رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
قراءة في مجموعة للقاص العراقي فاهم وارد العفريت


المشاهدات 1106
تاريخ الإضافة 2019/05/08 - 4:42 PM
آخر تحديث 2024/05/06 - 1:58 AM

عقيل هاشم «الى الذين يحولون الدموع الى قلائد من الابتسامات ..»(الإهداء) القصة القصيرة بوصفها شكلا من أشكال الكتابة الأدبية لم تعد بتحولاتها السردية المتسارعة قادرة على التشظي أكثر من تفكك عالمنا الذي تتمهزل فيه الجماليات بتتابع مستمر وانحدار نحو مزيد من الضجر والاغتراب واليأس أمام مشهد تحشر فيه شخصيات مجتمع القصة كي تتأمل مصيرها على حافة القيامة .إذ لم يعد أمام الكائن البشري سوى ذلك الحداد الذي يطل من وجوه كثيرة وقصص مكتظة بمشاهد متنوعة من المواقف والأفعال. إن ميزة هذه المجموعة، تكمن في كونها تعبيراً صادقاً لنوافذ إنسانية على العالم الشاسع، في الوقت الذي كانت لها جذور في تربة الوطن. بالاضافة الى لغة القصّ العذبة السلسة التي لم تكبلها قيود التكلف، ولم تربكها أسباب الترهل، أو تشوهها سمات التعقيد والتقعَّر.. الكاتب «فاهم وراد العفريت صوت قصصي متميّز يجبرك على الإصغاء إليه ومتابعته ، على الرغم من تنوع شخصياته وموضوعاته الغارقة بعوالم نفسية ، هذه النصوص وما تنطوي عليه من تكرار في ثيماتها الرئيسية والتي يشكّل الموت نواة أساسية فيها كانت على قدر من الحميمية والتجانس ووحدة الهويّة . “أمطار ظامئة” للقاص فاهم وارد العفريت ، تميزت تجربته باستلهام مخزون المحكي الشفوي وسرده بجمالية العارف بهذا الفن ،فقد عرف العفريت بإتقانه لكتابة هذا الفن . أقول ربما كانت قيمة المرويّات القصصية في هذه المجموعة عموما تكمن في قدرتهما على أن يضيف كاتبها إلى الحياة التي تعاش شيئا يكمل هذا العيش ويسد النقص في وجود الإنسان ويجعله ذا معنى . وإذا كانت القصة التي تشبه الحياة وتحاكيها تبتعد او تقترب من تجربتنا بحكم الضرورة الفنية عن هذه الحياة ولا تؤلّف نسخة منها ، فإنها لا تقوم بتشويهها أو إعطائنا صورة لا توسّع في مداركنا عنها بل وتعمّق رغبتنا في مواصلة العيش فيها . وهو ما أراده وفعله كاتب هذه القصص والذي نجح في أن يقدم لنا صورا متنوعة ومن زوايا نظر مختلفة عن إرهاصات الوضع البشري تحت ضغوط غير مسيطر عليها ، واحتفلت بحياة كاتبها السرية وبطريقة سرد مقنعة ومؤثرة فجاءت لضرورة احداث تفاعلية. (أمطار ظامئة) يقوم هذا العنوان على انزياح مركب يشي بوضوح أن العالم الذي تستوحيه كل القصص هو أكبر من القصة. إذ القصص هي خيبات وسخرية من حيوات تملأها البطالة والتعاسة وانهيار الأحلام . العنوانات الفرعية للقصص :(ابتهالات في محراب الصمت/أحلام في وضح النهار/المعتوه/النبأ/بصمات لرماد يتكلم/ترنيمة اللغز الأخير/خطوط في دائرة العرض/دموع ليست خرساء/رائحة الأرض/قناص ماهر/انين ايقظ الليل/فقاعات بين الأمواج/مواويل لتغريد حبيس/المساء الحزين/دموع بلون الدم/للجراح مواجع ندم/همس الصدى/وجه القصة لم تكتب بعد/ارباح مكتظة بالأباطيل/الرجل المومياء/ستائر الليل الملونة/أمطار ظامئة/واقبل العام الدراسي/أضواء خادعة/عيون بين الضباب/أرواح تموت مرتين/القطط الجائعة. يأخذنا عنوان هذا العمل إلى عوالم الأسى والألم اليومي من الذاتي /الموضوعي ، هذه النصوص المفتوحة على تأويلات عديدة هي مادة القصة جميعها ،هي كشف وفضح تلك الأصوات السردية التي تتفرج على انهيار النفس البشرية المنسوجة بخيوط الخيبة والضياع والاغتراب، فإن دلالته تتوسع لتؤشر على الموت الذي يرافقه احتراق يطمس معالم الأشياء والكائنات ويحيل الوجود عدما .