ملامح سيميائية في رواية: «آلهة من دخان» للروائي أحمد الجنديل
ثقافية
أضيف بواسطة zawraa
الكاتب
المشاهدات 1067
تاريخ الإضافة 2020/01/09 - 8:32 PM
آخر تحديث 2025/06/25 - 8:09 AM

عبد المجيد بطالي
1-العنوان..
يتألف العنوان/ العتبة من جملة اسمية هي: (آلهة من دخان)، ولفظة: «آلهة» في بنية العنوان التركيبية، هي خبر لمبتدأ محذوف تقديره اسم إشارة (هذه)، أو ضمير (هي).. وآلهة، جمع إله، وقد وردت هنا نكرة حتى تتلاءم مع المعنى العميق للدلالة الخفية..
(آلهة من دخان): عنوان في مجمله حمّال أوجه للمعنى، باستعمال السارد/ أحمد الجنديل، تقنية الانزياح التي تجعل المتلقي يتساءل عن طبيعة هذه الآلهة التي هي من طبعها أو من سيماتها أنها لا تقبل الاندثار، والتلاشي إذ هي من صفات (الدخان).. وهنا يتبين لك كيف يفاجئ السارد المتلقي بكون الآلهة التي يتحدث عنها هي عبارة عن (آلهة من دخان).. ومن معاني حرف الجر (من) التي توسطت بنية العنوان.. أن يراد بها الدلالة على التبعيض والتقليل من شأن هذه (الآلهة) على أنها ليست تلك الآلهة التي تسكن أعماق وأذهان الإنسان ما دامت أنها من دخان والتي تحيل المتلقي على معاني التلاشي والضعف، فآلهة من دخان هي آلهة متلاشية لا تقوى على شيء...
2-لوحة الغلاف:
اللوحة فن تعبيري قائم بذاته، تتألف من عناصر، أو خامات متعددة منها: الألوان والخطوط، والأضواء والظلال، والأشكال والرموز.. تمتزج فيما بينها لتشكل عالما من الجمال المتكامل.. فتغدو بذلك آلية أو تقنية من تقانات التعبير الصامت عن النفس، ومضمراتها.. لذلك فقد أولتها الدراسات اللسانية الحديثة اهتماما بالغا.. «فقد اقتحمت السيميائيات هذا الميدان الجمالي محللة إياه، ومستخلصة مختلف الدلالات والتأويلات الممكنة...» ( )
تنتمي لوحة غلاف رواية « آلهة من دخان» إلى المدرسة التعبيرية أو التأثيرية.. التي تعتمد في رسالتها الفنية على التعبير عن أحاسيس الفنان التشكيلي العاطفية، وعن القيم الروحية.. وهي بذلك تعتبر (عتبة بصرية) لها دلالتها الإيحائية التي تسهم في بناء الرواية على المستوى البصري، في علاقتها بالعنوان الغليظ.. (آلهة من دخان) باللون الأسود، إذ تميّزت صورة الغلاف باعتبارها فضاءً بصريًا نافذا، بكثافة الأدخنة المتصاعدة في الهواء من أفواه شخوص مفترضة اعتباطا، هي شبيهة بالمومياء أو بمجسمات تماثيل محنطة تسمرت في مكانها خلف جدار.. والأدخنة الخارجة من أفواهها علامة على احتراق داخلي يتماهى تصاعديا مع الفضاء العام للوحة مشكّلاً التواءات ضبابية مضطربة، تعبّر عن حالة نفسية من جراء الاحتراق.. مما يحيل المتلقي على وهن وضعف ما أسقطه الراوي عموديا على صفة لآلهة متلاشية لا قدرة لها على الفعل أو التأثير.. وهذا مدخل بصري وسيميائي هام، يستطيع المتلقي من خلاله أن يمسك ببعض خيوط الرواية، وشخوصها وأحداثها في الزمان والمكان وغيرها...
الخطاب الروائي وتعدد الرؤى في رواية (آلهة من دخان)
الهندسة البنائية لشخصيات الرواية:
تألفت رواية «آلهة من دخان» من ستة أبواب موزعة بالتساوي على مساحة الرواية وفضائها ككل..
أبواب الرواية:
1 – مصطفى البرهان يودع أباه.
