رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
مأزق الـ«بريكست»


المشاهدات 1037
تاريخ الإضافة 2019/03/23 - 6:22 PM
آخر تحديث 2025/06/24 - 7:24 AM

[caption id="attachment_149113" align="alignnone" width="287"]عبد الحسين شعبان عبد الحسين شعبان[/caption] انتقلت الكرة من ملعب لندن إلى ملعب بروكسل بعد منح البرلمان البريطاني موافقته لحكومة تيريزا ماي 14 مارس /آذار الجاري على تأجيل موعد الانسحاب من الاتحاد الأوربي، وذلك بعد أن كان مقرراً حسم الموقف يوم 29 مارس /آذار الجاري. ويتوقع أن تعيد رئيسة الوزراء تيريزا ماي طرح خطتها لـ«بريكست» للتصويت أمام النواب للمرّة الثالثة. وكانت قد حذّرت من التأجيل الطويل الأمد (21 شهراً) كما يطالب بعض النواب. وحسب الآلية القانونية التي تؤطر الانسحاب، فهي تتمثل بالمادة 50 من اتفاقية لشبونة التي تتطلب موافقة دول الاتحاد بالإجماع (27 دولة). ويأتي هذا الانسحاب على خلفية الاستفتاء الذي جرى يوم 23 يونيو/حزيران 2016، حيث صوّت 51.9% لصالحه، وقد وافق قادة الاتحاد الأوربي على تنظيم اتفاقية «بريكست»، وذلك في اجتماعهم في بروكسل (بلجيكا) في 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، لكن الاختلاف بين الحكومة ومجلس العموم أدخل العلاقة البريطانية – الأوربية في مأزق جديد. وكانت غالبية أعضاء مجلس العموم البريطاني قد رفضت اتفاق ماي (للمرّة الثانية) بشأن تنظيم «بريكست». وعلى الرغم من قرار التأجيل، فإنها اعتبرته لن يحلّ الأزمة، بل يزيد من تفاقمها، وعبّرت عن مخاوفها إزاء الانسحاب دون تنظيم اتفاق خلال زيارتها إلى شرق إنجلترا بقولها: ادعموه (أي الاتفاق) وسوف تغادر المملكة المتحدة الاتحاد الأوربي أو ارفضوه ولن يعلم أحد ما الذي سيحدث؟ وهو الأمر الذي ظلّت تردّده طيلة العام الماضي كلّه. كما أنها حاولت في ستراسبورغ انتزاع تنازلات جديدة من قادة الاتحاد الأوربي لتعزيز موقفها ولكن دون جدوى، باستثناء التعهدات في مسألة الحدود مع جمهورية إيرلندا. ويبرّر أصحاب قرار القفز من سفينة الاتحاد الأوربي بأن تأثير بريطانيا سيعود بقوة في المستوى العالمي بعد فشل المعالجات التي أدارها الاتحاد الأوربي لنحو عقد ونيّف من الزمان، خصوصاً في ظلّ الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية التي تعاظمت في العام 2008 وتركت أثرها الثقيل في بريطانيا، وما زالت تبعاتها ماثلة حتى الآن، بارتفاع معدلات البطالة وسعر الفائدة والتضخم الاقتصادي، ناهيك عن مشاكل الأمن واللاجئين ومحاربة الإرهاب. وقد وضعت تلك السياسات العديد من البلدان والشعوب الأوربية أمام اختيارات قاسية، حيث لم تتمكّن الدول الصغيرة أو «أسواق الأطراف» من تحقيق معدلات نمو اقتصادي، وهو ما دفع سكان العديد من هذه البلدان للبحث عن عمل في البلدان المتقدمة مثل بريطانيا بسبب برامج الضمان الاجتماعي، وهكذا شهدت بلدان مثل بولونيا وهنغاريا واليونان وقبرص وغيرها انتقالاً واسعاً إلى بريطانيا، في حين ظلّت سويسرا خارج دائرة الاتحاد، لكنها امتلكت اقتصاداً أفضل ونمواً بمعدلات أعلى وبطالة أقل وعملة قوية، فما الحاجة إذاً لانضمام بريطانيا للاتحاد الأوربي؟ وما الفائدة التي ستجنيها؟ وإذا كان دعاة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي يتوقّعون تحسّن أوضاعها على المستويين العام والفردي، ولاسيّما على المدى الطويل، فإن هناك تقديرات عكسية متشائمة باحتمال سوء الأوضاع الاقتصادية وتردّي الحالة المعيشية خلال الخمسة عشر عاماً القادمة مقارنة بالبقاء في الاتحاد الأوربي، وحسب جريدة «الفايننشال تايمز» فإنه منذ الاستفتاء في يونيو/حزيران عام 2016 ولغاية ديسمبر/ كانون الأول عام 2017، فإن الدخل القومي البريطاني انخفض بما يعادل 350 مليون جنيه استرليني في الأسبوع، خصوصاً بانخفاض ثقة المستهلك وتراجع الإنفاق إلى أدنى مستوى. وسيبقى الجدل والنقاش مفتوحين، سواء اتّخذ القرار النهائي أم لم يتّخذ، وسواء حصل استفتاء جديد أم لم يحصل، فاللوحة لا تزال معقدة وغامضة وملتبسة والتكهنات بشأنها متضاربة ومتعاكسة، والزمن كفيل بتبيان أي الخيارات كان صائباً وأيها كان خاطئاً؟ وهو ما ستقرّره السياسة اللاحقة، ولاسيّما صناديق الاقتراع التي ستعكس مدى قناعة البريطانيين من عدمها. وقدّم الأوربيون بعض التنازلات لإقناع أعضاء مجلس العموم البريطاني للمصادقة على الاتفاق المبرم بين بروكسل ولندن، وأبدوا استعدادهم لإضفاء طابع ملزم عليه، لاسيّما ما يتعلق بتفادي الحساسية بشأن جمهورية إيرلندا (العضو في الاتحاد)، ولعل من ضمن أهدافهم الحفاظ على اتفاق السلام بين بريطانيا وإيرلندا وأحزاب إيرلندا الشمالية الموقع عام 1998 والمعروف باسم «اتفاق الجمعة العظيمة» أو اتفاق بلفاست، إضافة إلى التبعات الاقتصادية والمالية، على كل بلد وعلى الاتحاد ككل، لاسيّما وقد أخذت الثقة تتزعزع بقدرته على الاستمرار بالحيوية والطموح الذي بدأه. وقد اعتبر بعض أعضاء مجلس العموم مثل ذلك «العرض» «فخّاً» يُبقي بريطانيا ضمن الاتحاد على الرغم من انسحابها، ولذلك طلب سقفاً زمنياً لنفاذه. لا شكّ في أن ماي وأنصارها وخصومها والأطراف جميعاً في لحظة أزمة، بل إنهم في مأزق كبير، فإن ما حصل سيعرّض سفينة الاتحاد الأوربي لعواصف هوجاء جديدة قد تأخذها بعيداً في التخبط دون مرسى قريب، خصوصاً بعد شحوب الكثير من الآمال التي عوّلت عليها.

تابعنا على
تصميم وتطوير