رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
حداثة الخطاب الشعري في (إكليل الحكايات) حوارية الشاعر والإمام


المشاهدات 1014
تاريخ الإضافة 2019/07/20 - 5:15 PM
آخر تحديث 2024/05/02 - 5:01 PM

الزوراء / خاص / أحمد الشطري تشكل شخصية الامام علي بن أبي طالب (ع) عامل جذب للكثير من الكتاب والشعراء لما تحمله هذه الشخصية العظيمة من صفات ومميزات قل نظيرها، فهو يمثل المفترق الذي يلتقي عنده كل المسلمين بعد الرسول محمد(ص)، وربما كان منطقة جذب لكل من عرفوه سواء كانوا مسلمين ام غير مسلمين. ولذا فاننا نجد الكثير من المؤلفات والقصائد قد كتبت فيه او حوله من شخصيات متنوعة ومختلفة في عقائدها وأيديولوجياتها، ولم تكن محصورة بفئة محسوبة عليه دينيا او مذهبيا، وربما تجاوز ذلك حتى الى مبدعين علمانيين او لا دينين، ومن هنا فان هذه الشخصية الفذة حفزت الكثير للبحث في ابعادها الحياتية والفكرية. ولا يختلف الشعراء عن الباحثين في انجذابهم لشخصية الامام علي (ع) و قد حفل الشعر العربي قديمه وحديثه بالكثير من القصائد التي تغنت به وتحدثت عن صفاته وجوانب شخصيته. و انا هنا سأحاول قراءة قصيدة لشاعر حديث ربما اختلفت في تناولها لشخصية الامام (ع) عن غيرها من القصائد، هذه القصيدة التي حملت عنوان (إكليل الحكايات) للشاعر أجود مجبل والمنشورة في ديوانه الموسوم ( يا ابي أيها الماء) الصادر عام 2012 كانت الى جانب جمالياتها اللغوية والصور البلاغية قد اختطت لها نهجا مختلفا ينطلق من العشق للجانب الانساني وليس الاسطوري المقدس لشخصية الامام، ومن الاقتراب الاندماجي وليس الوصف السطحي الابتعادي، فهي تنطلق من ذات الانسان الشاعر الذائبة في ذات الامام المعشوق وليس ذات الامام النائية والعصية عن التقرب او الاقتراب منها. ومنك بهذي الأرضِ آثارُ كوكبٍ هنا سارَ يوماً والرمالُ تؤرشفُ ترافقُك الأعماقُ حتى نشوبِها ويعرفُكَ الموجُ القديمُ وتعرفُ اذن هو يتعامل مع الشخصية التفاعلية للإمام وليس الشخصية (المحنطة) التي تعامل معها اغلب الشعراء، الشخصية الحيّة وليس الشخصية الميتة. ولأدع ابيات مقدمة القصيدة التي حملت شجون الشاعر الذاتية والسياسية، وسأعتبر ان بداية البوح العشقي ينطلق من هذا البيت: لأنك عذب كالبلاد اذا نأت وكالبرق عن دمع النيازك يكشفُ وما اروع هذا التشبيه المتفرد، (عذب كالبلاد اذا نأت) ولا أحد يعرف مداه مثل أولئك الذين تغربوا عن بلادهم. ثم ينتقل الى خطاب صوفي وان كنت ارى ان القصيدة برمتها واقصد هنا (التي تتحدث عن الامام) هي ذات منحى صوفي: لأنك تدري يا حبيبي بحزننا وكيف دموع المستقيمات تذرفُ تنقب عن حلمٍ تفرط أغصناً وعن زمنٍ بين الكمائنِ يَتلفُ اذن هو ليس غائبا ولا نائيا عن مرأى او رؤية الشاعر وهو الحبيب القريب وليس السيد المحتجب. هو معنا ينقِّبُ عن احلامنا وعن