2 – زاهدة البرهان تحفر في جدار الماضي.
3 – لمعية تندب حظها العاثر.
4 – جلال سيف الحق يجلد ذاته.
5 – ما وراء فهد الهزّاع.
6 – مكابدات عبد الرحمن البصير.
صراع الأجيال وتشابك العلاقات وتضارب المصالح أحداث متضاربة، يشخصها على أرضية الرواية أبطال حقيقيون/ خياليون في ذات الآن، من الجنسين:
الذكور: مصطفى البرهان، جلال سيف الحق، فهد الهزاع، عبد الرحمن البصير..
الإناث: زاهدة البرهان، لمعية...
تغطي المسحة المأساوية جو رواية (آلهة من دخان)، كما يتصاعد دخان الأحزان يلف سماء الأحداث، وليواري بعض المشاهد بلمسات حالكة.. يمثل هذا الجو العام سيميائيا، علامة دالة على اضطرابات نفسية واجتماعية وسياسية، تعم المكان والزمان وتلقي بسوادها مدثرة شخوص الرواية في علاقاتها المختلفة.. وتعتبر (الموت) أبرز علامة سيميائية دالة على هذا الفضاء... ويشكل موت (عيسى البرهان) والد (مصطفى البرهان) ممتطيا السارد أحمد الجنديل زمن الماضي في سرد الأحداث.. مستعملا أسلوب الوصف المفصل، ليقنع المتلقي بتفاصيل الأحداث الماضية، والتي تعتبر أرضية لإنبات أحداث ستأتي يعيشها بطل الرواية (مصطفى البرهان) بعد موت أبيه..
أ-موت => دال على نهاية (==) حياة => علامة على بداية.
ب-الأب الراحل => الابن الصاعد => علاقة: (وراثة المنصب).
ت-الموقف/ المشهد: وقوف البطل (مصطفى البرهان) بين موقفين متناقضين: (موت الأب =/= الخوف على رحيل المنصب) => علامات الحيرة والتخبط الفكري والنفسي...
يحكي السارد على لسان البطل: «أسرعت إلى ارتداء ملابس شبيهة بملابس أبي الراحل...».. «وخرجت إلى جموع المنتظرين... كان خروجي إليهم مفاجئا..» (ص/ 8)
«خرجت إليهم منتصب القامة في إشارة واضحة للجميع بأن مصطفى البرهان وحده القادر على قيادة الناس وتلبية ما يحتاجونه» (ص/ 9)..
هذه العلاقات كلها تشكل خيوط النسيج الروائي الذي يأخذ بفكر المتلقي نحو متوالية سردية تصاعدية أو نحو خط سردي تعاقبي يقوم فيه السارد بترتيب الأحداث ضمن نسقية مترابطة من التوازنات التي تؤثث البناء الهيكلي للرواية وبالتالي لتضع القارئ في الإطار العام للرواية..
علاقة أولى: عيسى البرهان (الشيخ) => بابنه مصطفى البرهان => وبزاهدة البرهان (عمّة البطل/ مصطفى البرهان)..
علاقة ثانية: مصطفى البرهان => بالحاج فهد الهزاع => وبجلال سيف الحق... ولمعية (اللغز) ووصية الشيخ عيسى البرهان عليها..
طبعا هذه العلاقات سواء المرتبطة منها بعائلة البرهان (الشيخ)، أو بأقربائه وأرحامه.. أو محبيه وأتباعه، جميعها تؤطر المشهد السردي الروائي بكل ما يحمله من تضاربات وتناقضات على المستوى الاجتماعي.. وبكل ما يرصده من اختلافات على المستوى الفكري أو السياسي أو الديني...
إن المتلقي لرواية (آلهة من دخان) وهو يتجول بفكره متتبعا الأحداث التي استطاع الروائي أحمد الجنديل بما أوتي من براعة في صياغة جمالية التعبير السردي، أن يقحم قارئه في بوتقة الأحداث التي يعيشها البطل، ومن خلاله المجتمع الذي نشأ فيه.. دون أن يخل جماليا، تأثير هذه الأحداث المتراكمة والمتداخلة، أو نقل مشاهد صراع المجتمع الإنساني إجمالا على السياق البنيوي والدلالي للرواية..