إلى جانب عدم تقديم الدعم المادي والمعنوي من قبل الجهات المعنية للصفارين وتقديم المواد الأولية لهم كالسابق حيث كان هناك مصنع تابع إلى وزارة الصناعة في محافظة الأنبار ويسمى مصنع الشهيد يتولى تصنيع وتجهيز النحاس بمواصفات فنية عالمية وبأسعار مناسبة والذي لاندري ما آل إليه المصير الآن. الحاج عامر عبد المحسن الصفار من مواليد 1961 خريج معهد زراعي واحد حرفيي السوق من جانبه حدثنا عن حالة اليأس والإحباط التي أصابت اغلب الحرفيين والصناع فيه لدرجة أنهم صاروا يعتذرون عن الكلام عن هذا الموضوع مع الصحافة أو مع أي وسيلة من وسائل الإعلام الأخرى . هناك عدة أسباب من بينها الحالة الاقتصادية واعني حالة الكساد التي صار يعاني منها اغلب أصحاب المحلات الموجودة داخل السوق ناهيك عن عزوف الناس بشكل عام عن شراء التحفيات والمصنوعات النحاسية الحرفية والمصنعة كالسابق إضافة إلى توقف الحركة السياحية بسبب الظروف الأمنية وحالة عدم الاستقرار التي يمر بها العراق وهذا جانب مهم باعتبار إن السوق مركز استقطاب سياحي حيوي للوفود السياحية للاستمتاع بالاطلاع على معالمه والتبضع منه . أما السبب الاخر فهو ارتفاع معدل الإيجارات وقيام البعض بدفع مبالغ عالية .السرقفلية. لأصحاب بعض المحلات مما ساعد في دخول مهن أخرى دخيلة على مهنتنا كبيع الأقمشة والمواد الاحتياطية للطباخات الغازية وغيرها إضافة إلى قلة المواد الأولية وصعوبة الحصول عليها وبالذات النحاس الذي ارتفعت اسعاره بشكل كبير قياساً الى ماكان عليه سابقا مما يثقل كاهل المشتغلين فيه بصعوبة بيع المواد التي تم تصنيعها منه للزبائن لارتفاع الكلفة ويضيف الحاج عامر عندما سألناه عن كيفية الحصول على مادة النحاس سابقا كانت المادة توفر لنا من قبل الدولة وكان بإمكاننا شراء كميات كبيرة تقدر بالأطنان لرخص أسعارها إضافة إلى ما كان يتم توريده لنا عن طريق المقاولين وبأسعار معقولة أيضا كما إن انقراض الأيدي العاملة الماهرة في مجال النقش والتجميع بسبب عدم وجود تواصل بين الآباء من الحرفيين القدامى وأبنائهم في التعلم هذه المهنة وأسرارها ووجود البديل لهم في حالة الغياب والانقطاع . وعبر الحاج عامر عن خشيته في أن ينتهي الأمر في هذا السوق المفعم بالقدم والأصالة وورشه إلى مجرد سوق لبيع الأقمشة وغيرها من المواد الأخرى وانتهاء حرفييه وصناعه إلى مجرد باعة يمتلكون الخبرة والموهبة ولكنهم لا يتقنون سوى عمليات البيع والشراء والمتاجرة بتحفيات كانوا بالأمس القريب هم احد صناعها ومبدعيها . وتمتد يد الحاج عامر الصفار إلى إحدى التحف التي أنجزها قبل أيام وقد علقها بعناية في الواجهة الأمامية لمحله كانت أنامله تتحسس الزخارف والنقوش التي رسمت عليها فيلتفت إلينا وهو يواصل حديثه إن استيراد المصنوعات والتحف التراثية من دول العالم المختلفة كالصين والهند وسورية والأردن وإيران جعل كفة المفاضلة بين المصنوعات المحلية والمستوردة غير متوازنة في الفارق الكبير بين الأسعار وهنا أود أن أشير أيضا إلى إن حالة مؤسفة وتدعو للحزن والألم والتأمل وهي إن مجمل هذه الأسباب التي ذكرناها قد أثار الحماس في نفوس البعض من هؤلاء الحرفيين برغبة السفر والهجرة إلى خارج البلد مستغلين مواهبهم وخبراتهم في مجال الصنعة والعمل هناك مجرد عمال لا غير بعد ان كانوا أسطوات وأصحاب محلات في بلدهم . هديه لانديرا غاندي: وذكر لنا الحاج عامر إن والده كان قد صنع مرة تحفة فنية بهيئة مشربية أهدتها الحكومة آنذاك إلى زعيمة الهند الراحلة انديرا غاندي خلال زيارتها للعراق كما انه قام بتصنيع كاس الفوز لفريق العراق ضمن بطولة المصارعة التي أقيمت في الخارج. مضيفاً إن والده اخبره مره رواية لا تخلو من الطرافة وهي إن كتيبة الخيالة في العهد الملكي كان فرسانها يمرون بالخيول التابعة لهم من داخل السوق أثناء اشتغال الصفارين ووسط ضجيج مطارقهم لتعويدها على الأصوات العالية لكي لا تجفل أو