رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
الصورة السردية وعنف الفضاء في رواية (بريد بيروت)


المشاهدات 1119
تاريخ الإضافة 2018/11/20 - 5:11 PM
آخر تحديث 2024/05/04 - 6:58 AM

شرف الدين ماجدولين حين نمسك برواية حنان الشيخ ( بريد بيروت ) وننعم النظر في صور فقراتها وفصولها ، فاننا لن نستطيع كف الخيال عن الخوض في مقارنات شتى مع مقولات نظرية للراحل جمال حمدان بصدد التاريخ والثقافة وعبقرية المكان ، فالتاريخ هو فعل الانسان في الجغرافيا ، وعندما يكون فعل الانسان في بقعة جغرافية ما حاسما، ويبلغ من القوة درجة تحول مسار الانسان، يصبح هذا الفضاء حيزا ذهنيا وصورة مثالية لوعي جذري ترتبط به بصلات المصاحبة والتراسل والجدل . ولفضاء بيروت عنفان : عنف الذاكرة، وعنف الرؤية النصية ، فذاكرة بيروت معجم لمفارقات ملغزة ، فهي المدينة الموغلة في الدنيوية ، المحتضنة لمراتع المتعة الحسية، في الآن ذاته الذي تبقي ذلك الفضاء النهضوي المشتمل على مؤسسات الفكر والصحافة ودور النشر ومراكز البحث ، ثم هي من جهة مقابلة بؤرة لمختلف معاني الدمار ، والتشرذم حول الهويات القاتلة ، أما نص بيروت فلن يكون أقل الغازا وكثافة وعنفا ، وسيظل يراوح ما بين المحكيات الرومانسية الناعمة لكرم ملحم كرم ، وليلى بعلبكي ، ووفيق العلايلي ، وروايات الحلم الفردي والجماعي بالنهوض والتحرر في روايات سهيل ادريس ، وبديهي ومن هذا المنطلق ، أن يكابد نص ( بريد بيروت ) لحنان الشيخ العنفين معا ، ما دام يتطلع الى مجاوزة الضرورة التسجيلية لواقع ما ( هناك ) ، تنازعت تفاصيله بقوة روايات عربية عديدة مثل (بيروت بيروت) لصنع الله ابراهيم ، و(حب في المنفى) لبهاء طاهر مرورا بـ (حجر الضحك) و(أهل الهوى) لهدى بركات ، و(كوابيس بيروت) لغادة السمان و (رائحة الصابون) لالياس خوري .. وغيرها من النصوص التي تند عن الحصر ، وبهذا المعنى فان أي كتابة عن بيروت هي ممارسة لعنف ثالث بالضرورة ، وما نص ( بريد بيروت ) الا تحقق لهذا الانفلات العميق من شرنقات الذاكرة والنصوص على حد سواء ، وتثوير لقوالب اللغة كيما تستوعب دفقات المتخيل النسائي بحساسيته وشفوفه واتقاد الحدس بداخله . بيروت والذات الساردة صورتان لماهية خراب واحد في هذا النص ، تعانق آلامهما بعضها بعضا ، في رسائل موجهة الى آخرين يحيطون بتخوم الذاكرة ويؤثثون فراغاتها، وتبدو في اسئلتهم وصورهم الروائية تشكيلات الغياب والفقدان . ( حياة ) ( ناصر) ( جيل موريل ) (جواد) ( الجدة ) وغيرها ، شخصيات تتناسل عبر وظائفها صورة المغامرة البيروتية وفضاءات غوايتها ، لتلتبس بموضوعات الاختطاف والهروب والاغتصاب والنسيان والحصار وانتزاع الأصل وفقدان الذاكرة، وعبر تراصف الرسائل الموجهة الى هذه الشخصيات والفضاءات المحيطة بها ، يمتد حبل سري يغذي ( الصورة الذهنية المتماسكة ) في النص ( صورة الفضاء العنيف ) ويرفد تقنيات السرد بلحمة بلاغتها وتفاعلها . الحقيقة اننا لا نستطيع أن نخرج من هذه الرواية دون أم نتلمس بعض معالم الطريق الذي اختطته في مسار روائي نوعي، تتصادى فيه الصور الذهنية التي تشعلها في المخيلة مع مثيلات لها تتداعى الى الفكر في كل مرة نمسك فيها نصوصا سردية من مثل ( سيرة مدينة ) لعبد الرحمن منيف و (غرناطة) لرضوي عاشور ، و(سمرقند) لأمين معلوف ، وقبلها (القاهرة الجديدة) و ( الثلاثية ) لنجيب محفوظ ، كما انها تثوي وقعا جماليا فريدا لنبض الحياة الذي جعل منيف يردد يوما : ( ان المدن هي البشر ، هي التاريخ ، وبالتالي فانها الذاكرة الحقيقية لما كان ولما يجب أن يبقى ) .

تابعنا على
تصميم وتطوير