[caption id="attachment_189336" align="alignnone" width="284"]

الهجرة إلى البحر[/caption]
الزوراء / خاص/أحمد الجنديل
النافذة ما عادت بحجم الجرذ المولود حديثاً ، اِتّسعَ الأفقُ الأزرق فيها ، وتدلتْ شمسٌ مشرقة وهلّ هلال ، ونسيمُ عَذِبٌ يأتيني من بُعد ، والسوط الأخرس ينهشُ لحمي ، والنافذة العليا اِتسعت أكثر ، وتلويح يأتيني من هند ، ونداء من أمي يدخلُ رأسي ، والحرس الوثني يطلقُ نيرانَ الكلمات الساقطة الحلوة ، وأنا في هذا الوقت محاصر ، سوفَ أموت قريباً ، أخّـرُ صريعاً ، شهيداً ، مجرماً ، أرحلُ بالرجم أو الشنق ، أو تحت سياط الكلمات الساقطة الحلوة ، لكّني سأقاوم كي أصل البحر .
زغرودة هند ، ونداء الأم ، وتصفيق الطين الأسمر ، جعلوني أتشبثُ بالصبر ، وأقاومُ بشكل أعنف ، وأُداري الموقفَ أكثر .
عند الفجر التالي ، كان نداءُ الله قوياً ، اهتزّ الرأسُ المرفوع على رمحي ، جَلجَلت الأصواتُ، وأجراسٌ دوّتْ في الأفق الواسع ، تـُعلنُ عن أزمنة آتية للعشق وأخرى لحرق وصايا الوثن الأعظم . وبدأتُ أفيق ، ما عاد الرأسُ بلا ذاكرة يا أمّاه ؟ الذاكرة حاضرة في رأسي يا هند !!
صرختُ بصوت كالرعد : أمي ... هند ...أمي .....هند .
النافذة الآن اِتسعت أكثر من ذي قبل ، والأفقُ الأزرقُ يملكُ أجنحةً ، وهند وصَلت مسرعة ، كان جناحُ الأفق الأزرق يحملها ، وبأسرع من خَفق القلب ، حَملتني نحو البحر .
كان البحرُ كبيراً جداً ، رحيماً وعطوفاً جداً ، غَسَلَ الجرَبُ المتراكم من فعل الخوف ، والكلمات الساقطة الحلوة ، ما عادَت صالحةً للاستعمال ، أشرَقَت الدنيا في قلبي ، وضحكتُ ، ضحكتُ ، الوالي يأمرنا أن لا نضحك ، قال الوالي يوماً :
ـــــ الضحك بلا سبب ، جريمة لا تغتفر .
وبقينا نبكي ، نبكي ، واجتهدَ القومُ بتفسير الأسباب ، وبقينا لا نعرفُ لون وشكل البسمة ، لمْ نعرفْ طعم ولا صوت الضحك ، والدنيا فارغة إلا من البكاء .
سأذهبُ نحو الشمس وأزورُ القمرَ الليلي وأسامره ، سأموتُ من الضحك ، أغرقُ فيه ، أراسله وأناجيه .
وصلَ التمساحُ الأخضر ، ركبتُ ظهرَه ، وهند ركبَت ظهرَ التمساح الآخر ، اِبتسمَ التمساحان لنا يا أمّاه ، . كان الوالي يركبُ ظهري كلّ صباح، تقرّحَت عظامنا من شدّة الركوب ، وحديث الوالي يشربُ ما شاءَ من العمر وينخرُ في العظم، والبحر هنا ، لا يعرف البكاء ، يحملُ في داخله رفضاً يُرقصُ الحياة ، وفي البحر ، نصطادُ الدفءَ، الخصبَ ، والدنيا زاهية كأحلام الأطفال ، والليلة موعدنا مع الفرح القادم من أقدام البحر ، ها هي أمي قادمة من صوب الخوف إلى صوب الرفض ، والليلة عرس ، وهـند تبكي فرحاً ، وعلى أجنحة اللامرئي ، وصلت مريم يتبعها نوفل ، اِجتمع الشملُ ، والعرس القادم سيكون مع الفجر .