وهذا التحول تتقبله الذات بمرارة وحداد ومأساة وحزن على فقد هذا الوجود. هنا وفي هذه المجموعة نلحظ هذا الثلاثي القائم على بناء فضاءات القصص ، والذي لاتخرج عنه اية القصة القصيرة عن ثلاث موضوعات هي “الموت والألم والحب” في تخصيب الحديث عن خصوصية العوالم القصصية والموضوعات التي تتخلق في أمداء الرؤية القصصية لهذه المسرودات. هنا ومن خلال هذه النصوص يستوحي القاص في منجزه الإبداعي القصصي هذا التجاور بإحداثيات إنسانية تطبعها ملاحم من التناقضات مثلما عرضها كاتبها بالإهداء علينا ، فراحت تتقمص الفضح والألم والسخرية والتهكم من زاوية الاحتجاج على ما يضمره ويظهره الواقع من قطاعات تتجاوز حدود التخييل بل تفرض على التخييل أن يصبح شهادة بازغة على أعطاب المجتمع، وما تحفه من أشكال العبث بالمصائر والظلم والأوهام التي تحملها شخصيات منزوعة الإرادة ، يقودها اليأس إلى يأس جديد. اقتباس: قصة أمطار ظامئة. (عندما وطأت أقدامى تلك الأرض المعفرة بالتراب ، استحمت في جسدي الشمس وأنا أمزق الطرق الملتوية تحت صرير وقع خطاي كعابر سبيل هزمته الدروب البعيدة ، اقتنص اللحظات الهاربة فتجتاحني هستريا مجنونة أخذت تلسعني كسياط وهمية من الأحزان المريرة ...ص142) تتفجر لعبة السرد بكسر الوهم من خلال الفضح التام لتعرية النفس البشرية من الضيق والانكسار والألم عندما تتظاهر القصص بالبساطة والبراءة لكنها تخفي عمقا أكثر ثراء عندما تنتزع القارئ من طمأنينته الزائفة لتقف به وجها لوجه أمام دهشة الحياة من خلال تقديم نماذج من شخصيات قلقة ينبع توترها من وجودها في واقع مأزوم، من الانهيارات والتراجعات- حداد، سكتة زمنية، ابتسامة غامضة، باقة لسلة المهملات، أحلام محبطة بلغة بسيطة وسهلة تجمع بين الكلمة القصصية والصور والنعوت تلامس قضايا إنسانية وحالات إنسانية تقض مضجع أبطال القصة وتجرفهم في حالة من الاستسلام لتنتهي بالسخط وعدم الرضا ،هذه النصوص التي تضغط أفقيا على الوجود كي تدفع القضايا الحساسة في المجتمع إلى الهامش حتى يتسنى للمحكيات أن تسخر، وتنتزع الواقع من إنسانيته. اقتباس قصة خطوط في دائرة العرض) (عندما صمت الليل تناغمت الكلمات برأسه تهدجا ، ما هذا الناي الحزين الذي يعزف له سمفونية الدموع ، تبا لهذه الخلجات المريرة التي اجتاحته دون سابق إنذار ،امتلأ فمه بقيح التساؤلات وطغت على نفسه الآم جراح لاشفاء لها أبدا...ص56) إن رهانات الوجود الإنساني المشدودة إلى الوهم دفعت الكاتب نحو مزيد من الدقة والحرص على صيانة عالمه عبر فضح نواقصه وكشف الصراع الضاري بين الإنسان ونفسه. من خلال البحث عن جسر يربط النص بالعالم والعكس صحيحا، وسوق بعض الأبطال وتمريغهم في ساحة الاعتراف»”. اقتباس: (قصة دموع بلون الدم) عند التخوم البعيدة لحدودنا الغربية والشمالية الغربية كانت وكالات الأنباء وكاميرات مصوري القنوات الفضائية العديدة تسمعنا دوي الانفجارات وتجعلنا جميعا متلهفين لنشاهد كل يوم مايدور من قتال تدور رجاء فوق ارض الشام وقاعدة الخلافة الأموية قبل مئات من القرون الراحلة...ص97)) إن قراءة تاولية لهذه النصوص أقول القاص فاهم وارد العفريت نصوصه تبدو طاعنة في العمق الفني والدلالي بإحكام البناء وأسطرة الأحداث والحرص على الحكاية وأشكال تمثيلها والعناية باللغة وتعدد سجلاتها التي تحول الفضاء المتخيل إلى أيقونة بصرية تحضن عالما تتزاحم فيه الدلالات وتتجاور فيه الأقنعة بشكل مفارقه يزيد المحكيات جمالية فهي تقيم مجابهة بين الواقع واللاواقع كي تجعل من القصص فضاء حيويا على تخوم حُفرالنفس المنسية المنسوجة من الانكسار والخيبة وفي الختام أقول : هذه المجموعة القصصية هي دراما بشرية مروّعة لا يكاد أحد يشعر بها أو يفكّر فيها بالطريقة التي يفعلها هنا حكاء ماهر قادر على التفاعلية. فهو ما يفتأ يصرخ لتنبيهنا إلى بعض فصولها المأساوية ، ويشير إلى تلك الفكرة غير المفكّر بها ، كما ينبغي ، من قبل الآخرين ، وهي أن هذه الحياة لا معنى لها ولا قيمة ما دام الموت والعدم متربصين بها. لا يبقى لنا ، كذلك ، غير أن نردّد مع كاتب هذا النشيد المتوسّل الباكي في نهاية المجموعة نشيدا معارضا لهذا الألم السردي.

تابعنا على
تصميم وتطوير