رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
التعليم في خَطَر... والعرب عليهم العِوَضُ


المشاهدات 1039
تاريخ الإضافة 2018/09/24 - 5:36 PM
آخر تحديث 2024/12/19 - 8:27 PM

[caption id="attachment_183596" align="alignnone" width="220"]د إميل شكرالله د إميل شكرالله[/caption] إن العالم المتحضر يفهم جيدا ان قوة أية دولة تكمن في التعليم الجيد الذي تنبثق منه الاختراعات الحديثة في مجالات الدواء والغذاء والسلاح واستكشاف الفضاء، وتكنولوجيا المعلومات. ولهذا أصبحت أمريكا الدولة العظمى على كوكب الأرض في كافة المجالات. هل قرأ الحكام العرب التقرير الأمريكي الشهير في العام 1983 «أمة في خَطَر» حيث انتفضت الأمة الأمريكية لدراسة هذا الخَطَر الذي يهدد بقاء أمريكا واستمرار ريادتها للعالم فاكتشفوا أن السبب كما فهمت من التقرير هو تدهور ملحوظ في مستويات التعليم الإبداعية والخلاقة لدى الطلاب في مراحله المختلفة. حيث جاء في سياق التقرير «لو كان التعليم بحالته الحالية مفروضاً على الأمريكيين من قوى خارجية لكان الأمريكيون يعتبرونه عملا عدائيا أو حربا خفية ضدهم، ولكن الخطير أن ما حدث أن الأمريكيين هم من فعلوا ذلك بأنفسهم». وهل قرأ العرب مشروع استراتيجية التعليم بعنوان «أمريكا عام 2000»؟ حيث كانت أولى الأهداف أن يحتل الطالب الأمريكي المرتبة الأولى عالمياً بين دول العالم في مواد العلوم والرياضيات. تلك الإستراتيجية التي كانت السبب في إصدار المجلس القومي لمعلمي الرياضيات في العام 2000 وثيقة «مبادئ ومعايير لرياضيات المدرسية» بعدما طالب الرئيس الأمريكي جورج بوش برفع عدد ساعات تدريس الرياضيات في كل مراحل التعليم. للأسف في الواقع العربي الموضوع والأمر معكوس. ففي الوقت الذي بدا العالم يهتم بقوة بالعلوم والرياضيات وبدأ يستخدم مفهوم وحدة المعرفة وتكاملها نجد أنه في إحدى الجامعات العربية الخاصة الخاضعة للإشراف الأجنبي المباشر قامت القيادات الجامعية بحل قسم العلوم الأساسية وهو القسم الأهم في كليات الهندسة لأنه المسؤول عن تأهيل الطلاب في مواد الرياضيات والفيزياء والميكانيكا وهي مواد مرتبطة علميا ارتباطا علميا لا يمكن فصله مطلقا... لقد قاموا بتحويله إلى ما يسمى مجموعات (units) برئاسة وكيل الكلية لشؤون التعليم والطلاب بحجة موافقة الجانب الأجنبي فضاع القسم وتبخر مفهوم القسم العلمي ككيان علمي، بحثي، وتعليمي. يذكرني هذا التصرف بتقسيم يوغسلافيا سابقا والرغبة العارمة لدى بعض الدول الاستعمارية لتفتيت الدول العربية إلى دويلات صغيرة متناحرة فيما بينها.. فكيف تعقد مجالس للقسم وهو ليس قسم؟ ومن ذا الذي يطور المناهج والمقررات في تنسيق كامل بين كل تخصصات القسم؟ هل هذه المسؤوليات من مهام وكيل الكلية لشؤون التعليم؟ أو ليست لديه مهام أخرى حددها القانون؟؟؟ وكيف توافق هيئات الجودة والاعتماد على هذه الأوضاع التي لا تستقيم مع القوانين الجامعية؟ وكيف توافق لجان القطاع الهندسي على هذا؟ إن العلوم الأساسية وحدة واحدة وليست عدة مجموعات ويجب أن تتوحد في قسم واحد كما هو معمول به في كل دول العالم المتحضر. فقسم العلوم الأساسية هو المنوط به تقديم خطة بحثية جمعية تقدم الحلول الرياضية والفيزيائية للمشاكل العلمية التي تواجه الأقسام العلمية ذات التخصص الواحد. فهل هناك أيدي آثمة تخرب في التعليم؟ وهل هذه الأيادي من الداخل أم من الخارج كما تسائل الأمريكيون عندما تدارسوا تقرير «أمة في خطر»؟ والسؤال الفخ هل وضعت لجان الجودة معايير لا تقبل الجدل بشأن أهمية المجال البحثي والتخصص العلمي للمحاضر؟ فلا يجوز مثلاً للحاصلين على الدكتوراة في غير علوم الرياضيات أن يقوموا بتدريس مواد الرياضيات؟؟ هل منعت لجان الجودة هذه التصرفات والتي انتشرت بشكل هزلي في بعض الجامعات؟ أم أن المهم عند لجان الجودة هو ترتيب أوراق وملفات مكتوبة بصيغة محددة مما يتسبب في ضياع وقت وجهد أعضاء هيئة التدريس والهيئة المعاونة في أعمال إدارية من الممكن أن يؤديها بعض الإداريين تحت إشراف المدير العام للكلية ويتفرغ أعضاء هيئة التدريس للتعليم والبحث العلمي. إن الدول العربية مطالبة بالاعتراف بأنها في خطر حقيقي ليس فقط بسبب جماعات الإسلام السياسي التي تهدد السلم الاجتماعي والاستقرار الأمني للدول، ولكن من خطر تدهور مستويات التعليم والمعلمين وأعضاء هيئات التدريس والقيادات التعليمية غير المؤهلة وهيئات الجودة التي تستنزف الطاقات الضعيفة أصلا لدى كل هذه الفئات في توثيق مستندات بعيداً عن جوهر آليات تحديث التعليم وتطوير طرق التدريس والمهارات العلمية والتعليمية والبحثية للأساتذة والطلاب على حد سواء ما يضر بالتعليم أكثر مما ينفعه. على الحكومات العربية أن تراجع خطط الارتقاء بالتعليم وعليها أن تراجع المسؤولين والوزارات ذات الصلة عن تقصيرهم في الإشراف الأمين على أداء الجامعات، وعلى الحكومات أيضاً الاستعانة بالدول التي تثق فيها منعا للتشكك في إمكانية تدخل خطط شريرة لتدمير التعليم لكي يستمر العرب في تخلفهم وإخافقهم عن اللحاق بقطار الحضارة الإنسانية المعاصرة.

تابعنا على
تصميم وتطوير