إدارة الصراعات وفض المنازعات
أراء
أضيف بواسطة zawraa
الكاتب
المشاهدات 1007
تاريخ الإضافة 2018/10/20 - 3:53 PM
آخر تحديث 2025/04/18 - 6:28 PM
[caption id="attachment_149113" align="alignnone" width="287"]

عبد الحسين شعبان[/caption]
وباختصار أقول إن الكتاب يتألف من مقدمة كتبها بيتر فالنستين، وهو بروفسور كرسي في داغ همرشولد، قسم دراسات الصراع والسلام - جامعة أوبسالا - السويد، ومقدمة للكاتب، إضافة إلى 4 فصول وخاتمة وثبت بأسماء المصادر والمراجع وقائمة ببعض الأشكال والجداول التي عرضها الكاتب لتوضيح بعض فصوله.
وتتناول الفصول الأربعة: الخلفية لإدارة الصراعات وحلّ النزاعات داخل الدولة الواحدة بالوسائل السلمية واللّاعنفية، إضافة إلى امتداداتها على المستوى الدولي وهي نزاعات تعالج آثارها اتفاقيات جنيف الأربعة الصادرة في 12 أغسطس (آب) 1949 وملحقيها بروتوكولي جنيف لعام 1977، الصادران عن المؤتمر الدبلوماسي 1974-1977، البروتوكول الأول الخاص بحماية ضحايا المنازعات الدولية المسلحة ، والبروتوكول الثاني الخاص بحماية ضحايا المنازعات المسلحة غير الدولية.
ويبحث الكاتب في الفصل الأول- نشأة وتطوّر علم دراسات الصراع والسلام من خلال رؤية خاصة باعتباره حقلاً علمياً مستقلاً أصبح له مناهجه ومفاهيمه وتطبيقاته، ويسلط الضوء على تاريخ هذا العلم والأفكار والأسس التي تقوم عليها فكرة إدارة الصراعات وحل النزاعات وصولاً لتحقيق السلام، بما فيها أساليب الوقاية لمنع اندلاع الصراعات أو للحيلولة دونه أو الحد من تأثيراته في حال اندلاعه، بتوفير سبل حمايته.
ويستعرض الكاتب ذلك منذ الحرب العالمية الثانية ويتناول أهم روّاده، ثم يتناول المرحلة التأسيسية وهي مرحلة الخمسينات والستينات، أما المرحلة الثالثة فهي مرحلة السبعينات والثمانينات، ويطلق عليها مرحلة النمو والتوسع، خصوصاً من خلال ما هو منشور ومكتوب، ويتوقّف عند المرحلة الرابعة أي منذ انتهاء عهد الحرب الباردة ويسميها مرحلة الانتشار والرسوخ، خصوصاً بتأسيس مؤسسات بحثية وعلمية متنوّعة.
ويبحث في الفصل الثاني: الصراع وضرورته في المجتمع الإنساني في إطارات المنهجية وأبعاده العنفية طبقاً للمفاهيم اللّاعنفية بما فيها مفاهيم الأزمات الدولية وسماتها واتجاهاتها، كما يتوقّف عند مراحل تطور الصراع، مثلما يتناول بعض المصطلحات الخاصة بالحروب والصراعات مثل : الصراع الدولي والكفاح المسلح والصراع العنيف أو المميت والحرب الأهلية وانفلات العنف، وكل ذلك في مباحث مستقلة.
وأهم ما في هذا الفصل هو تركيزه على «المنع الوقائي» للصراعات، فحسب معهد كارنيجي للسلام هو « عملية تهدف إلى منع ظهور الصراعات العنيفة أو منع الصراعات الجارية من امتدادها وانتشارها أو منع إعادة ظهور العنف في هذه الصراعات (ص 80) ويستند في تعريفه إلى ما يذهب إليه بيتر فالنستين إلى أن المنع الوقائي هو أفعال بناءة لتجنب تهديد أو لتجنب استخدام أو نشر القوة المسلحة من قبل أطراف متنازعين في خلاف سياسي.
