المسافة بين الروائي وكاتب رواية طويلة ، وهي لا تختلف عن المسافة بين الناقد ومن يتعثر على سواحل النقد .
والروائي الذي يجيد فن كتابة الرواية غير كاتب الرواية الذي يفتقر الى الخبرة المطلوبة والذاكرة المتقدة ، ومعرفة أسرار اللعبة بركنيها اللغوي والدلالي ، الخارجي والداخلي ، الاطار والمضمون ، المعنى والمبنى، فالرواية فن والروائي فنان ، والفن يحتاج رؤية واضحة من خلال قلم الروائي المترع بصنوف العافية .
الروائي العراقي سعد سعيد قدم لنا روايات وعليها بصمة ( الأسطه ) المحترف الذي استطاع أن يمنح الحدث عمقا واللغة وضوحا .
صدرت روايته الأولى ( الدومينو ) عام 2007، والثانية (مجموعة كواليس القيامة) عام 2008 ، والثالثة ( قال الأفعوان ) عام 2009، والرابعة ( حادي العيس ) عام 2010، والخامسة ( فيرجوالية ) عام 2012، والسادسة ( ثلاث عشرة ليلة وليلة ) عام 2013 ، والسابعة ( هسيس اليمام ) عام 2015 ، والثامنة ( انسانزم ) عام 2017 ، والتاسعة ( السيد العظيم ) عام 2018 ، والعاشرة ( صوت خافت جدا ) عام 2018 .
ما زال يواصل الكتابة فهو متفرغ لها ، يقترب من حدود المسكوت عنه ويبتعد عنه بطريقة مدهشة ، لا أثر للترهل في قلمه ولا وعورة فيه ، يتناول المألوف بطريقة غير مألوفة ناثرا على جسد روايته خطافات التشويق و( بهارات ) الاثارة .
ثقافة الزوراء دخلت بيدر الروائي العراقي سعد سعيد وخرجت منه بهذا العطاء :
* ما رأيك بالذي يقول : ( النص الجيد يفرض نفسه على الجميع ) في هذا العالم الذي تتلاعب فيه قوى الدعاية والاعلان ؟
أنا لا أعرف من أين أتى بمقولته هذه! إذ لا يمكن لأي نص ومهما سما أن يفرض نفسه على الجميع لأننا نعرف جيدا بأن التلقي رهن بذائقات وثقافات ومعتقدات الناس وهي شتّى، وهذا ما يجعل وجود النص الذي يتحدث عنه مستحيلا.. أما عن تلاعب قوى الدعاية والاعلان بهذا العالم الذي أمسى قرية، فأنا أرى بأنه ومهما قوت وسائل الدعاية والاعلان فإنها لا يمكن أن تغير ذائقة الناس تماما، وما دام هناك أفراد يعشقون الأدب فإن النصوص الأدبية لن تفقد حظوتها عندهم يوما، إلا إذا ما أثرت العلم المتنامي على شخصيات الأفراد وغيرها تماما.
*كيف تنظر الى اللغة في عملية البناء السردي للقصة أو الرواية ؟
اللغة وعاء الرواية ولا يمكن للأدب أن يستمر في ظل تدهور اللغة أو تواضعها، ومهما بلغ المرء من منطق أو قوة في ادارة الحبكة أو الحوار، بل مهما علا خياله فإنه لن يستطيع أن يقنع المتلقي إن كانت لغته ضعيفة أو غير مقنعة، فالرابط بين الأدب واللغة وثيق تماما.
* الرواية العراقية ، وأنت على معرفة واسعة بمسيرتها ، كيف تراها اليوم ؟
شخصيا، أرى أنها ليست في أفضل أحوالها رغم النجاحات التي حققها روائيون عراقيون لأنها الاستثناء الذي لا يصلح كقاعدة، فالرواية العراقية اليوم مبتلاة بكثرة المدعين فيها، والكارثة أنهم لا يكتفون بفرض أنفسهم عليها بل أنهم يعملون على أن يتبوؤا مراكز قيادية في المفاصل المعنية بها وهذا يعرضها إلى خطر التضاؤل وفقدان التأثير في المحافل الدولية، وأنا أعتقد بأن أخطر ما في الأمر هو الافتقاد إلى المعايير التي تكفل لها استمرار الجودة، وكلنا نعرف بأن كل ما هو مطلوب من المدعي هو أن يمتلك المبلغ الكافي لطبع نصه وتوزيعه وفي هذا اجحاف كبير بحق ذائقة الشباب والمجتمع، وأنا أرى بأن الكرة الآن في ملعب الاتحاد الذي يجب أن يتصدى لهذا التدهور الكبير، ويحاول أن يصلحه قبل أن يستفحل، ولكن السؤال هو، هل يريد الاتحاد ذلك؟!
* كيف تنظر الى علاقة الروائي بالناقد؟ وهل تعتقد ان المشهد النقدي العراقي ينسجم مع حركة الابداع في العراق ؟
لا شك بأن العلاقة بين الروائي والناقد مهمة جدا، ولكن ذلك يصح حين يكونا سوية على مستوى الطموح، فالروائي الحقيقي لن يتوقف عن استحداث المزيد من الإبداعات التي تحفز الناقد الحقيقي على استنباط المزيد من الأفكار التي تصلح لأن تكون خطة عمل للروائيين الواعدين وهو ما يضمن استمرار العملية الإبداعية في المجتمع، ولكن هل هذا يصح على المشهد الروائي العراقي الآن؟!
