رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
كيف دافعت رواية «الخبز الحافي» عن نفسها؟


المشاهدات 1022
تاريخ الإضافة 2020/01/06 - 3:28 PM
آخر تحديث 2025/07/01 - 7:26 PM

جميل فتحي الهمامي حينما كانت مدينة طنجة المغربية تحت حماية الانتداب الإسباني بين الأعوام 1940 و1945، أي خلال الحرب العالمية الثانية، وتحديدا بعدما استولى الجنرال فرانكو على الحكم في إسبانيا، رجع رجل مغربي إلى طنجة ومعه زوجته وابنين، هو في الحقيقة جندي مسرّح من جيش فرانكو. نزح هذا الجندي إلى طنجة بسبب التي كانت ترتع بالأجانب والجواسيس والعسكر. الابن الأوّل يدعى عبد القادر، أما الابن الثاني فقد كان أميا لا ناقة له ولا جمل في القراءة أو الكتابة، لكنّه في سنّ العشرين بدأ يتعلّم القراءة والكتابة بعد أن أمضى سنوات في التنقّل من عمل إلى عمل، فكان نادلا وبائع جرائد وماسح أحذية... ليفاجئ العالم سنة 1982 برواية كان قد كتابها على مدى عشر سنوات، وظلّت ممنوعة حتى سنة 2000، إنّها رواية الخبز الحافي للكاتب المغربي محمد شكري. امتثالا لمقولة رولان بارط بأنّ العنوان هو عتبة النص، نلحظ أنّ تركيب العنوان الذي جمع بين الحفاء والخبز، قد وسّع دائرة الألم، فكان الخبز رمزا للجوع والحفاء رمزا للفقر. أمّا على مستوى جسد الرواية، نجد في بداية الكتاب مقدمة في صفحتين كتبها محمد شكري عام 1982، ويستطيع القارئ أن يلحظ مسألة مهمة، كون هذه المقدمة تختلف لغتها كليا عن المحتوى السردي للرواية. فهي تبدأ بالحديث عن الأموات، وتنتهي بالحديث عن الأموات أيضا، وفق لعبة سردية دائرية. وقد حظيت هذه الرواية فاهتمام كبير داخل المدوّنة النقدية العربية، ففي الخبز الحافي، البطل هو محمد تلك الشخصية المحورية، والسارد الرئيس بل والعليم، ولا نفشي سرا حين نقول بأنه اسم الكاتب نفسه، فهو يحكي حياته هو بالذات، يكتب واقعه هو بالذات، دون الالتفات إلى الشراكة المجتمعية مع الغير. فواقع البطل لا يلتفت لغيره، إنّه واقع الشر: واقع العنف والدم والجريمة والعنف.. وكانت الصورة السردية داخل الرواية بشقّيها الأنثروبولوجي والتاريخي تكشف عوالم هذا الواقع وأنزياحاته الاجتماعية المسكوت عنها. هذا الواقع الذي حرص السارد على أن كتابته كما هو لا كما بدا له، وحاول فصل الذاتي عن الموضوعي، دون الدخول في شدّ عضلي مع العواطف. فجاءت الرواية على جناحين: جناح أوّل يروي حقائق صادقة في قول الواقع المعيش العنيف وإيصال حقيقته وكشف وجهه القميء، لانّه يريد بذلك أن يحوّل وجهة الكتابة كما عرّفتها مدرسة فرانكفورت النقدية من الكذب الرومانسي إلى الحقيق السردية. امّا في الجناح الثاني فقد كانت كتابته متوحشة وقاسية، يقول محمد شكري في الكلمة التي افتتح بها الخبز الحافي: أنتظر أن يفرج عن الأدب الذي لا يجترّ ولا يراوغ. فالمسألة هنا تتمحور حول كتابة لا تعرف الهدنة ولا تستجيب للسكينة، ولا تعرف الليونة والمرونة وترفض الانسيابية، فهي مادّة سردية عنيفة تنتهك كلّ شيء دون تردّد، وهي كتابة انقلابية انتقامية تتشكّل في فضاء وحشيّ من اللغة مرورا بالصورة وصولا إلى السياق، في بنيتها الفنّية وألفاظها وجملها وأسلوبها وبنيتها اللغوية.. بل حتّى في شكلها ومضمونها، في فواعلها وعوالمها الخارجية والسرية. رواية الخبز الحافي دافعت عن نفسها وعن حفائها أمام حذاء النقد الذي أراد أن يدوسها بفعل تأثيرات أخلاقية وضغوطات دينية وحسابات سياسية.. إنّ الكتابة السردية لهذه الرواية لا تكتفي بنقل العنف فقط، بل تسعى لمواجهته بما يليق بع من العنف أيضا. ولعلّ تداخل الرؤى بين من اعتبر رواية الخبز الحافي رواية مستوفية الشروط ومن يراها مجرد سيرة ذاتية كستقلة في جنسها الأدبي عن الرواية، قد زاد في تحدّي هذه الرواية لكل مشروع نقدي حاول مقاربتها. في الختام، نكاد نجزم كون محمد شكري قد رسّخ ذاته في المشهد الروائي لأن الخبز الحافي تصف عالما مترعا بالعنف والوجع والقسوة والجريمة... فالشرّ يحتل مكانة واسعة في رحاب الرواية، إذ على امتدادها الورقي نستنتج تطورا للشر زمانيا ومكانيا: زمانيا من مرحلة الطفولة وصولا إلى المراهقة، ومكانيا من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال...

تابعنا على
تصميم وتطوير