رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
قصيدة للشاعرة العراقية الدكتورة كوكب البدري


المشاهدات 1176
تاريخ الإضافة 2018/11/20 - 5:09 PM
آخر تحديث 2024/04/29 - 9:17 AM

بكاءُ خيمةٍ في الأربعين إلى بيتي الذي صار ذكرى عماد الدعمي أن يكون الشاعر فطنا متعلما منهكا بعلوم الشعر والأدب فذلك أرقى درجة ممن يسلك طريق الشعر من دون ما ذكرت ، ولقد خلف لنا الفراهيدي بحورا من الشعر تميزت بعدة خصال ومميزاتٍ ، فلكل بحر مميزات خاصة وبحر الوافر من أرق البحور التي تصلح للرثاء فما بالك بشاعرة ترثي بيتها وهو الوطن الصغير بألم ووجع ومن صلب الحقيقة والواقع وذلك بعد ما تجاوز العمر الأربعين عاما حتى خرج هذا النص ممزوجا بالعقل والعاطفة وصادرا من ذات شاعرة متألمة ، خُطَى وَجْدِي تُقَاسِمُنِي اشتِعَالي وتَطْحَنُ في رَحَى المَنْأى ظِلَالِي فلي ذِكرَى تمايسنِي عَذَابَاً لِبَيْتٍ في السّرَى وَهمَاً بَدَا لي أطُوفُ بِلا مَفاتيحٍ حِمَاهُ فَتَسْبِقُنِي عَنَاوينُ ارْتِحَالِي وَلِي عَيْنٌ مُجَرَّحَةٌ سَهودٌ تُبَاكِينِي ؛ وَكَفُّ مُنَايَ خَالِ وَكَمْ زانَتْ لَوَاحِظَهَا رُمُوشٌ تفَتِّشُ عَنْ عَصَافيرِ الدّلالِ للوجد خطى ممزوجة بانفعالات حادة ومتقدة بالوجع وكأن الفكر هو من يسرح لذاك الضلال في المنأى وذاك البيت الذي يعني الوطن وفي لحظة تراه وهماً في وهم ثم تطوف من دون مفاتيح حماه لتدرك أوجاع الرحيل وما خلف من أثر على النفس ثم تجسيد العين المجرحة من السهد بعد ما أيقنت أن كل ما كان تهدم وهي تفتش عن عصافير الدلال ... أحاسيس غاية التأثير وتعبير صادق ممزوج بالخيال البعيد نتج عنه صورا حسية خلابة بإيقاع حزين تجلى تأثيره على المتلقي .. إن أرقى درجات التعبير الشعري أن تسبح الأنا الشاعرة في فضاء بعيد جدا عن العتمة بحيث يمنحها هذا الفضاء نورا ساطعا يخترق القلب ليخرج منه صورا شعرية لم تكن في الحسبان لتبوح بها وكأنها ابتكار جديد لم يعرفه أحد من قبل ، تهدهدها حكاياتٌ لأمّي عن الفرسان في زمن المعالي فَلَا سَهَرٌ يُؤرِقُنِي بِلَيْلٍ ولا صَمْتٌ سَيسْكُنُنِي بِبَالي أعَارَتْنِي العَنَادِلُ صوتَ قلبي وزيَّنْتُ القصيدَ بكلِّ غالِ وأهدتني الفراشةُ لونَ حبري فأطرَبْتُ الرّبابةَ من خيالي وَمَا فَطَنَ الفُؤادُ إلِامَ يَسْعَى رُعَاةُ القَهْرِ في سُنَنِ الضّلالِ فَمِنْ بَعدِ الضُّحَى داسُوا دِيَاري على أيٍّ سَأبْكِي يا سِلَالِي على بلَدٍ تهدَّلَ سَاعِدَاهُ وغِيضَ سَنَاهُ في غَورِ الرّمالِ ؟ على صَحْبٍ وراءَ الليلِ غَابُوا وما تَرَكُوا سوَى دمعِ الرِّجالِ؟ الآن ستلحظ التصاعد والتحليق العالي والاندماج بعالم الوجع والألم من أجل البوح بما يشفي غليل الشاعرة وما يثقلها من أسىً وكأنها تعاني من حمل أثقال ويجب التخلص منها ، فبعد ما كانت الديار تزهو بفرسانها ورجالها من خلال حكايات الأم حيث لا سهر لا صمت وصوت العنادل تلك الصورة الرائعة الأنيقة التي جسدت من خلالها جماليات الطبيعة وما كان يدور حولها والفراشات باللون الحبري وصوت الربابة الذي يطرق السمع ليفتح أبواب القلوب وبعد كل هذا الجمال والخيال الثاقب الانتقال إلى مأساة ما فعلوه الغزاة بموطنها حتى تصل بها الحيرةُ على من تبكي ولكنها تقدم الوطن المكسور ساعداه وذلك السنا والنور المدفون في غور الرمال وهو وجه بلاغي رائع جسدت من خلاله صورا حسية مؤلمة ، حتى لم يبق سوى دمع الرجال وما أصعب دموع الرجال . إن ما جرى في الوطن من مأساة موجعة كانت سببا قويا في ولادة النص وهذه المشاعر التي تجسدت من الألم كانت هي المصدر الرئيسي للجمال والإبداع ، وقد كان للمكان الدور الفاعل في بنية القصيدة وولادتها فذاك البيت الذي كان في يوم ما ملاذا لها في لحظة تهدم وكأن الحياة انعدمت ، فالشعور بالانتماء للمكان هو شعور روحي وكأن منبت الروح في هذا المكان وهناك من يسكن مكانا وروحه في غير مكان وذلك أبلغ وأعلى مراتب الوطنية فكيف بها وهي تتجسد بشاعرة استطاعت أن تكثف الصور الشعرية بتركيز حاد ووقع مؤثر على من يتمعن بطيات القصيدة . يُشيرُ إلى ضياعِ طريقِ بيتٍ تَـسَرْبَلَ بالشَّظايا والقِتَالِ فَلَا وَرْدٌ على الأغصانِ باقٍ ولا شَجَرٌ يُلَوِّحُ للهلالِ سَألتُ عَنِ الطَّريق خطوطَ كفّي فَلَمْ تَقْرَأ سوى شدِّ الرِّحالِ ولكنّي كَفَفْتُ الدَّمعَ صَبْرَا وكمْ كانَ اللّظَى فوقَ احتمالي ولَمْ تَسْتَعْذِب العَبَراتِ عَيْنِي لِتَروِي في المعابرِ ما جَرَى لي فَذَا قلبي تَصَدَّعَ من عذابي وما نـسيَ الصّلاة بكلِّ حالِ وذا بيتي تَشَظَّى في غيابي غريباً لا تُوَاسِيْهُ الليَالي الآن جاء دور المقارنة فيما مضى وفي الحاضر فالحاضر ضياع طريق بيتٍ أنهكته الشظايا من جراء القتال بعد ما كان الورد زاهيا فيه، ثم اليقين بشد الرحال بعد ما آل كل شيء للانهيار محملة بالعبرات وتصدع القلب وداعية لله بالصلاة فهو الملجأ الأخير لها . القصيدة عبارة عن حكاية وطن مؤلمة تجسدت أحداثها بعين الحقيقة المؤلمة فنتج عن ذلك صورا شعرية غاية الدقة وكأنها فنانة بارعة رسمت بريشتها مناظر الألم والوحشة ، وكان للأفعال التي وردت فيها أثر كبير في تفسير الأحداث والمجريات نتج عنه عدة أوجه بلاغية كالاستعارة والتشبيه وتقديم ما حقه التأخير كقولها وكم زانت لواحظها رموشٌ، وقولها تستعذب العبراتِ عيني، وقد خلت القصيدة من الألفاظ الغريبة بل كانت سلسلة مستساغة ماعدا مفردة تسربل رغم دلالتها على المعنى والتي تدل على تلبس من اللباس فنحن نرى أن هناك بديلا لها ، وقد حافظت البدري على وحدة الموضوع مع تصاعد الأنا الشاعرة من بداية القصيدة حتى نهايتها حتى وجدنا فيها ومن بدايتها ولنهايتها عدة ضربات شعرية وهذا يدل على توهج الذات الشاعرة من البدء حتى النهاية مع خيال واسع ممزوج بالواقع.

تابعنا على
تصميم وتطوير