رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
لعبة العنوان وشاعرية النص في مجموعة (نشوة ثانية)


المشاهدات 1032
تاريخ الإضافة 2020/02/24 - 3:52 PM
آخر تحديث 2025/06/25 - 2:37 PM

علي لفتة سعيد يحيل عنوان المجموعة الشعرية للشاعر التونسي محمد بن جماعة ( نشوة ثانية ) الى وجوب وجود نشوة أولى قد تكون مجموعة شعرية سابقة أو أنه يبحث عنها أو تغافلها لينتقل مباشرة الى النشوة الثانية.. ولكن هذه العنونة هي البوابة الكبرى التي يتم فتحها للدخول الى النصوص الأخرى والبحث عن التدوين وقدرته والمعنى وغاياته، والقصد وتأويلاته.. هذه النشوة تكاد تقف عند مرحلة التفكير مع المقدمة او اللوح الاول خارج إطار النصوص كمقدمة تشبه المجاز الذي يفضي الى الباب بعد الدخول من الباب الأول الكبير ( سيهدرون ... ). إن هذه اللمحة التي اريد لها ان تكون لعبة لفظية هي بالأساس مقدرة شعرية في استغلال القدرة على اللعب بالمفردة لتكون معنى أخر يحمل قصديته للدخول الى بوابات النصوص الاخرى التي تبدا من عنواناتها التي تتصل بالعنوان الكبير او ترتبط رغم انه جعل عنوان المجموعة ضمن عناوين النصوص الأخرى وجعلها في وسط النصوص لكنه ايضا من جهة اخرى محاولة للأو تحاول اللحاق بما يمكن ان يضمره القصد الذي يريد الشاعر ان يبثه بيت ثنايا النصوص الشعرية التي تعمل على إزاحة الكثير من الهموم الفكرية وجعلها نصوصا شعرية يمكن للمتلقّي أن يستلهم الشاعرية من خلال أصل جمع المعاني والدلالات التي تتكون منها المقاطع الشعرية في النص الواحد.. بمعنى أن نصوص الشاعر التي تخصّ البلاد والذات والحب والمرأة وهي اشتغالات هي نصوص تبدأ من الذات الذي يريد تحويله من كونه هامشا الى كونه مركزا يرى وينظر لكي يتم ترقيم فعاليات التلقّي على وفق الرؤية الكبيرة لعملية التأويل. إن بنية التدوين الكتابية التي يستخدمها بن جماعة تنحدر أساسا من عملية إيفاء الفكرة الكلية لمفعولها وغاياتها لكي تكون ملمّة بالشفرات التي يبثها.. ولذا فهو يحتاج الى عملية سكب المفردات لكسب الكثير من الدلالات في عملية صك مفعول الشاعرية داخل النص الذي يحتاج الى عملية بث المعاني عبر جسد طويل للنصوص وهذا الطول يتراوح بحسب الفكرة أو المراد توضيحه. إن هذه البنية الكتابية تبدأ باستهلال قد لا يبدأ بجملةٍ أسمية او حتى فعلية، بقدر ما يبدأ بجملةٍ إيضاحية تكون قادرة على إعطاء المستوى القصدي مفعول الصراع الذي يأخذ بالنص الى مديات التلويح في الشعرية ( قدري أن اقول شعرا بلسان عربي .. أنسجه سابحا في بحر الورى.. صلبا كصخر.. كسيف الوقت في شرفنك الأقصى.. في زمن لا يفقه المعنى.. ص10 ) وهذا الاستهلال الذي يكاد يكون ملمحًا صراعيا مع عنوان النص (الغطس في ماء الحضور ) قد يكاد يكون لعبة لا تختلف عن لعبة العناوين الاخرى واستهلالاتها: (الدرب طريق فرح موعود ما أطول هذا الطريق.. قمر في طلعة فتح قريب.. والليل يلبس دفء الروح ايها الليل ماذا تخبئ؟ عسلا.. أم رسما سرياليا ص15) وهوة استهلال نص (الحرف المفتون ) وهو ايضا ذات الطريقة في نص ( نشوة ثانية ) الذي يحمل عنوان المجموعة ( مضيء داخل العتمة تسبقني لهفة ظلي إليك صوتي يقطع الوجه المنسوج بالغياب نشوة ثانية على اريكة القول أترنكم عشقا ص 73 ) وهو ايضا في نص (عشبة الخلود ) الذي يعد ثاني اقصر النصوص في المجموعة مع نص قبله هو الاقصر ( انتظرتها كثيرا نبتت عشية فجأة صافحتي جلجامش وضرب بعصاه الارض ضربا خفيفا ص156) وهو النص الأخير والذي يمكن تحميل الدلالة والقصدية في عنوان النص وكونه النص الأخير ليكون حاصل جمع القصديات في كل النصوص اللاتي طرحها كفكرة تأخذ في الحسبان استعانتها بالمستوى التحليلي الذي يحتاجه الشعر في الكثير من الاحيان لأنه أي هذا المستوى هو البوابة المهمة للدخول الى المستوى الفلسفي الذي يجنح في الكثير من النصوص الى إعطاء ملامحه كنوعٍ من المناقشة سواء تلك المتعلّقة بالوجود أو المتعلقة بالآخر ومناقشته سواء ما كان سؤالا أو جوابا.. كونيا أو ذاتيا.. إراديا أو مجبرا عليه.. إن عملية اللعبة التدوينية في تشكيل أو رسم النص لا تعتمد على ما يمكن أن يبثّه من خلال تعدّد المقاطع بل جعل النص جسدًا واحدًا ولهذا فهو لا ينتبه لعدد الكلمات في النص الشعرية أو لا يعتمد على طول النص بل يعتمد على ثلاثة أشياء.. أولها العنوان.. ثانيهما : الفكرة .. ثالثها: المآل في تفكيك القصديات. وهذه الأشياء تعطي حاصل جمع الشاعرية وهي غاية يصعب الإلمام بها في جميع النصوص لكن الشاعر هنا نجح في تغليب الفكرة بالاعتماد على ثلاثة جهات مهمة.. أولها: الجهة اللغوية.. ثانيهما: الجهة البنائية .. ثالها: الجهة التأويلية.. وهذه الجهات هي التي تتحكّم في جسد النص وبالتالي الوصول الى المستويين الآخرين هما المستوى التحليلي للفكرة والمستوى الفلسفي الذي تعطيه الفكرة وهو هنا ينتج خاصية تفاعلية ما بين النبض الداخلي للمفردة ولعبتها وبين صوت الصدى للمعاني التي يمكن مسكها من قبل المتلقي.إن بنية الكتابة في هذه المجموعة أخذت الكثير من الأبعاد الشعرية التي انتجت القصديات وبالتالي فإن أية مفردة فيها يمكن مسك نبضها في عملية رسمها داخل جسد النص، وبالتالي فهم الغاية الشعرية أو الفكرة التي يطرحا الشاعر . (قارورة الماء.. نصفها الأعلى هواء غير نقي بخفة ودهشة متزايدة نلتقي بك هنا وجها لوجه تمنع نفسك ن الهروب لكن تغادر الزمان في المكان ص 151 )  

تابعنا على
تصميم وتطوير