زمننا الذي اتلفته الكمائن، كمائن الطغاة والسراق. ورغم الانعطافة في الخطاب في البيت التالي والذي يصرح بغيابه فيه الا ان ذلك الغياب المفترض هو نتيجة انعدام المرفأ الذي سترسو فيه سفينته، هو ذواتنا التي ابتعدت عنه، وليس هو الذي ابتعد عنها اذن هو ابتعاد عكسي. ورغم ذلك فان اثره باق يرشد الى مكانه. وكنت نشيدا لم يجد مرفأً له فغاب وظلت منه في الأرض احرفُ لأنك أكليل الحكايات، مُغدقاً تمرُّ على التاريخ وهو يُزيّفُ هذه الحوارية بين الشاعر والأمام، حوارية العاشق للمعشوق، كما نلاحظ لم تتطرق الى الحديث عن وصف سطحي مغرق في تعديد مناقب وصفات لذات ميتة. بل هو حوار تفاعلي يستمد نبضه الحي من ذاتين حيتينِ، ذات الشاعر وذات الامام. وهو خطاب تجديدي (حداثوي) متماه مع حركية العصر ولغة خطابه، وروحه التي تجنح نحو الوجود الحاضر والمرئي او المحسوس. ثم يعود الشاعر ليجعل الحضور الملموس للإمام، حضورا ضوئيا مهددا به أولئك الذين ينشرون الظلام وينتشرون من خلاله، ولكنه يغدق عليهم بوصف هو اعمق ما في الظلام من وصف ( الدامسون)، كناية عن مدى ظلمتهم. فأين يفرُّ الدامسون بوحلهم؟ وأنت على الأبواب بالشمس تهتفُ يهشم أوقاتَ الطغاةِ نهارُها وفيه مواعيدُ النبوءات تأزفُ والملفت هنا انه لم يقل يهشم الطغاة، بل قال يهشم اوقات الطغاة، وهنا تبرز نكتتين: الاولى ان تهشيم اوقاتهم اكثر واقوى اثرا من تهشيمهم كون تهشيمهم ربما يترك اثرا لهم ولكن تهشيم اوقاتهم سيمحوهم ويمحو كل اثر لهم، والثانية ان (الأوقات) بعد زمني والنهار بعد زمني ايضا فالعلاقة هنا هي علاقة تكاملية، ثم يعطف على ذلك بعلاقة تكاملية اخرى ايضا وهي ( مواعيد النبوءات) وهي ايضا بعد زمني. ثم يعود للتساؤل، تساؤل المتعجب لا تساؤل المستفهم: لمَ البيدُ لم تقرأك حين لمستها؟ وأنت على سجادة الأفق مصحفُ وهنا اشير الى ميزة في شعر اجود مجبل كنت قد اشرت لها في مقال سابق نشر في جريدة الصباح وهي ابتكار علاقات غير مسبوقة بين المفردات من مثل قوله: ( ثقب الكلام، أحزان التقاويم، سجادة الافق، البيد لم تقرأك) وغيرها سواء في هذا النص ام في غيره. ثم يختم قصيدته بعد عدة ابيات بقوله: لهذا أتاك النخلُ مغرورق الخطى وجاءك زيتون القصائد يزحفُ وهل هناك ختام اجمل من هذا؟ فما بين علي (ع ) والنخل علاقات متعددة، علاقة الشموخ والعطاء، علاقة الغارس بغرسه، ثم هذه نسبة المغرورق الى الخطى هذه العلاقة المبتكرة بين المضاف والمضاف اليه، وما للزيتون من معان دالة على السلام وهذه العلاقة المبتكرة ايضا (زيتون القصائد) هذه العلاقات الجمالية معنى ومبنى، هي جزء من جماليات هذه القصيدة الفخمة. والتي تمثل نزعة تجديدية كما ارى سواء في التعامل مع موضوعها (شخصية الامام) ام في لغتها وخطابها على صعيد القصيدة الموزونة خاصة والشعر بصورة اعم.

تابعنا على
تصميم وتطوير