ويقتبس من الأكاديمي العربي عمرو عبدالله القول «إن المنع الوقائي هو عملية ترتبط بتوفير بيئة معرفية ومهارات للتعامل الإيجابي مع الصراعات» (ص 81) وبالطبع فهذا ينطبق على الحروب والصراعات الداخلية والدولية، كما يتوقف عند منهج اللّاعنف ويستعرض بشكل مختصر مفهوم المهاتما غاندي .
أما الفصل الثالث فإنه متخصص في أسباب وأنماط الصراعات الأهلية والدولية التي تمهد للفصل الرابع الخاص بالتسوية والمنع الوقائي فيذكر الإنذار المبكر ومؤشرات السلام ومنع الصراعات.
- 4-
وتندرج مثل هذه الموضوعات في الدراسات السياسية والدولية، سواء في إطار العلوم السياسية والعلاقات الدولية أو القانون الدولي، وحرص المؤلف على أن يقدّم مادة رصينة وبأسلوب أكاديمي وبتفسيرات وشروحات وأسئلة، أراها رفداً لفروع عديدة نحتاج إليها في جامعاتنا العربية، خصوصاً في ظلّ ندرة الأدبيات النظرية المتعلّقة بالموضوع، وعليه قدّم خزندار فرضيات مهمة يسعى للوصول إليها، مثلما هي استخلاصات اجتهادية ، خصوصاً تحديد الوسائل المنهجية للتسوية السلمية والحيلولة وقائياً دون وقوع النزاع، ولاسيّما بنشر الثقافة الوقائية وهي مسألة مهمة في ظروف مجتمعاتنا التي تشهد صراعات طائفية وإثنية، داخلية وإقليمية، بما فيها امتداداتها الدولية المتشعبة والمتعددة. وأعتقد أن افتتاح فرع علمي بهذا التخصص يحتاج إلى تأهيل وتدريب أساتذة وأكاديميين وباحثين، وألفت النظر بهذه المناسبة إلى ضرورة اهتمام مراكز الأبحاث والدراسات بهذا الفرع المهم لما له انعكاسات كبيرة على البيئة العربية التي تعتبر بيئة حاضنة للنزاعات بل مولّدة لها ومنتجة ومصدّرة في الوقت نفسه بحكم التعصّب والتطرّف والعنف والإرهاب، والتعصّب إذا ما تحوّل من تفكير إلى سلوك سيكون تطرّفاً وهذا الأخير إذا تحوّل إلى فعل فسيكون عنفاً، والعنف يعني اختيار الضحية بعينها لأسباب سياسية أو دينية أو طائفية أو إثنية أو غيرها، لأن المرتكب يعرف الضحية في حين أن الإرهاب الدولي يضرب عشوائياً، بهدف خلق نوع من الرعب والفزع لدى السكان وعموم الناس لإضعاف هيبة الدولة وزعزعة الثقة بها، كما أن الإرهابي لا يعرف الضحايا، لأنه يمارس الإرهاب في المحال العامة: مدارس، أسواق، مراكز تجمّع، وجوامع ومساجد وكنائس وغيرها.
ويتوصّل الكاتب إلى عدد من الاستنتاجات المهمة التي تتعلّق بهذا الموضوع الجديد، ومنها أن الاهتمام الأساسي الذي لحظه بهذا الفرع هو في الغرب والدراسات الغربية عموماً، في حين لاحظ ضعف اهتمام الثقافات والحضارات الأخرى به وهو ما نتفق معه تماماً ، وكان بودي التركيز في مبحث خاص أو فصل مستقل لدور الثقافات الأخرى القديمة منها والحديثة، خصوصاً في المساهمة التي قدّمها المهاتما غاندي في نشر الثقافة المدنية اللّاعنفية ، فهو بحق يعتبر رائداً من رواد المقاومة السلمية، حيث استطاع إجبار بريطانيا أكبر امبراطورية قائمة آنذاك للانصياع لمطالب الهنود بالاستقلال، حتى وإن ذهب هو ضحية العنف لاحقاً على يد أحد الهندوس المتطرفين، ويحتفل العالم باليوم العالمي للّاعنف كل عام في 2 اكتوبر/تشرين الأول، وهو يوم عيد ميلاد غاندي باعتباره رسول اللّاعنف، وذلك منذ العام 2007 وبقرار اليونسكو رقم 271/61 والمؤرخ في 15/6/2007.
