[caption id="attachment_130182" align="alignnone" width="180"]

سعد محسن خليل[/caption]
لم يشهد تاريخ العراق السياسي شخصية مثيرة للجدل مثل شخصية الباشا نوري سعيد الذي ترأس الوزارة العراقية أربع عشرة مرة.. ورغم اتهامه بالعمالة الى بريطانيا الا انه كان من الشخصيات التي أرست أسسا جديدة في بنية النظام السياسي في تلك المرحلة المحملة بحكايات مازالت حديث الشارع العراقي وكل من عاش تلك الفترة من الزمن الذي يطلق عليه العراقيون بالزمن الجميل.
وكان الباشا نوري سعيد يؤمن ان التعامل مع بريطانيا يجب ان يكون وفق مصالح العراق مستخدما كل الأساليب وفق رؤيته الخاصة وبما يسهم في خدمة العراق ويقال ان الباشا السعيد وفي احدى رحلاته الى بريطانيا طلب منه أعضاء الوفد الوزاري المرافق له ان لا يقبل يد ملكة بريطانيا عند لقائه بها ووعدهم خيرا ولكنه عند وصوله المملكة ولقائه الملكة تنكل لوعده وقام بتقبيل يدها وانحنى أمامها وعند رجوع الوفد عاتبه احد أعضاء الوفد على ذلك فقال له الباشا السعيد “انتم مجانين أنا في سبيل العراق لا أقبل يد الملكة فحسب بل اقبل حذاءها” هكذا كان يتعامل الباشا السعيد مع الأحداث ويقال ان احد النواب طلب من الباشا في احدى الجلسات الاستقالة وترك رئاسة الوزارة الى أشخاص اخرين فشبه نفسه بغطاء البالوعة وقال له “أنا اشبه بغطاء البالوعة ان رفع هذا الغطاء ستخرج روائح كريهة نتنة تزكم الأنوف” وفعلا يوم سقط النظام الملكي عام ١٩٥٨ خرجت احزاب سياسية تناحرت على حكم العراق وارتكبت مجازر دموية راح ضحيتها آلاف الأشخاص في تسابق محموم للجلوس على كرسي الحكم ويقال عن الباشا السعيد انه كان حريصا على المال العام وهذا الحرص جعله صارما في تعامله مع الوزراء حتى انه طرد وزير المالية من تشكيلة الوزارة يوم سمع ان عامل خدمة في معية الوزير يمتلك دارين فقال للوزير خلال زيارته الوزارة “إذا كان فراشك يمتلك دارين فكم أنت تمتلك” ورغم حرص الباشا السعيد على المال العام الذي يعتبره ملك الشعب الا ان فترة رئاسته الوزارة حدثت فيها اضطرابات ومشاكل داخلية انتهت بقيام تظاهرات شعبية لكنه كان يعالج هذه المشاكل بروية وطول بال وحكمة ويقال ان احد معارف الباشا نوري سعيد زاره في داره للتوسط بإطلاق سراح شاب من أقاربه شارك في تظاهرات واعتقل في الامن العامة وهو على وشك السفر الى خارج العراق بعد قبوله في احدى الجامعات الأجنبية فطلب السعيد من مدير الامن في اتصال هاتفي إطلاق سراحه وإحضاره للمثول أمامه وما ان وصل ذلك الشاب وهو يقف خائفا مرتعشا أما الباشا نوري سعيد.. سأله لماذا تم اعتقالك.. فقال له “اعتقلت في شارع الرشيد بسبب خروجي في تظاهرة ضد نظام الحكم” فطلب منه الباشا الصعود على احدى المناضد وتمثيل الموقف أمامه كما حدث في التظاهرات.. وفي بداية الأمر رفض ذلك الشاب لكنه في النهاية امتثل للأمر ونفذ ما طلبه الباشا السعيد فأمر بإطلاق سراحه رغم تفوهه بكلمات معيبة تمس الباشا السعيد.. بهذه الروحية يتعامل الباشا السعيد مع الأحداث برؤية سليمة وحكمة جعلت الشارع العراقي يترحم عليه رغم قيام ثلة من الأفراد الحاقدين بعد نجاح انتفاضة العسكر عام ١٩٥٨ بقتله والتمثيل بجثته وسحله في اغلب شوارع بغداد بمجزرة دموية مازال يتذكرها كل من عاش تلك المرحلة بمرارة.. فيا اخوتي في الإنسانية لنكن اكثر وعيا ونعالج مشاكلنا برؤية منضبطة ومتحضرة دون انفعال او العبث بالأملاك العامة فالعراق وطننا ونحن نعيش فيه منذ آلاف السنين رضينا أم لم نرضَ وتربطنا به محبة عشق الأرض التي هي ملاذنا ولا يمكن التفريط بها مهما اختلطت الأوراق.. لانه لا وطن لنا غير العراق.