[caption id="attachment_189658" align="alignnone" width="300"]

راكب على الطريق[/caption]
ماجد الحجامي
بعد أن بلغ الوقت منتصف الليل وقفت قرب أحد المطاعم الكبيرة في مركز المدينة، وبعد فترة قصيرة خرج الي رجل مسن أنيق الملبس كلمني عبر نافذة السيارة قائلا : هل لي باستئجارك . فأجبته : بكل سرور سيدي تفضل . دلف إلى السيارة بهدوء بعد أن أغلق الباب برفق .ثم سألته :
-إلى أين . . - إلى منزلي .
- وأين يقع منزلك .
- اللعنة ! أين يقع منزلي!؟ ، ماذا دهاني على أية حال دعنا نذهب.
- إلى أين .
-إلى منزلي .
- لكنك لم تخبرني أين يقع منزلك .
- يا الهي كيف أنسى عنوان سكني .
- عذرا سيدي هل لديك رخصة قيادة فإن فيها عنوانك كاملا .
- تركتها في سيارتي للأسف .
- هل لديك هاتف جوال لتكلم أحد أفراد عائلتك ليدلنا على مكان منزلك .
- نفذت بطاريته ولكن دعنا نسير وفي الطريق سأتذكر حتما .
- وفي أي اتجاه نسير .
- باتجاه منزلي .
- وفي أي اتجاه يكون منزلك . -
وضع يده على جبهته وظهرت على وجهه علامات الحزن والقلق وقال بصوت ضعيف قبل خروجه : عذرا يا بني يبدو أنني أثقلت في الشراب .
جلس على أحد مقاعد الاستراحة قرب باب المطعم واضعا يده على خده وهو ينظر إلى الارض بحزن شديد ثم أخرج منديلا أبيضا وأخذ يمسح دموعه ويده ترتجف من شدة البرد . نظرت إليه متسائلا :ترى أي نوع من الحزن ينتابه ليجعله يسرف في الشراب إلى حد الثمالة؟ وأي هم في حياته دفعه أن يسافر إلى عالم النسيان هاربا من مرارته وهو يعيش في بلد يهتم بسعادة أبنائه ويوفر لهم جميع ضرورات الحياة ؟ فإذا كان مريضا عالجه وإن كان بلا مأوى أسكنه واذا كان بلا عمل وفر له راتبا يكفيه ليعيش بيسر ، ثم خاطبت نفسي قائلا : لكن ما عسى كندا أن تفعل له إن كان قد فارق عزيزاً أو خسر صديقاً أو كان له ابناً عاقاً أو غدر به قريب أو أي مأساة من مآسي الزمن . فجأة فتح الباب شاب أنيق خاطبني بأدب واحترام قائلا : عفواً هل تنتظر أحداً ، فأجبته : نعم أنتظر من يستأجرني فتبسم قائلا : إذن خذني الى (نورث كلدونن) . انطلقتُ مسرعا عبر طريق (الهندرسن هايوي) شمالا ، وما أن بلغنا منتصف الطريق نظر إلي قائلا :
-لا يجدر بك أن تسرع هكذا فلست على عجلة من أمري.
-ولكنني على عجلة من أمري علي أن أعوض ما فاتني من الوقت .
- هل تعلم أن معظم الحوادث تأتي بسبب التهور والسرعة الجنونية .
- لا تقلق فلست متهوراً وسرعتي ليست جنونية فالسرعة القصوى ستون كيلو متراً ويسمح لك أن تضيف اليها عشرة أخرى وأنا اقود بسرعة ثمانون فقط أي الفارق عشرة كيلو فقط . ثم إنني حصلت على رخصة القيادة منذ أكثر من عشرين عاما وأتمتع بخبرة عالية في القيادة .
- الذين وضعوا حدود السرعة في المدينة أكثر أدراكا من أي سائق مهما كان قديما لأنهم يتمتعون بخبرة واسعة في قوانين السلامة فهم يعرفون أسباب الحوادث وكذلك السرعة القاتلة و الجارحة .
- وهل ترى أن سرعتي هذه قاتلة .
- إذن فأنت ترضى أن تتسبب في حادث مؤلم دام شرط أن لا يموت فيه أحد .
- ليس هذا ما أقصد لكنني اقود في وعي و حذر رغم تجاوز حدود السرعة قليلا .
- تجاوز السرعة المفروضة يعد مخالفة لقوانين السير وكل مخالفة ستنتهي بصاحبها إما بحادث أو غرامة من رجال الشرطة وكلاهما لا يسرك .
- اطمئن فالطريق فارغة من السيارات أما رجال الشرطة فلا وجود لهم في هذا الوقت من الليل على الطرقات .
التفت نحوي بغضب وأخرج بطاقة ضابط شرطة من جيبه ووضعها أمام وجهي ، وضعتُ قدمي على الكابح فورا فتباطأت وأخذتُ أسير بسرعة الطريق ، قلت له مبتسما أعتذر منك واعلم أنني أمقت ما يخالف قوانين السير إلا عند الضرورة .
أجاب ضاحكا : أرجو أن لا تنظر إليّ كضابط شرطة فما أنا إلا راكب على الطريق فقط أردت لك أن تعي أن المخالف مهما شعر أنه بأمان فهو يسير بطريق الخطأ وكما فوجئت بوجودي معك كذلك يفاجئك الحادث ، ولا وجود لضرورات عند المخالفات فضرورة السلامة أولى من جميع الضرورات .
وصلنا إلى داره وقبل أن يترجل من السيارة دفع أجرة الوصول بوجه مبتسم وقال واضعا يده على كتفي : احتفظ بباقي النقود وصدقني أنت سائق بارع لكن بعد أن أدركت أن ضابط شرطة يجلس الى جوارك أخذتَ تقود بحذر وانتباه وبراعة أكثر فلو كان لكل سائق شرطي إلى جنبه لما حدث للملايين من الكوارث والمآسي على الطرق .