الحركة الشعبية جنوب السودان بين صناعة الوهم و تدمير الذات !
أراء
أضيف بواسطة zawraa
الكاتب
المشاهدات 1175
تاريخ الإضافة 2018/08/01 - 7:44 PM
آخر تحديث 2025/06/24 - 10:20 PM
[caption id="attachment_174915" align="aligncenter" width="259"]

عبدالغفار سعيد[/caption]
في ذكرى القائد العظيم ، الزعيم السوداني الملهم جون قرن دي مابيور، والذي لا أعلم حتى الان الجهة المسؤولة عن قتله؟
بين الذى حلم به القائد الوطني جون قرن دي مابيور ، فكر فيه ولاجله ، سعى لتحقيقه فى السودان من خلال مسيرة نضاله العامرة بالوطنية ، البطولات و العبر ، الذي وهب روحه من اجله ، وبين الوضع الذي الت له البلاد بعد حادثة وفاته المفجعة يمكننى قول الاتي:
1 - التغيير لا ينجزه القائد وحده (في غياب وعي القاعدة ) ، مهما بلغ من الذكاء ، الوطنية ، التضحية ، المحبة والاخلاص.
فبدون وعي القاعدة الواضح بالقضية وابعادها الوطنية ، الاقليمية و الدولية، بدون تصور اولي عن حقيقة الصراع الاجتماعي وادواته ، لا يمكن بناء دولة بالمعنى الحقيقي .
ذلك ان النضال المسلح وحده لا يكفي لانجاز التغيير ، فبدون التدريب الصبور الدءوب على فكرة بناء الوطن الذي يسع الجميع من خلال فنون العمل السلمي المدني يمكن للثوار حملة السلاح تدمير بلادهم وذاتهم بعد هزيمة العدو او الوصول معه لصيغة سلام .
2 - مقولة ان الثورات تأكل أبناءها مقولة صحيحة وفق شروط تاريخية محددة اهمها غياب الوعي الجمعي بالحقوق و الواجبات ، عدم انخراط الجماهير فى النضال السلمي تحت قيادة طلائعها ، ذلك انه من اجل تغيير الاوضاع فى البلاد نحتاج اولا لبناء الانسان الواعي بحقوقه و واجباته الذى سيعمل من خلال وعيه لانجاز التغيير على الارض .
فبدون العمل السلمي المنظم الصبور، وبناء الانسان الذي يؤمن بالمواطنة، التعدد الثقافى و التبادل السلمي للسلطة، لن يتم انجاز التغيير وبناء النظام العلماني الديمقراطي التعددي المستدام .
3 – اختلفت الحركة الشعبية لتحرير السودان عن الكثير من الحركات الثورية ( حركات التحرر الوطني ) التي حملت السلاح ( انظر لتاريخ و مسيرة المؤتمر الافريقي فى جنوب افريقيا مثلا) ، بتمسكها الشديد الملفت للنظر بالتراتيبية العسكرية ، مما نبه منذ وقت مبكر لافتقارها للوعي بضرورة الاعداد و التجهيز لفترة ما بعد الصراع المسلح. الامر الذي ادى بالضرورة لضيق دائرة صنع القرار داخل الحركة.
وعلى الرغم من الافكار المميزة التى تبناها القائد جون قرن و الحركة الشعبية كتنظيم ، إلا انه من الواضح ان معظم قيادات و قواعد الحركة الشعبية فى جنوب السودان انتموا لها دون ان يكون الدافع القيم و المبادئ و الشعارات التي نادى بها قرن ، اي دون ان يكتسبوا الوعي بالطرح القومي للحركة بالتالي فلقد احتفظوا بوعيهم القبلي.
الامر الذي ادى فى المحصلة لتراكم التناقضات و الازمات البنيوية فى جسد الحركة ، تمهيدا لانفجار القتال القبلي الدموي بين قبائل جنوب السودان بعد انهيار اتفاق السلام الذي وقع عليه الطرفان فى اغسطس 2015 في العاصمة الأثيوبية، أديس أبابا ، في محرقة تصاعدت لم يشهد التاريخ مثيلا لها إلا فى تجارب نادرة ، كما جاء فى تقارير الامم المتحدة ( تطهير عِرقيٌّ وقُرًى تم حرَّقها ومجاعات واغتصابات جماعية) .
بدأت الأزمة في يوليو 2013، عندما أعفى الرئيس سلفا كير نائبه رياك مشار وجميع أعضاء حكومة جنوب السودان، في أكبر تغييرٍ وزاري تشهده الجمهورية منذ استقلالها في يوليو 2011. كما أحال باقان أموم، وهو الأمين العامّ للحركة الشعبية لتحرير السودان التي تعدّ الحزب الحاكم في جنوب السودان، إلى التحقيق، وذلك عقب تصريحات علنية لأموم انتقد فيها أداء الحكومة. وجاءت تلك القرارات نتيجة صراعٍ خفيٍّ ظلّ يتصاعد بين قادة الحركة الشعبية لتحرير السودان، منذ مقتل الزعيم التاريخي للحركة، جون قرن، في حادث تحطّم مروحية غامض لم يعلن حتى الان عن التفاصيل الحقيقية حول مقتله، في يوليو 2005.
