رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
الأثر النفسي والعاطفي في قصيدة الشاعرة التونسية خيرة مباركي «في ثمالة القَحْط»


المشاهدات 1100
تاريخ الإضافة 2019/05/15 - 4:19 PM
آخر تحديث 2024/05/02 - 6:28 AM

أحمد فاضل/الزوراء / خاص تلعب العواطف دوراً مهماً في حياتنا اليومية ففي كل يوم نقضي وقتاً طويلاً في مشاهدة مشاعر الآخرين وتفسير معنى هذه الإشارات وتحديد كيفية الرد على تجاربنا العاطفية المعقدة والتعامل معها، وتعد العواطف أيضاً موضوعاً مهماً في علم النفس، وقد كرس الباحثون قدراً كبيراً من الطاقة لفهم الغرض من العواطف والنظريات حول كيفية حدوث المشاعر ولماذا ، لقد تعلم الباحثون أيضاً الكثير عن التعبير الفعلي عن المشاعر التي نعبر عنها بعدة طرق مختلفة بما في ذلك التواصل اللفظي والتواصل غير اللفظي، ويمكن أيضاً استخدام لغة الجسد لإرسال إشارات عاطفية مختلفة وهي واحدة من أهم الطرق للتعبير عن المشاعر ، من خلال تعبيرات الوجه أو اليد التي تمتد أحياناً إلى الشعر فتحركه حركة خفيفة إلى الوراء أو إلى جانبي الكتف ، ومن المحتمل أننا سمعنا أن إشارات وإيماءات لغة الجسد تنطوي أحياناً على معانٍ مختلفة في ثقافات مختلفة، لكن هل تنطبق نفس الفكرة على تعبيرات الوجه أيضاً ؟ وهل يُعبّر الناس في البلدان والثقافات الأخرى عن المشاعر بنفس الطريقة ؟ في كتابه « تعبير العواطف في الإنسان والحيوان» الصادر عام 1872 ، قال عالم الطبيعة الشهير تشارلز داروين إن تعبيرات الإنسان عن المشاعر كانت فطرية وعالمية عبر الثقافات، ووجد الباحث وخبير العواطف بول إيكمان أن تعبيرات الوجه المستخدمة في نقل المشاعر الأساسية تميل إلى أن تكون هي نفسها في الثقافات ، بينما وجد أن الوجه الإنساني قادر على خلق مجموعة مذهلة من التعبيرات (أكثر من 7000) حركة قد تكون مقصودة أو غير مقصودة ( لا إرادية )، وهناك ستة مشاعر أساسية لها : سعادة مفاجأة حزن غضب اشمئزاز خوف وقد أظهر الباحثون صوراً لأشخاص يعبرون عن هذه المشاعر لأفراد من ثقافات مختلفة ، وتمكّن أشخاص من جميع أنحاء العالم من تحديد المشاعر الأساسية وراء هذه التعبيرات حيث يعتقد إيكمان أنه من غير المحتمل أن تكون هذه المشاعر الأساسية فطرية ، ولكن من المرجح أيضاً أن تكون قوية في الدماغ . ومع ذلك هناك اختلافات ثقافية مهمة في كيفية التعبير عن المشاعر، فقواعد العرض هي الاختلافات في كيفية إدارة تعبيرات الوجه لدينا وفقاً للتوقعات الاجتماعية والثقافية، في تجربة كلاسيكية، شاهد الباحثون المشاركون اليابانيون والأمريكيون الصور ومقاطع الفيديو المروعة لأشياء مثل البتر والجراحات أظهر أشخاص من كلتا الحالتين تعبيرات مماثلة للوجه ، وهم في حالة كبيرة من الاشمئزاز وبحضور أحد علماء النفس ، وبينما كان المشاركون ينظرون إلى هذه المشاهد ، أخفى بعضهم مشاعرهم وحافظوا على تعابير الوجه المحايدة، والسؤال هنا : «لماذا يُغير وجود العالِم الاستجابة لظهور مثل هذه الانفعالات بالكيفية التي استجاب لها هؤلاء المشاهدون؟ في الثقافة اليابانية ، يُعتبر الكشف عن المشاعر السلبية أمراً مسيئاً في وجود مثل تلك الشخصية عن طريق إخفاء تعبيراتهم ، فقد كان المشاهدون اليابانيون يلتزمون بقواعد عرض ثقافتهم ، هنا تلعب القدرة على التعبير عن المشاعر وتفسيرها جزءاً أساسياً من حياتنا اليومية، في حين أن العديد من التعبيرات عن المشاعر فطرية ، ومن المرجح أن تكون قوية في الدماغ ، إلا أن هناك العديد من العوامل الأخرى التي تؤثر على كيفية الكشف عن مشاعرنا الداخلية يمكن أن تساعد كل من الضغوط الاجتماعية والعاطفية والتأثيرات الثقافية ومنها الشعر على تشكيل التعبير عن المشاعر، هذه المقدمة هل تكفي لقراءة ما اعتمل في صدر وقلب الشاعرة خيرة مباركي وهي تنثر حروفها عبر قصيدة «في ثمالة القَحْط». متناولة من خلال تشكيلتها النثرية شعوراً عاطفياً مختلفاً تعيشه بتأثير بيئة أنثوية تعيشها بكل ما تحمله من ألم ، كما نقرأ في أبياتها الموحية به : اليومُ .. مختلفٌ .. وإحسَاسِي مخْتلِفٌ .. ظنَنْتُني لن أنتظرَكَ وستَهرَعُ عيْنَاكَ تبدِّدُ سرَّ السَّحَابِ ، في شِفَاهِ اليَمَامِ .. تُكَفْكِفُه بلَواحِظِ الصَّقْرِ .. وتَصْقُلُهُ نَغَمًا سلْسالاً يَبتهلُنِي لحْنَ شوْقٍ .. وينقُشُ أحْلامِي القديمةِ منْ سعَفِ التَّوْقِ .. اليوْمُ .. شُعُوري مُختَلفٌ .. وانتظارَاتِي تخْتَلفُ ... ما وجَدْتُك في صبَاحِي .. وَلا ترشَّفتُ لحظاتَكَ منْ فنْجانِ قهْوَتي محضُ صوْتٍ لبقَايا نسمات تجمّدتْ ........................... شرِبها الزَّنبَقُ المُنْفعِلُ وَهُو يطارِدُ صَدَى الأغْنِياتِ الصَّباحيَّةِ في عِطْرِ الرُّبَى ... هناك صوت أنثوي قوي يحاول أن يقول للمخاطب أن اليوم الذي صَحتْ فيه كان مختلفاً هذه المرة إحساساً ، انتظار ، توق ، مفردات غالبتها صور شعرية تكاد تنطق ألماً ، وعندما ننتقل لقراءة مقاطع أخرى من القصيدة تتصاعد الصورة الموندرامية لتسجل أعلى مراحل ذلك الألم : لم تنبِّهْ غفْوةَ الياسَمِين مِنْ عزّ سُهادِه فالنَّدى بخِلَ بشَهْدِه .. والفؤاد اكتوَى !! اليومُ .. إحسَاسِي مُختَلفٌ .. وشَمْسِي تخْتَلِفُ، تُرتّقُ أشِعَّتَها الحزينَةَ مِنْ أشرعَةٍ مُسَافِرَةٍ بلا جَواز .. في ريعَان الولَهِ ترسُم جوعَنا الدّهريّ في مَحامِلِ الأنْوَارِ بين صَحْوَةِ القَحْطِ، وفَوْرَةِ المَطَرِ في تعْويذَةٍ سَكْرَى !! مباركي وفي كل قصائدها النثرية وضعت أبياتها في تناوب على خطوط طويلة وقصيرة مع عدم وجود تشديد في القياس أو الإيقاع عندما تكون الجملة الشعرية في أفضل حالات بنائها ، مع ملاحظة أنها في صميم كتابتها للشعر تعتبر نفسها فنانة بصرية وليست لفظية بذات الوقت وهذا ما يمكن ملاحظته في عديد رسوماتها المصاحبة لقصائدها ، إنه شكل مناسب لدينا في ثقافتنا ، ومع خواتيم أبياتها نتعرف على حجم الضغط النفسي والعاطفي الذي تنوء منه المرأة مع كل تلك القوة الواضحة في منطقها، وعلامات العتب واللوم المُوجّه للمخاطب : اليَومُ قَلبِي مُختَلفٌ .. ونَبْضي يَخْتَلِفُ.. يُنازِعُ الصّبْرَ مِنْ يَقِينِ أيُّوب .. يُرَاوِدُ الكُحْلَ مِنْ عُيُونِ الهَدِيلِ .. مِنْ عُروُقٍ نَحيلَةٍ تَصَّعَّدُ في رُوحٍ ظامِئَةٍ تهْذِي فِي زَوايا قَصِيدَةٍ قَدِيمَةٍ .. وتَسْتَجِيرُ بوَحْيٍ صَامِتٍ فِي سُكُون العَواصِف .. انْتَظَرْتُكَ ... كالهَجِيعِ للصّبَاحِ .. كَرَحْمَةٍ فِي رُجُومِ الذّاكِرَة .. تقْتَنِصُ اليَبابَ منْ متاهاتٍ عِجَافٍ تَنْسجُني بُرْدَةَ غَرِيبٍ مُهَاجِرٍ، وَيشْتَعِل الجَوَى مِنْ ليْلٍ طَويلْ يُطْفئ جُوعَ اليَتَامَى فِي ثَمَالةِ القَحْطِ ... وأنا التِي رَسَمتُك ابتِهالات غيْم .. أنْشَدْتُكَ شَهْوَةً في وِحَامِ الرّبيع .. فيَاللخَريف وهُو يتَمارضُ في مُنْعطَف اليَقين.. يُدَثّر الجِراحَات القديمة بالقَصَائدْ.. ويبتسم !!!

تابعنا على
تصميم وتطوير