تفزع كما إنها تعودت أن تتناغم خطواتها أثناء المسير مع أصوات ضربات المطارق. أما السيد عبد  الأئمة الطائي احد أصحاب المحلات في السوق ويعمل في السوق منذ أكثر من عشرين عاما فحدثنا هو الآخر عن بعض الشخصيات السياسية والاجتماعية و الفنية التي كانت تتردد على السوق، حيث قال: لقد زار هذه السوق العديد من الشخصيات ومن بينها نوري السعيد  وكذالك زار السوق عدد كبير من الفنانين العرب من بينهم يحيى الفخراني وصفية العمري ورغدة وآخرين وأود أن أؤكد إن عودة استتباب الأمن وفرض القانون هو احد الأسباب المهمة لعودة الحياة لهذا السوق ويشاركه الرأي جاره في السوق السيد رضا جواد احد الباعة هناك والذي توارث المهنة أيضا عن والده وجده قائلا إن هناك شخصيات أجنبية زارت السوق وتبضعت بعض التحفيات من محلي كخافير سولانا عندما كان وزيرا للخارجية الاسبانية خلال زيارته للعراق أثناء الحرب العراقية الإيرانية وكذالك الرئيس الفرنسي جاك شيراك. وطالب الطائي الجهات المعنية بفتح دورات مهنية بالاستعانة بمن بقي حيا من رواد هذه المهنة لتعليم وتدريب عناصر كفؤة في مختلف الاختصاصات التي تعتمد الحرفة والصنعة للمحافظة على أصالة وعراقة المهنة من الانقراض والزوال . ومن الصفارين المتميزين في هذا السوق الذي يشهد له العديد من رواده بانه من قدامى العاملين فيه انه الصفار عدنان جواد الجوهري الذي تجاوز الثالثة والسبعين من العمر ولكن روحه البغدادية الأصيلة كانت تطغى على حديثه وطبيعتة المرحة فهو من مواليد بغداد في منطقة باب الاغا وكما يقول بالقرب من سوق الصفارين  وخلف سينما رويال الصيفي تركت جهاز التسجيل يلتقط حديثه الشيق وكلماته التي كان يحرص على اختيارها بتأن وتمعن ولم يترك شاردة او واردة الا وذكرها لي عن السوق وعلاقته به وذكرياته الأثيرة عن فترة الخمسينيات يوم كان يسارع مع بقية الصبيان ممن هم في عمره ليتأمل بشغف طفولي شفيف مازال حتى الان يداعب مخيلته وذاكرته لملك العراق فيصل الثاني مع خاله الوصي عبدالاله وهما يمران بعربتهما الملكية التي تجرها الخيول في شارع الرشيد قلت للجوهري يبدو انك تمتلك خزينا فريدا من الاسرار والذكريات عن الكثير من الشخصيات السياسية والفنية والاجتماعية التي زارت السوق وقد لاحظت حرصك على توثيق ذلك بصورك الفوتوغرافية معهم التي تزيينت بها جدران محلك هذا الى جانب التحفيات النحاسية الجميلة والنادرة فهل لنا ان نتعرف على المزيد من تلك الذكريات فقال : ورثت المهنة من والدي رحمه الله منذ عام 1952 يوم كنت لم اتجاوز العاشرة من العمر، ففي عام 1957 جاءني شخص مع سيدة بهية الطلعة لم اعرفها اول الامر ولكن الشخص المرافق لها قال لي أن هذه السيدة هي ( عابدية ) أخت الوصي عبدالاله خال الملك فيصل الثاني وحضورهم الى السوق هو لشراء ماتسمى (( باللالة النفطية المستخدمة لاغراض الانارة فقمت ببيعهم عددا منها لان والدي لم يكن موجودا وقتها فأوصلتهم الى السيارة الخاصة بهم التي كانت تنتظرهم قرب المتحف العراقي سابقا والذي هو حاليا المتحف البغدادي فطلبوا مني مرافقتهم الى قصر الزهور وعرفت فيما بعد ان السيارة التي كانت تقلهم هي عائدة للملك غازي نوع مرسيدس وقد اهداها له الزعيم الالماني هتلر وهي الان من مقتنيات امانة بغداد على مااعتقد فأكدت له ذلك وانها موجودة بالحفظ والصون وتخضع للأدامة والصيانة بشكل دائم . ويواصل الجوهري حديثه مستعرضا شريط ذكرياته الطويل والممتع بقوله : من بين الشخصيات الفنية التي زارت السوق ايضا في السبعينيات الممثل الاجنبي انتوني كوين الذي اشترى مني بعض التحفيات النحاسية الحرفية والبسط المصنوعة يدويا ومازلت اذكر جيدا يوم كنت ما ازال في سن الصبا زيارة فرقة يوسف وهبي وامينة رزق الفنية التي قدمت عروضها في بغداد وقد اصطحبني والدي انذاك لمشاهدة وحضور احداها وقد قاموا ايضا بزيارة السوق وشراء بعض الحاجيات والتحف من والدي وكنت اصغي لهم اثناء الحديث