4 - اهدرت الحركة الشعبية فرصة تاريخية عظيمة عام 2005 ، بعد اتفاق السلام وذلك على محورين ، الاول عند عودة قياداتها للخرطوم بعد اتفاق نيفاشا حيث استقبتلهم الجماهير السودانية في الخرطوم ، وفي كل ولايات الشمال الجغرافي بترحيب كبير وبثقة عريضة يحدوها الامل بان الحركة تملك الحلول لمشاكل البلاد التاريخية والآنية، وفي انها ستعمل على إنهاء معاناتهم التاريخية ، وتساهم فى بناء وطن معافى.
تقدمت اعداد كبيرة جدا من بنات وابناء الشعب السوداني ذوي الاصول من شمال السودان الجغرافي من اجل الانضمام للحركة الشعبية وتبني مشروعها للسودان الجديد.
لكن الحركة فى انغلاقها العسكري التراتبي لم تتعامل مع الجماهير بجدية و اتجهت للاكتفاء بتقاسم السلطة و الاحتفاظ بالاعداد الضخمة التي طلبت عضويتها خارج دائرة المشاركة السياسة و المساهمة فى الفعل اي (كجوغة فقط) .
المحور الثاني لم تبذل الحركة بعد اتفاق السلام اي جهد من اجل تكوين حزب مدني له امتداداته فى جنوب السودان يتجاوز القبلية ، ويعمل على نشر الوعي القومي ، و اتاحة الفرصة وتهيئة المناخ لنشوء منظمات العمل المدني والمنظمات الشبابية و النسائية فى جنوب السودان، والتعاون مع بقية الاحزاب فى الجنوب واشراكهم في السلطة الاقليمية ، وانشاء مدارس التدريب على العمل المدني و فتح المجال لنشوء حراك سلمي مدني لتنمية المجتمع و القدارات.
5 - من الواضح انه لم يكن قد توفر لقيادات الحركة الشعبية الوضوح النظري حول تطوير مقولاتها عن السودان الجديد واكمال فكرتها والانتقال بها من مجرد نقد السودان القديم الى اكمال رؤية عن كيفية بناء الانسان وتحديد منهج او مناهج للادارة و حكم الدولة ، وعن كيفية تكوين تنظيم مدني ديمقراطي يبشر بافكارها و يعمل من خلال ادوات الصراع الاجتماعي السلمية على الانتشار و التوسع فى شمال السودان .
ونتيجة لسيطرة فكرة الاعتماد على التراتبية العسكرية داخل الحركة الشعبية كمعيار للانتماء و الترقي داخل الحركة الشعبية بعد قدومها للخرطوم، وفي نفس الوقت ضعف او انتفاء فكرة تطوير افكار الحركة وبلورتها لفكرة مكتملة لبناء التنظيم و المساهمة في بناء الدولة عن طريق بناء تنظيم مدني متماسك وقوي ، نتيجة لكل ذلك ظلت الحركة محصورة في الاسماء نفسها ، حاملة الرتب العسكرية و التي ظلت تتردد رتبها العسكرية من ميادين القتال، اي انهم قابلوا الذين اقبلوا عليهم بكل الحب، بكل الشك، واكتفوا (باهل الثقة) ، الذين قاتلوا فى الاحراش.
6 - تعاملت الحركة بعد تقاسمها السلطة مع المؤتمر الوطني مع مناصب الدولة السودانية كغنيمة حرب فارضت بها العسكريين المنتمين لها بغض النظر عن التاهيل و القدرات على ادارة شؤون الدولة .
واستمرت الحركة حتى بعد تقاسم السلطة تعمل وفق مركزية صارمة، وظل القرار فيها يتخذ عبر دائرة ضيقة تعتمد على التوازنات القبيلة ، واوضح مثال على ذلك وضعية كل من رياك مشار داخل الحركة باعتباره الرجل الثانى على الرغم من المذابح التي ارتكبها عام 1991 ، او ما اصطلح على تسميته «بحرب أيما» من قبل بعض اعضاء الحركة الشعبية لتحرير السودان وذلك لوصف الصراع الذي نشب في العام 1991 بين أتباع جون قرن قائد الحركة و ثلاثة ضباط من مساعديه: رياك مشار ، لام أكول و غوردون كونق. الجدير بالذكر هنا ان رياك مشار كان قد تزوج قبل شهرين فقط من انقلابه من عاملة الإغاثة البريطانية « أيما ماك كون».
7 - اما سلفاكير الموجود منذ البداية في قمة التنظيم العسكري للحركة، حيث تتركز كل خبراته ومعارفه فى المجال العسكري و القتال ، نصب بحكم التراتيبية العسكرية داخل الحركة (وليس الكفاءة) بعد مقتل قرن ، نائبا لرئيس الجمهورية ورئيس حكومة الجنوب ، على الرغم من جهله بامور إدارة وقيادة الدولة. و تكفي الاحداث الدموية البشعة الجارية منذ دسمبر 2013 فى دولة جنوب السودان لتبين مدى افتقاره لاي حكمة انسانية او رؤية او حس انساني ووطني .
خلاصة :
في واقع متخلف كواقعنا ، لا تستطيع البندقية وحدها مهما توفرت الفرص، في غياب الوعى بحقائق الصراع الاجتماعي، واسباب المصائب و الازمات وكيفية معالجتها لا تستطيع حل الاشكالات الوطنية العميقة و من ناحية ثانية وعلى المستوى العملي فلا حل كذلك دون البناء والعمل (المدني) الصبور المضني. جنبا الى جنب مع الاخرين ، وفق الاقتناع بتعددية الرأي و الثقافة ، وتقديم قضية المواطنة ، بدون ذلك اثبتت لنا التجارب ان البندقية ستعمل عكس ما رفعت من اجله و تزيد احتمالات تدمير الذات .