
الزوراء / خاص
د. علاء مشذوب
المجموعة القصصية للروائية والقاصة (لطفية الدليمي) والموسومة بـ(برتقال سمية) بواقع (6) قصص قصيرة تبدأها بالقصة (سكان الفورمالين) والتي أعدت قراءتها لأكثر من مرة ... هي عبارة عن حوار داخلي بين (امرأة ونفسها) أم بين (امرأة ورجل) هل هي نزف داخلي لامرأة تعاني من مجتمع الرجال ؟... هل هي عبارة عن تداعيات وتحديات .؟.. هل هي مزيج بين الحلم والواقع لتنتج ما وراء الواقع بسرد سريع أركض وراءه لاهثاً دون أن يصلني الى نهاية معينة .؟
سؤال أترك جوابه لمن يقرأها بعدي ربما يكتشف الفعل الذي لم أستطع اكتشافه والذي بدونه لا توجد قصة أصلاً كون أن القصة لا تكتمل بالسرد أبداً دون الأركان الباقية .
في القصة الثانية (نبرة الفراديس المقدسة) هناك وجع إنساني كبير يمثل أحد أوجه الألم العراقي ويمكن قراءة هذه القصة عدة قراءات إذا ما عرفنا إن المجموعة صدرت في 2002 أبان الحصار المفروض على العراق نتيجة اجتياح الكويت ، هذا الحصار الذي أسر الشعب دون الحكومة وساقها الى الجوع والألم والذي عصف بكل مرافق الحياة الإنسانية كغزو الجراد.
أمي هل أشتري ثوب الخطوبة من بغداد ؟
-لا تتعجلي قد يشتريه لك من هناك ...
هذا هو الجرح ... سكين أعمى بعينه . فالأم تعلم ومن خلال الرسائل أن (فرات) لن يعود بعد أبداً ... وسلوان قد تزوج هو الآخر ... والأم ترى ابنتها تحلم برجوع خطيبها من هناك ... وإن أخبرتها ربما يحصل أحد الأمرين، أما ان ذلك قد يودي بحياتها أو الى مستشفى الأمراض العقلية ، وأن صمتت عن بوح ذلك؛ وهي ترى ابنتها مذبوحة ولكن ترقص من الألم، أنه الصراع الإنساني الكبير بين الإنسان وذاته بين بلدٍ تذبح في محرابه كل الأمنيات السعيدة البسيطة من أجل لحظة أمان وكرامة إنسانية ولكن ...؟
في القصة الثالثة (كابوتشينو) والتي هي (فلاش باك) للقصة الثانية حيث تسرد القاصة الطريقة التي التقى بها (فرات) بـ(زينب البغدادية) في مقهى في المنصور ثم تطرح مجموعة من الأسئلة الفلسفية من خلال سردها للقصة فتقول على لسان فرات متسائلة : إن كان ثمة حقيقة لأي شيء ؟ وكذلك أليس كل شيء في هذا العالم يقوم على افتراضات وربما أوهام ؟ وبعد ذالك تناقش اسم (فرات عبد الحسن شاطئ) وهو الاسم المائي الرقراق وهو أول إشارة لوجوده . ثم يعيش البطل صراع داخلي من مجموعة من الأسئلة الفلسفية ورسالة (زينب) المملوءة بالألغاز ليغوص بعدها في همه الايطالي اليومي .
أما القصة الرابعة (برتقال سمية) والذي أخذته المجموعة أسماً لها . فقد كانت مليئة بالرموز والأماكن الافتراضية التي هي إدانة لكل ما أصاب العراق من هجرة أهله وقصف مدنه وبساتينه ، تقول سمية :
-في هذا الوقت ورثت عن أسرتي (بستان برتقال) تركه شقيقاي المهاجران لي، وذهبا الى (الهناكات) حيث أنتم ... والبستان كان مهجوراً فنسيته بعد سفرها عامين أو أكثر وفارقته المياه والمطر والجفاف آخر ما أتت به الأيام لنا وكاد يفنى شجر البرتقال والنخل لولا أن مهرجانات الموت هبت علينا في الشتاء نهاية عام (1998) ودامت رقصة الصواريخ والقذائف المشعة أربع ليال ؟
إذن هي حرب الخليج الثانية التي أصبح فيها العراق مختبراً لكل الصواريخ والمنجزات الغربية المتطورة من الأسلحة الصاروخية المشعة بالإضافة الى خذلان الطبيعة والجيران للعراق بما جادت عليه من جفاف وشحة المياه المفتعلة والأمطار الطبيعية . حتى أصبح العراق كأنه مدينة خربة من مدن الحرب العالمية الثانية . ثم يفوح خبر بستان سمية بأنها أثمرت وأن شجر البرتقال طرح ثمراً غير طبيعي تعادل البرتقالة الواحدة منها خمس برتقالات وتطرح عنها مجموعة أسئلة :
-بم أعلل التحول الذي أدرك البستان عقب ليالي القصف الأخيرة في شتاء 1998 ...
-هل يكمن السر في دم أخي الذي أندفق في أول حرب على تراب البستان ؟ أم في دم أبيهن الذي هجرته القذيفة في مبنى مدكوك لا أدري وهن يتراجفن تحت مسرى القذائف والرعب ونذود ببعضنا وعيوننا شاخصة الى السماء .
نعم لقد امتلأ العراق جراء القصف الأمريكي في حرب الخليج الأولى 1991 والثانية 1998 والثالثة 2003 بأمراض مختلفة بشكل مريع وانتشر بين الناس وخاصةً في المناطق التي تعرضت للصواريخ منخفضة التخصيب باليورانيوم . ثم لينتقل بعد ذاك عن طريق الثمار من الفاكهة والخضروات والمياه السائرة في جداولنا الأمينة الى كل بقعة في العراق وليصبح بعد ذاك مصاب بكارثة إنسانية كان إفرازها (الصلع وقصر القامة والعوق والتشوهات الخلقية وعدم الإنجاب (العقم) والحالات النفسية والاجتماعية وغيرها الكثير من الأمراض البدنية والنفسية...) والقاصة هنا تحسن التوظيف للرمز والمرموز من خلال تورية هو أن ذلك الأذى يعود على أهله من خلال تهريب هذا البرتقال الى قاعدة أمريكية (الجيرلك) في تركيا والتي يصيبها جراء تناول الجنود لهذا البرتقال أعراض خطيرة تطلب فرض الحجر على هذه القاعدة الأمريكية . وبالمقابل فأن المال الذي تحصل عليه سمية من بيعها للبرتقال كثير لكنها تتعسف في إهداره فتنثره أمام بناتها وتقول :
-أمضي مع بناتي الى السوق وهن يرددن أناشيد قلوبهن ... وقد ظفرن الجدائل السود بشرائط مسرات غيبها موت الأب في طفولتهن عندما غادرهن في ليلة قصف قبل ثمان سنوات .