معه وهم يبدون اعجابهم بأخلاق اهل بغداد وطيبتهم وكرمهم. وفي عام 1964 زارالسوق ايضا المطرب الراحل عبد الحليم حافظ ولدي صورة معه احتفظ بها داخل المحل وقد اشترى من والدي تحفيات وسجاد يدوي وقد لاتصدق بانني قد غنيت امامه عند زيارتي له في فندق بغداد مقطعا من احدى اغانيه بعد ان اخبرته باعجابي اللامحدود بصوته واود ان اذكر لك بانني معجب ايضا بصديقي المطرب العراقي (رضا علي) فنسي الجوهري ان جهاز التسجيل مازال يلتقط حديثه ذكرياته هذا فغنى لي رغم تجاوزه الثالثة والسبعين عاما من العمر مقاطع من اغنيتين الأولى لعبد الحليم حافظ والثانية لرضا علي ولا اخفي عنكم بان صوته كان جميلا وتقليده لصوتهما كان لايخلو من الاتقان والموهبة. اما الصفار توفيق بهاء حسين ( أبو خالد ) تولد عام 1944 فقد حدثنا هو الأخر كونه يعد من الصفارين القدامى في السوق اذ توارث المهنة عن والده وجده كما يقول منذ ان كان في السابعة من عمره ليورثها هو ايضا بدوره الى اولاده، ثم يطلب مني ابو خالد الدخول الى داخل المحل ليطلعني على مقتنيات نحاسية كانت بمثابة تحف فنيه نادرة مطرزه بالنقوش والزخارف الجميلة ليفاجأني بقوله انها من صنع يده وهي مدعاة فخر واعتزاز كما يشير ولأولادي من بعدي كوني الأن لا أقوى على العمل بحكم المرض وكبر السن ولكني مازلت وسأبقى ماحييت متمسكا بمهنة الصفارة التي هي مهنة أبائي واجدادي واولادي من بعدي . أبو خالد ناشد بدوره الجهات المعنية الأخرى أن تسعى باتجاه الحفاظ على السوق واعادة تأهيله واقامة المعارض التراثية الخاصة بمنتجات السوق داخل وخارج العراق من دون ان ينسى الاشارة الى زيارة الرئيس الفرنسي جاك شيراك في سبعينيات القرن الماضي وكنت على وشك الانتهاء من صينية متوسطة الحجم تمثل لوحة نحت عليها مسلة حمورابي وتوقف يتابعني بامعان فما ان انتهيت منها حتى قدمتها له كهدية وسط اعجاب من حضر معه فشكرني كثيرا . وتمنى ان يعود السوق الى حالته ايام زمان يوم كان يبقى كما يقول مفتوحا حتى ساعات متأخره من الليل وليس كما يحصل الان فان ورشه تقفل ابوابها بعد فترة الظهيرة لانعدام حركة التبضع فيه بعد هذا الوقت . من جهته اكد المهندس كريم طاهر معاون مدير عام دائرة بلدية الرصافة الجهة المعنية والمباشرة بتطوير وتأهيل سوق الصفارين أهمية ومكانة السوق التأريخية كونه معلما تراثيا واثريا قديما واضاف: باشرنا العمل بتأهيل وصيانة واعمار السوق مشيرا الى ماتعرض له هذا السوق خلال السنوات الماضية من تداعيات واهمال من قبل الجهات المعنية يومذاك وعزوف الكثيرين من العاملين فيه بالاتجاه الى مهن اخرى غير الصفارة لدرء قساوة الظروف المعاشية بعد توقف الحركة السياحية لسنوات طوال . وحسب التوجيهات الصادرة الى دائرتنا فقد باشرنا بالقيام بحملة مكثفة وواسعة له وللمنطقة المجاورة له والمحاذية للمدرسة المستنصرية، حيث تم قلع الارضية القديمة المتأكلة للسوق واصلاح منظومة المجاري والمنهولات وتبديل المشبكات ومن ثم اعادة اكسائها بالمقرنص وكذلك ازالة السقف القديم للسوق واعادة تغليفه بمادة بلاستيكية جديدة تسمح دخول الاضاءة وتمنع تساقط الامطار الى داخل السوق ليكون بحلة جديدة اكثر جمالا ومجموع عملية التطوير والتأهيل لم تستغرق وقتا طويلا كما ان هناك اجراءات وقرارات ستتخذها الامانة بخصوص المحافظة على طبيعة عمل السوق والمهن التي يسمح بمزاولتها فيه . ومن الجدير بالذكر ان امانة بغداد سبق ان قامت بندوة خاصة عن سوق الصفارين حضرها نخبة من المختصين وعدد من العاملين فيه نوقشت خلالها العديد من المقترحات والافكار التي تصب باتجاه تطويره وانذار المخالفين لقانون اجازة الاستغلال التي اقرها قانون التصميم الاساسي لمدينة بغداد بعدم استغلال محالهم لمهن اخرى كبيع الاقمشة وغيرها ، في محاولة لانقاذ السوق من تغيير ملامحه وطبيعة عمله والتحري عن الاسباب الحقيقية التي تقف وراء ذلك .

تابعنا على
تصميم وتطوير