رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
متلازمة الاحتياطيات الأجنبية وتمويل التجارة الخارجية في العراق


المشاهدات 1102
تاريخ الإضافة 2018/09/17 - 6:04 PM
آخر تحديث 2025/03/11 - 7:33 AM

1- مقدمة في اشكالية النظام النقدي تبتدأ آلية تراكم العملة الاجنبية لدى البنك المركزي العراقي (والتي تمثل احتياطيات البلاد الاساسية الدولية ) من خلال قيام وزارة المالية بمقايضة ما لديها من ايرادات بالنقد الأجنبي والذي تحقق بالاساس من صادرات البلاد النفطية لقاء حصولها على ماترغبه من الدينار العراقي الصادر من بنك الإصدار (البنك المركزي العراقي ) ليدخل الدينار الى التداول ولكن عبر ابواب الصرف في الموازنة العامة للدولة . ولما كانت مهمة البنك المركزي العراقي هي الحفاظ على استقرار قيمة الدينار العراقي (الذي جرى اصداره والتصرف به بصورة رئيسة عبر نفقات الموازنة العامة المذكورة وحسب الآلية المشار اليها في اعلاه )فان مثل هذا الامر قد حدد توجهات السياسة النقدية للبنك المركزي العراقي وقيدها في كيفية استخدام النقد الاجنبي المتاح والتصرف به من رصيد الاحتياطي الاجنبي نفسه، ذلك لمواجهة الانفاق الكلي او طلب السوقً المحلي الفعال على السلع والخدمات والمنافع الأجنبية . لذا فقد وضعت السياسة النقدية في العراق سلم اولوياتها الذي يتلخص في خفض معدلات التضخم والسيطرة على المستوى العام للاسعار بما يساعد على تحقيق الاستقرار بكونه حاضنة الاستخدام والنمو الاقتصادي، ذلك على وفق قانون البنك المركزي العراقي رقم 56 لسنة 2004. ففي نظام اقتصادي ريعي يؤلف الانتاج النفطي فيه حوالي 55% في الغالب من مكونات الناتج المحلي الاجمالي فإن النقد الاساس base money في الميزانية العمومية للبنك المركزي صار متأثراً في تركيبه ومكوناته بحركة الحساب الجاري لميزان المدفوعات وحركة الموازنة العامة في ايراداتها ونفقاتها.وإزاء معظلة القوى الهيكلية المولدة للتوقعات التضخمية، التي ارتبطت تكاليفها على الاقتصاد بحركة النشاط الريعي وقدرة التدفقات الداخلة من النقد الاجنبي وعلى النحو الذي يعكسه الحساب الجاري لميزان المدفوعات، وهكذا جرى تصميم النظام النقدي في العراق، خلال العقد الاخير، على انقاض مدرستين مختلفتين في الاتجاه ومتكاملتين في تحقيق هدف الاستقرار واحتواء التوقعات التضخمية. فمثلما شكلت العملة الاجنبية النسبة العظمى من موارد الموازنة العامة وبنسبة 90% فأكثر وهي عوائد الموارد الطبيعية من النفط المصدر، نجد ان الميزانية العمومية للبنك المركزي في جانب موجوداتها أخذت تتبدل في تركيبها لمصلحة الموجودات الاجنبية وتحل محل الموجودات المحلية تدريجياً.وبهذا غدت الموجودات الاجنبية المكون الرئيس للنقد الاساس. فمبادلة المالية العامة لموجودات الموازنة العامة من النقد الاجنبي الذي يشكل عوائد النفط بالدينار العراقي (العملة المصدرة) شكلت ما يسمى بالخلق العمودي للنقود vertical creation وهو مبدأ في السياسة النقدية يرى بأن تحقيق الاستقرار النقدي وخفض التوقعات التضخمية يقتضي العودة الى المبادئ التي جاءت بها (مدرسة العملة currency school) التي حاولت منذ منتصف القرن التاسع عشر، ان تبرهن بأن الاصدار الكثيف للعملة يعد المسبب الرئيس لتضخم