أنا لا أريد أن أثير غضب أحد، ولكن في نفس الوقت لا يهمني إن غضب مني المدعون.. لا يا صديقي فالمشهد النقدي العراقي في الوقت الحاضر لا ينسجم مع حركة الإبداع في العراق أو في أي مكان من العالم ولكنني مضطر إلى الامتناع عن الإسهاب لأنني إن بدأت بالتكلم عن هذا الموضوع سأحتاج إلى مساحة أكبر بكثير من هذه المتاحة في هذا اللقاء.
* هل توافق على القول بأن الزمن الذي نعيشه اليوم هو زمن الرواية ؟
الحقيقة هي أن الرواية في الوقت الحاضر قد حققت الكثير من المكاسب على حساب الشعر والقصة، والدليل هو ميل الكثير من القاصين والشعراء إلى التحول الى الرواية وهو ما زاد من هموم الرواية لأنه من الواضح جدا أن مجرد كون المرء يستطيع أن يكتب لا يعني بأنه يستطيع الخوض في كل أجناس الأدب بسبب اختلاف طريقة تفكير كل من الروائي والشاعر والقاص وغير من أجناس الأدب، ولكنني أتحدث هنا عن العراق فقط، أما في بقية أنحاء العالم فأنا آسف لأنني لا أستطيع التحدث عنها فأنا موجود في العراق فقط.
* من هم الادباء الذين تأثرت بهم في رحلتك الاولى مع الحرف ؟
لن أتردد للرد على هذا السؤال في ذكر دوستويفسكي وتولستوي ومارك توين وشارلز ديكنز وأرنست همنغواي ونجيب محفوظ وحنا مينا والبرتو مورافيا وغيرهم الكثيرون، ولكن لا يفوتني أن أذكر والت ديزني رغم أنه ليس كاتبا، ولكن أليس هو الذي استحدث شخصية ميكي ماوس التي شحذت خيالات طفولتي وحببتني بالخيال المبدع الحقيقي، وكذلك هو الأمر مع مستحدثي شخصيات سوبرمان والوطواط والبرق وتان تان ولولو وغيرهم الكثر جدا من شخصيات مجلات المغامرات المصورة التي زينت مجلاتها طفولتنا وأكسبتها معنى جديدا لم نكن لننتبه لها لولا أنها فتحت أمامنا عوالمها.
* يلاحظ انك بعيد عن صخب الساحة الثقافية ، ما سبب ذلك ؟
ذلك لأنني لا أحتاج إلى الصخب يا سيدي، أنا أحتاج إلى الهدوء لأعبر عن نفسي بأفضل طريقة ممكنة، ثم أن ما يحدث في الساحة الثقافية الآن ليس صخبا حتى، بل هو الفوضى العارمة التي لن تتسبب إلا في المزيد من الانحدار، وأنا آسف لأنني لا أستطيع أن أعدد تفاصيل ما يحدث لأن ذلك يحتاج إلى الكثير من الشرح والاسهاب.
أنا أحب حياتي الشخصية كما هي، ولا أشعر بالحاجة إلى المزيد من البهرجة ولا أريد لولعي بهوايتي في كتابة الرواية أن يلقي بظلال ثقيلة على تلك الحياة التي ترضيني، ولأن رأيا إيجابيا بنص لي من قارئ محترف يغنيني عن كل جوائز الدنيا، سأبقى حريصا على سكينة حياتي كما هي.
* أحد الروائيين ذكر لي بانه يشعر بالرهبة عندما يكتب جملته الاولى ، فبماذا تشعر وانت تكتب روايتك الجديدة ؟
أنا لا أشعر بغير المتعة وأنا أكتب رواية جديدة والا لما كتبتها أساسا فما لي ومشاعر ثقيلة كالرهبة والرعب والخوف وما حاجة حياتي إليها؟!
ولكن الذي أريد قوله هنا، هو أن الروائي الحقيقي لن يبدأ بتدوين روايته إلا بعد أن يكون قد عاشها طويلا في مخيلته وعرف كيف يبدا وإلى أين ينتهي، وهذا لا يعني بأنه لن يعاني القلق وهو يخوض فيها تدوينا طبعا، بل الحقيقة هي أن ذلك القلق مشروع، خاصة حين يبدأ يعاني من العقد غير المتوقعة أثناء كتابتها، ولكن ذلك القلق لا يمكن أن يتحول إلى رهبة في كل الأحوال.
ولد في ديالى عام 1957
يسكن بغداد حاليا، متزوج وله ولدان وبنت
خريج كلية الإدارة والاقتصاد الجامعة المستنصرية.
متفرغ للكتابة وله مؤلفات هي:
1/ رواية الدومينو 2007.
2/ مجموعة كواليس القيامة 2008.
3/ رواية قال الأفعوان 2009.
4/ رواية يا حادي العيس 2010.
5/ رواية فيرجوالية 2012.
6/ رواية ثلاث عشرة ليلة وليلة 2013.
7/ رواية هسيس اليمام 2015.
8/ رواية انسانزم 2017.
9/ رواية السيد العظيم 2018.
10/ رواية صوت خافت جدا 2018.