رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
الساعة الخامسة والعشرون...ساعة النهاية المؤلمة للإنسان


المشاهدات 1010
تاريخ الإضافة 2020/02/29 - 3:39 PM
آخر تحديث 2024/04/28 - 5:02 AM

الساعة الخامسة والعشرون؛ رواية تؤرخ للعصر الإنساني الأخير قبل سيطرة الآلة وجبروتها عليه، تبدأ من الحقول المفتوحة، مؤسسة لحب كبير ينتهي داخل المعتقلات والأسلاك الشائكة والتعليمات القاهرة واختفاء أنسنه الإنسان، وتحويله إلى رقم فقط بين المجموع. يوهان موريتز لم يعش إنسانيته؛ فهو إمّا روماني يدخل المعتقل بتهمة تلفق له على اعتباره يهوديًا، ثم ما يلبث حتى يعتقل في هنغاريا لأنه رومانيّ، واعتقاله في ألمانيا بتهمة أنه هنغاري، إلى أن يعتقل لدى الأمريكان بتهمة أنه ألماني نازي. اقرأ أيضًا: تأريخ التمييز العرقي في رواية «عاملة المنزل». هو الشخص ذاته، فليس المهم فرديته، المهم أنه رقم يجب أن يملأ خانة فارغة في سجل بيروقراطية كبيرة، تهيمن على العالم الغربي الذي لم يعد للإنسان فيه قيمة، بعد ان احتلت الآلة الصدارة في الإنتاج. لا يهم من أنت، لا وزن لمعتقدك أو أفكارك، المهم كيف يصنفك المجموع وبأيّ طريقة ينظرون إليك؛ هذا بلا شكّ يقضي على إنسانيتنا. إنها رواية الساعة التي لا تراجع عنها؛ فالإنسان يستطيع أن يحيا ٢٤ ساعة في اليوم، أما الآلة فليست معنية بعدّ الساعات وحساب الوقت؛ كل يوم يطرد الإنسان خارج عدد ساعاته، مغتربًا عن ذاته في عالم صناعيّ تحكمه الحداثة. اقرأ أيضًا: آراء 10 كُتّاب بكتابة المذكرات. يوهان موريتز ليس المعتقل الوحيد في ذلك العالم؛ فرؤية قسطنطين جورجيو، كاتب الرواية المبدع، شديدة الوضوح والتي تعتبرنا جميعًا معتقلون خارج الزمن في الساعة الخامسة والعشرين؛ كلنا أرقام يمكن استبدالها فداءً لاستمرارية دوران آلة العالم الصناعيّ، محاطون بالإسمنت عوضًا عن حقول الطبيعة، محرومون من الحب. اقرأ أيضًا: «بوب موب عمي»: تجربة في الحداثة السائلة. كان جورجيو يرى بعينيه انهيار الإنسان الكبير في الحرب العالمية الثانية، حيث لم يعد هناك بشر فقط؛ فهناك جنود يقعون ضمن فرق كبيرة يجب أن تقاتل دون أن تعرف لماذا، تقاتل، في محاولة فقط للنجاة والعيش، دون أن يكون لتحديد هذه اصطفاف هذه الفرق مع أي جهة أهمية. مع الحلفاء أو مع المحور، في الكتلة الشرقية أو الغربية، مع الأمريكان أو الروس؛ المقاتلون لا شيء. بهذه الطريقة يزجّ بالأبرياء في ظروف تفقدهم إنسانيتهم. اقرأ أيضًا: الفيلسوفة جوديث بتلر؛ حول أهميَّة الإنسانيَّات ولمَ نقرأ. بعيدًا عن عمق رواية الساعة الخامسة والعشرون وأفكارها حول نقد الحداثة والمجتمع المعاصر؛ الرواية تمثّل ألم الإنسان أو نهايته المؤلمة، وهي رواية ذات جاذبية وسحر، محبوكة بتشويق ومهارة، وإن قرأتها فإنك ستعيش في دواخل أبطالها، متعاطفًا معهم أو كارهًا للأشرار منهم. في الرواية ستكون رفيقًا لتريان كورغا وهو يكتب مخطوطته «الساعة الخامسة والعشرون»، التي لم يتممها؛ وهو يترك الأدب ليكتب العرائض الرسمية، لأن الموظفين الرسميين لا يقرؤون سوى العرائض؛ سيشرح الخسائر المترتبة على زيادة حجم المعتقل كيلا يأخذ من مساحة الأعشاب التي تغذي البقر فينخفض الإنتاج، لا مانع أن يتراكم البشر هكذا في سبيل الإنتاج. أو عندما يشرح ليوهان عن تحول الإنسان إلى مواطن؛ ذلك الشيء الذي يقع بين الإنسان والآلة. اقرأ أيضًا: غسان كنفاني وما تبقى لنا. ستتعجب من الممرضة الألمانية هيلدا وهي تمنح الحب والحنان بناءً على أوامر عسكرية، مضحية بحياتها هي وطفلها، لا لشيء سوى لأن جنديًا ألمانيًا لا تعرفه أوصاها بشيء ما، سيقضي عليها، وهي ليست معنية إلا بكونها جزء من النظام، لا تعكس إلا ما يريده منها. ستقدر أيها القارئ ألم سوزانا وهي تحتفظ بفستانها الأزرق رغم كل التشرد الذي فرضته عليها الحرب، على أمل لحظة لقاء يوهان مرة أخرى؛ هذا الحب الذي لن يترك عالم الحداثة طريقة إلّا سيحاول تحطيمه بها. اقرأ أيضًا: 7 أخطاء تنفّر طفلك من القراءة. الساعة الخامسة والعشرون ليست رواية عن عالم آخر؛ إنها رواية عن عالمنا نحن.

تابعنا على
تصميم وتطوير