الاسعار. وبغية تقيد الاصدار النقدي، فينبغي الحفاظ على ما يعادله من ذهب (التغطية بالعملة الاجنبية للنقد الاساس حالياً) وقد استند الامر الى ما يسمى بقانون القواعد المصرفية البريطانية Bank Charter Act الصادر في العام 1844م. اللافت ان الموازنة العامة هي مصدر التدفقات الداخلة للعملة الاجنبية والمولدة للاحتياطيات الرسمية منها، في حين ان السوق من الطرف الاخر تمثل التدفقات الخارجة من العملة الاجنبية. وازاء هذا الانفصال في شكل التدفقات الاجنبية بين السوق والدولة، بعد ان انتقل النقد المصدر كمطلوبات على الميزانية العمومية للبنك المركزي من الموازنة العامة الى الميزانية العمومية لقوى السوق ، فقد خضعت السياسة النقدية في التعامل عبر الميزانية العمومية للبنك المركزي باتجاهين مختلفين يمثلان مدرسة العملة ازاء اقتصاد الدولة الموفر للعملة الاجنبية والمتدفقة الى الداخل عند خلق النقود وتوليدها عمودياً ومواجهة فائض طلب السوق على السلع والخدمات عن طريق امتصاص مناسيب السيولة الفائضة بالدينار العراقي والتدخل ببيع العملة الاجنبية من خلال عمليات السوق المفتوحة او عمليات التعقيم. وهنا يكون النظام النقدي في تعامله مع تيارات السوق اقرب الى (مدرسة الصيرفة Banking School ) ولو بصورة جزئية جداً.وتعد مدرسة الصيرفة مدرسة مناؤة لمدرسة العملة وتعاكسها تماماً في مفهوم الاحتياطيات والتغطية بالعملة الاجنبية. حيث تؤمن مدرسة الصيرفة بأن الاصدار النقدي هو ظاهرة افقية، اي الخلق الافقي للنقود horizon creation وان العملة المصدرة التي تخلقها المصارف تأتي من منطلق ان البنك المركزي هو الملجأ الاخير للاقراضLLR .لذا من السهولة بمكان استبدال العملة المصدرة بالذهب وقت ذاك او بالعملة الاجنبية في الوقت الحاضر، ذلك عندما يرغب المودعين في اطفاء ودائعهم بالذهب او النقد الاجنبي، ما يعني ان التغطية هي حاصلة اساساً عند طلب التحويل الى الذهب النقدي او غيره. وترى مدرسة الصيرفة، بأن العملة المصدرة الى التداول هي تحت سيطرة السلطة النقدية من خلال توافر القدرة على التحويل الخارجي والحفاظ على الاستقرار النقدي بما لا يزيد على احتياجات قطاع الاعمال والتجارة.لذلك تعارض هذه المدرسة الاحتفاظ بالذهب او العملات الاجنبية بما يحقق التغطية الكاملة للنقد الاساس خارج حاجة التحويل الخارجي . لذا، فأن تركيبة الاقتصاد العراقي المعتمد على عوائد تصدير الموارد الطبيعية في تحقيق التدفقات الداخلة وسلوك السوق في توليد التدفقات الخارجة عبر السوق المصرفية، جعل السياسة النقدية تمسك بصورة مزدوجة بالمدرستين في تعاملها مع اقتصاد الدولة واقتصاد السوق. وان تلك الازدواجية قد أثرت في حركة واتجاه الميزانية العمومية للبنك المركزي نفسه بكونها مرتكز الاهداف التشغيلية في عمليات السياسة النقدية. وعلى الرغم من ذلك، فإن الميل صوب مدرسة العملة في الخلق العمودي للنقود والتغطية الكاملة للنقد الاساس full coverage بالعملة الاجنبية من جانب المطلوبات النقدية، ظلت حالة مستمرة في تشكيل النظام النقدي، طالما لم يغادر الاقتصاد الوطني اشكاليات النظام الاقتصادي الريعي حتى اللحظة. ٢-آلية تمويل التجارة والموازنه العامة: أ‌- مرحلة ما قبل استقلالية البنك المركزي لما كان البنك