كما كنت أتمنى أن يضع الكاتب مبحثاً خاصاً لأطروحة نيلسون مانديلا حول المقاومة المدنية والعدالة الانتقالية واجتراحه لحلول غير مطروقة أو غير نمطية لحل الخلافات الداخلية، وما تركته من تأثيرات كبيرة على المستوى العالمي وتأثيراتها لاحقاً، على العديد من التجارب العالمية، خصوصاً وأن نظام الأبرتايد دام أكثر من 200 عام وتفكّك بفعل توجّه إنساني لإقرار التعدّدية وإجراء انتخابات لجميع الأعراق والأقوام والانحدارات، والتأسيس لنظام حكم ديمقراطي دون ثأر أو انتقام ، وذلك إحدى الحلول الوقائية من اندلاع العنف، وقد سار على هذا الطريق العديد من دول أمريكا اللاتينية وأوروبا الشرقية بعد انهيار النظام الشمولي والعديد من دول العالم.
وقد كان مناسباً لو عرض بعض الأفكار والإرهاصات الأولى المناوئة للعنف والتي شكلت مرجعية للمقاومة اللّاعنفية مثل أفكار الروائي الروسي تولستوي حول اللّاعنف. وإن كان قد جاء على بعض الفقرات التي تتعلّق بالحروب والنزاعات في الإسلام، لكنّه كان يمكن وضعها في فصل خاص ومعالجة معمّقة، لأن ما يقدّمه في هذا المجال من تطور يعتبر موضوعاً كونياً وهو لا يخص الحضارة الغربية وحدها، وذلك بالاستناد إلى الأسس الأولية التي جاء بها ميثاق الأمم المتحدة، لكن ذلك لا ينتقص من البحث إطلاقاً ويمكن استكماله في طبعة جديدة، خصوصاً ليكون أكثر قرباً للقارئ والمختص العربي.
ويطرح خزندار رأياً وجيهاً لبيتر فالنستين مفاده كيف يمكن لصاحب القرار والمنظمات الدولية غير الحكومية الاستفادة من نتائج دراسات إدارة الصراع وحلّ المنازعات، وأعتقد وبالتساوق مع ذلك، يمكن اقتراح إنشاء قسم خاص في جامعة الدول العربية وكذلك في منظمة التعاون الإسلامي، وكلاهما منظمتان دوليتان إقليميتان مهمتان، يتعلّق بإدارة الصراع ووسائل حل المنازعات، إضافة إلى فروع خاصة في الجامعات العربية والاستفادة من الثورة العلمية والتقنية وثورة المعلومات والاتصالات والمواصلات لتجسير الفجوة في هذا المجال والبحث عن المشتركات التي تربطنا بعضنا ببعض وبالعالم أيضاً، مع الأخذ بنظر الاعتبار المصالح المشتركة والمنافع المتبادلة على أساس قواعد القانون الدولي والقانون الإنساني الدول والشرعة الدولية لحقوق الإنسان وقيم الحرية والمساواة والعدل والسلام والتسامح.
الكتاب مادة نظرية غنيّة تصلح مدخلاً مهماً لمعرفة قضايا إدارة الصراعات وفضّ المنازعات، ويمكن استكماله بتجارب عملية لدول المنطقة أو الإقليم، ولاسيّما للعالم العربي. وهو كتاب يستحق القراءة، ويمكن للباحث المتخصص أن يفيد منه كثيراً مثلما يمكن للقارئ بشكل عام أن يغتني به لما يحتويه من معلومات غزيرة وجديدة في قسمها الأكبر.