الموقف الصريح والضريبة الفادحة
المشاهدات 1014
تاريخ الإضافة 2018/11/25 - 7:44 PM
آخر تحديث 2025/04/19 - 4:52 PM
[caption id="attachment_157737" align="alignnone" width="277"]

احمد الجنديل[/caption]
ما الذي يريد أن يقوله الكاتب المقتدر ؟ وكيف يرسم طريقه للوصول إلى ما يريد ؟ وكيف يحدد خارطة بنائه ابتداء من الاستهلال ووصولاً إلى الخاتمة ؟ أسئلة لا بد من الإجابة عليها، فالكتابة ليست عملية ميكانيكية يتقنها الكاتب بالتدريب ، وهي ليست مطعماً لتقديم الوجبات السريعة ، إنها فن قائم على تجسيد الصور والأحاسيس والعواطف ، وحركة ديناميكية مقترنة بموهبة تمتلك المهارات الفنية ، وتجربة ناضجة ، ورؤية شاملة تشكل النسيج العام والخاص لهوية الكاتب ، وكلما كانت الكتابة الفنية صعبة ، جاءت نتائجها طيبة ، كما قال الروائي الروسي الشهير ليو تولستوي ، لهذا فانّ أول صفة من صفات الكاتب المقتدر هي صفة المعاناة التي تلازمه منذ نمو النطفة الأولى في رحمه وحتى لحظة الولادة ، سواء كان الأمر يتعلق بكتابة القصة والرواية ، أو في مجال الشعر والمقال الصحفي ، فالمعاناة هنا مزيج من أفراح وأحزان ، هموم ومسرات ، تطلعات وانتكاسات ، الكل يتداخل في الكل ، والكل يدفع الكاتب إلى عالم قلق ، يحترق في داخله، يثور بين أروقته ، يتحدى معه ويبتعد عنه ، يتصالح معه حيناً، ويجافيه حيناً آخر ، ومع تعاقب مراحل الكتابة يكون القلم قد أنجز مهمته ، وتكون المعاناة قد خفت حدتها ، عندها يبدأ الكاتب بمراجعة ما كتبه ، يحذف ويضيف ، يتوقف ليتأمل، ينقح ويهذب لكي يطمئن على سلامة الوليد ، وقد يستغرق هذا وقتا طويلاً ، فالروائي الأمريكي ارنست همنغواي أعاد كتابة آخر صفحة من روايته ( وداعاً للسلاح ) تسعاً وثلاثين مرة قبل أن يدفعها إلى المطبعة ، والروائية مرجريت متشل ، لازمت حزنها ست سنوات بعد تعرضها لحادث ، وقد تمخض هذا الحزن عن ظهور روايتها ( ذهب مع الريح ) والتي تعتبر من أشهر الروايات العالمية ، وأكثرها رواجاً في العالم ، والأمثلة كثيرة لمن يتابع حياة المبدعين الكبار ، ولابد من التأكيد على أنّ الأقلام لها سقف زمني مهما وصلت من الشهرة والإبداع ، باستثناء الأقلام التي عبرَت العصور ، وتحدّت الأزمان ، فليس كل مشهور خالد ، وإنما كل خالد مشهور كما قيل سابقاً، ومن هذه الحقيقة نشب الصراع بين كتاب اليوم وكتاب الأمس حول التغيير الحاصل في المنظومة اللغوية والمنظومة الفكرية التي يتناولها كل جيل منهم ، وعلى ضوء المتغيرات الجديدة التي تفرزها حركة التطور .
لا شيء أقسى من قلم يريد أن يقول كلمته بوضوح وحوله عشرات العثرات التي تريد تدجينه لصالح هذا الطرف أو ذاك في زمن اختلطت فيه الكثير من المفاهيم المتناقضة والآراء المتشابكة ، وأصبحت الكلمة لها ضريبتها الباهظة عندما تدخل الى فضاء الكشف والصراحة والوضوح .
إلى اللقاء .