رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
برناردشو ... السخرية النابضة بالحياة


المشاهدات 1013
تاريخ الإضافة 2020/02/15 - 4:28 PM
آخر تحديث 2025/05/29 - 2:27 AM

محمد قاسم أحمد بمزيج من الكبرياء والثقة بالنفس والاعتداد بما امتلك من أدوات ثقافية متقنة، صنف جورج برناردشو نفسه عظيماً، مبتعداً في أدبه عن شخصنة أسلوبه، ومضيفا على منتوجه الفني والإبداعي نكهة عامة ويتطرق إلى مشاكل وهموم الناس والمجتمع ليكون نموذجاً للأديب المنفتح على الحياة، المؤمن بالتطور المجتمعي وجاعلاً من نفسه أديباً حقيقياً بعيداً عن الألفاظ المجردة، فيقول «ما دام لدي طموح فلدي سبب للحياة. القناعة تعني الموت» وهكذا لم يقنع برناردشو بالاكتفاء من الحياة وعاش أربعة وتسعين عاماً كانت بمجملها رحلة سفر طويلة ومجهدة مع أنه كان يقول «قلة من الناس يفكرون أكثر من مرتين أو ثلاث بالسنة، أما أنا فقد صنعت لنفسي شهرة عالمية وذلك بالتفكير مرة أو مرتين بالأسبوع» ومع ذلك لا يمكن لأحد الإنكار أنه قدم خلال مسيرته العديد من الروايات والمسرحيات والقصص التي صنع جورج من خلالها هويته الأدبية الخاصة، ولم يشبه إلا ذاته في الطروحات التي قدمها، بل تمتع بسخرية لم يجدها أحد من بعده، وهو إذ كان ساخراً في أدبه فذلك انعكاس لمرآة ألمه الداخلي، فعانى في صغره ما يكفي ليجعل منه رمزاً للأدب الساخر الهادف إلى استنفار شعب متخاذل لتغيير واقعه وإصلاح أموره فكان يقول «لقد كسبتُ شهرتي بمثابرتي على الكفاح كي أحمل الجمهور على أن يعيد النظر في أخلاقه... وحين أكتب مسرحياتي أقصد أن أحمل الشعب على أن يصلح شؤونه وليس في نفسي باعث آخر للكتابة إذ إنني أستطيع أن أحصل على لقمتي من دونها» وفي ذلك خير دليل على أنه كان منغمساً في آلام مجتمعه ومكرساً أدبه لصنع عالم أفضل . يمكن القول إن البيئة الحاضنة لطفولة برناردشو تعد سبباً رئيساً لإبداعه الأدبي، فقد تفتحت براعمه عام 1856 في إيرلندا بين أبوين متزوجين شكلياً فقط، حالة الانفصال الداخلي التي طغت على علاقة والديه جعلت منه إنساناً يعتمد على نفسه باكراً في كسب الرزق والعمل، والده كان ذا نكتة لا تخفى على أحد، وميله للشرب الدائم جعله معتكفاً عن الاهتمام بأسرته ولابد أن ابنه ورث جزءاً كبيراً من خفة الدم والسخرية التي شكلت الإطار العام لإنتاجه الفكري لاحقاً، أما والدته فقد كانت تمتلك تمرداً إيرلندياً مشوباً بعاطفة باردة، وذات ميل موسيقي أبعدها عن التقاليد، في طفولته كان جورج يرافق والده في تحصيل إيجارات المباني التي تملكها إحدى الشركات وذلك مقابل مبلغ زهيد جداً لا يكفي قوته، إلا أنه بالمقابل يعتبر تلك الفترة من حياته أروع ما كسب، فقد استطاع أن يراقب الفقراء وطريقة حياتهم جامعاً مشاهد حقيقية لتكون أفكاراً لقصص رواياته المستقبلية. ولأنه عاش فقيراً وتردد على أماكنهم فقد سخر أدبه للدفاع عن حقوقهم المهدورة، ومحاربة الجهل والتطرف، عرف عن برناردشو التقشف في أسلوب حياته ولباسه وطعامه إلا في إنتاجه الفكري، فقد أصدر عدداً لا يستهان به من روائع الآداب كانت بمثابة ثروة فكرية حفظت اسمه في الصف الأول بين الأدباء فهو كما يقول «ولدتُ قارئاً ولا أذكر زمناً كنت فيه من الأمييّن!!».

تابعنا على
تصميم وتطوير