المركزي العراقي يمثل بنك الدولة والمؤتمن على اموالها وهو جزء لا يتجزأ من الخضوع الى السياسة المالية بسبب قوة الترابط بين الموازنة العامة والميزانية العمومية للبنك المركزي بحكم التبعية وهيمنة السلطة المالية على القرار النقدي ، فإن حساباً واحداً للعملة الاجنبية يتمثل باحتياطيات البلاد كافة من النقد الاجنبي صار مسألةً حتميةً ، وان الايرادات من تلك العملة ، التي تدخل الموازنة العامة تمثل عوائد النفط في الغالب ، يسجل ما يعادلها دينار عراقي مُصّدَر في الميزانية العمومية للبنك المركزي سواء بشكل حسابي في سجلات البنك ام فعلي في التداول ليتولد النقد الاساس base money وان النقد الاجنبي في هذه الحالة يدخل في بنود داخل الميزانية العمومية للبنك المركزي On Balance Sheet. لذا فإن الكيفية التي يجري فيها تمويل التجارة الخارجية (ولا سيما تمويل الاستيرادات ) للحكومة والقطاع الخاص في الحقب السابقة وفق برنامج تجاري سنوي معد مسبقاً تسمى بـ (خطة التجارة الخارجية) وكان يقصد به في الغالب تمويل تجارة الاستيرادات الحكومية والاهلية وفق الآلية الاتية : اولا – تتولى الحكومة السحب من ذلك الاحتياطي لإغراض تمويل التجارة الحكومية وتجري التسوية عبر تعديل قيود الموازنة العامة وما يقابلها من قيود عبر الميزانية العمومية للبنك المركزي . ثانيا - استناداً الى برنامج او خطة الاستيراد يمنح القطاع الخاص اجازات استيراد وفق تقديرات لجان الحاجة او مسح الطلب على السلع المستوردة النهائية او مستلزمات انتاج وغيرها من اللوازم الراسمالية. ثالثا – تقوم الاطراف التجارية الخاصة بفتح اعتماد مستندي عن طريق المصارف التجارية المحلية وبشكل خاص مصرف الرافدين ، بعد ان يبتاع التاجر العملة الاجنبية سواء بمدخراته التي تمثل راسماله او عن طريق الاقتراض وهو الائتمان التجاري الذي يمنحه المصرف الى زبونه التاجر . رابعا – في كلتا الحالتين ثانياً وثالثاً في اعلاه يبادل البنك المركزي العملة الاجنبية لقاء الدينار العراقي المتحصل من المصرف التجاري . وفي هذه الحالة كأنما الحكومة قامت مباشرة ببيع العملة الاجنبية الى التاجر المستورد عبر المصرف الوسيط الفاتح للإعتماد لتغطية الاستيرادات . خامسا – في ظل الرقابة المتشددة على الصرف والتحويل الخارجي التي جاء بها قانون البنك المركزي رقم 64 لسنة 1976 (الملغى) فان البنك المركزي بات مقيداً في بيع العملة الاجنبية خارج نطاق برنامج تمويل التجارة والسفر السياحي العادي الا بموافقة مشروطة مثل نفقات الدراسة (النفقة الخاصة) والاستشفاء والتطبب خارج العراق ومستحقات شركات الطيران وبعض الشركات العاملة في العراق المولدة للربح وتحويلات العاملين الاجانب . مع العرض ان الفترات التي اشتدت فيها الحروب ولا سيما في عقد الثمانينيات تطلبت اللجوء الى الاقتراض الخارجي واشاعة ما يسمى بالدفع الآجل بسبب تدني الاحتياطيات الاجنبية التي استهلكتها الحرب وقد غطت تلك الاتفاقيات جانب بسيط من احتياجات القطاع الخاص الاستيرادي ، قبل ان يؤذن بممارسة سياسة الاستيراد بدون تحويل خارجي والتي قادت الى فوضى في مصادر التمويل وتوليد سوق صرف سوداء واسعة ممولة لتلك العمليات الاستيرادية وبكلف تضخمية مشوهة لهيكل الاسعار.

تابعنا على
تصميم وتطوير