رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
وليمة لأعشاب البحر أو نشيد الموت


المشاهدات 1000
تاريخ الإضافة 2019/11/12 - 5:48 PM
آخر تحديث 2019/11/12 - 5:48 PM

سنان عبد المجيد المرحلة التي أعقبت جيل نجيب محفوظ، ومحمد عبد الحليم عبد الله، وإحسان عبد القدوس في المشهد الروائي العربي، تمخضت عن ولادة ثلّة من الروائيين العرب، اعتمدت على نوع من الكتابة الروائية الجديدة أثمر فيما بعد شكلاً شديد التجانس للاستبطان والكشف التغريبي. ومن تلك الأقلية من الروائيين يلمع اسم حيدر حيدر، جنبا ً إلى جنب مع أسماء عبد الرحمن منيف، وجبرا ابراهيم جبرا، وغالب هلسا، وحنا مينه، وجمال الغيطاني، وغيرهم. حيدر حيدر ووليمة لأعشاب البحر : وليمة لأعشاب البحر أو (نشيد الموت) رواية صدرت عام 1983 في سوريا، تدور أحداثها حول شيوعي عراقي هرب إلى الجزائر، وهناك التقى مع امرأة شاركت في الثورة الجزائرية وانتكست، عندما كانت شاهدة على عصر انهيار الثورة التي شاركت فيها، أوجاع مشتركة، وخيبات متواصلة تجمع بين (مهدي جواد) الهارب من جنوب العراق، و(فلـّة العنابيّة) الغارقة في محيط إحباطها، والتي أخذت تمارس العهر لكي تنسى، والشيوعي المهزوم الذي شارك (فلـّة) التجربة الجنسية لكي ينسى هو الآخر. (وليمة لأعشاب البحر)، هي مزيج من سمات الواقعية، والتسجيل، والتمثيل الساخر، والتكثيف الشاعري، والحجاج الذهني في البناء الدرامي للنص الروائي، حيث تستفز وظائف الشخصيات، وصور الفضاءات والأزمنة، والمواقف الانسانية، والبيئة، والمحيط الاجتماعي، وقوالب الاستعارة، والوصف المجازي لإثبات خيبة الارتداد ومحو أمل النهوض من أفق المعنى. وحيث تقرَر الحقائق المألوفة داخل سياج رمزي محكم لدلالات الانكسار، ممّا يجعل الإدراك الجديد يصادر بتعديلاته الدلالية تعددية الأصوات ويخرسها لحساب صوت واحد تغلب عليه الهجائية . (وليمة لأعشاب البحر)، كتبها الروائي حيدر حيدر بصخب سردي مدهش، وعلى مسرح العراق والجزائر، أوجاع مشتركة، وهموم تجمع العراقيين والجزائريين في لغة تجاوزت حدود لياقة اللفظ والعبارة، تزاوجت لغة السرد وهي تتغلغل إلى خفايا أبطالها بالجرأة والبوح المكشوف، عدّها البعض من الروايات المشاغبة، وعدّها آخرون من أدب الدعارة، وهاجمها البعض على انها رواية كتبها المؤلف بطريقة استفزازية، وملأ صفحاتها بالكفر والعهر والفجور، هاجمها البعض بطريقة سيئة أدت إلى اتهام كاتبها بالإلحاد، ودافع عنها البعض بطريقة لم تكن منصفة عندما قدّموا التبريرات الخالية من البحث الرصين. لغة الرواية ومعماريتها، ونمو الحدث فيها وهو ينتقل من زمن لآخر، ومن مكان لآخر، ورسم الخاتمة التي تنتهي برقصة بين عاشقين متيمين، يحتاج إلى وقفة تأملية من ناقد محترف، لكي يضعنا أمام قلم حيدر حيدر لنميز بين المسارات النوعية للكتابة الروائية، وان يصنّف نسيجها التصويري انطلاقا ً من كشف الأصول الحسيّة والتجريدية لتشغيل اللغة. لقد أحدثت (وليمة لأعشاب البحر) أو (نشيد الموت) وهو العنوان الثانوي الذي وضعه حيدر حيدر لروايته، جدلا ً واسعا ً بين صفوف المثقفين، ومعركة حامية الوطيس بين مؤيدين ومعارضين، معجبين وساخطين، ممّا جعلها تنتشر بين عموم القرّاء باعتبارها واحدة من الروايات التي احتدم الجدل حولها. فما الذي جعلها أن تتمتع بهذه الشهرة الواسعة!!!؟ هذا ما نريد الوقوف عنده ومناقشته بهدوء. في بداية الحديث، قلنا ان الرواية صدرت عام 1983، وبقيت شانها شان رواياته الأخرى، وحالها حال الروايات التي كتبها الكبار من الذين عاصروه، إلا أنها وبعد سبعة عشر عاما من صدورها، وعلى اثر إعادة طبعها في مصر عام 2000 حصل الجدل عليها، وثارت ثائرة المتدينين، واتهم كاتبها بالإلحاد لما تحتويه من مساس بالمقدسات الدينية، والتعدي على الذات الإلهية، وكانت الشرارة الأولى من عمال المطبعة الذين رفضوا إعادة طباعة الرواية، وعندما نزلت الرواية إلى الأسواق، قام الدكتور محمد عباس بكتابة مقال في صحيفة الشعب، تضمن هجوما عنيفا وشرسا على الرواية وكاتبها، وخرجت مظاهرة طالبت بسحب الرواية من الأسواق، ومع تصاعد الاحتجاجات، وتصدي الشرطة للمتظاهرين، خرج مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر في بيان يطالب بسحب الرواية كونها تشكل إساءة إلى الإسلام ممّا أحرج وزارة الثقافة المصرية التي اضطرّت إلى سحب الرواية من الأسواق المصرية. بعد هذه الأحداث، اكتسبت الرواية درجة الشهرة التي أوصلتها إلى ما هي عليه الآن!!!. لقد كتب حيدر حيدر رواية (شموس الغجر) وهي تمثل (نسيجا ً بليغا ً من الصور الروائية المتجانسة أشدَ التجانس، في تمفصلها السياقي الموحي بحدّة الانفصام الذي طبع جيلا ً بأكمله، ومرحلة برمتها) إلا انها لم تكتسب الشهرة التي وصلتها رواية (وليمة لاعشاب البحر). رغم وضوح الأسباب، إلا اننا نضع هذه الرواية على طاولة النقاد والباحثين والمثقفين، لعل في جيوبهم غير ما قلناه.. والله من وراء القصد.

تابعنا على
تصميم وتطوير