رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
عصر السينما وعبق الذرة


المشاهدات 1002
تاريخ الإضافة 2018/07/03 - 5:21 PM
آخر تحديث 2024/07/25 - 5:27 PM

[caption id="attachment_148829" align="aligncenter" width="300"]مظهر محمد صالح مظهر محمد صالح[/caption] في واحدة من دور السينما الأميركية في العاصمة واشنطن، استسلمت إرادتي الى سحر من عبق رائحة نقية بعيدة عن الألغاز أو الأوهام وأنا على شباك التذاكر وهو الشيء الذي افتقدته منذ خمسين عاماً. إنها سحابات نقية تحاكي ذكريات أشبه ما ببزوغ القمر وأفوله في سحرها وطيب عطرها ومذاقها، وهي تنفث رائحة الطبيعة ومن شواء الذرة المسمى (بوب كورن) إلا انها مرت بي ولامستني بحزن وهي تقتحم مأوى عقلي بلا دعوة داخل ذلك المبنى الرائع من صالة العرض. استدركت ذاكرتي الحزينة هي الأخرى وتحسستها من فوري لأجدها تتقلب على ألم غامر وتحثني بالعودة الى إدراك الماضي والتخلي عن أساريري الضاحكة يوم ازدهرت دور العرض والسينما العراقية في مناخ يعبق بالتقدم والتطلع الى المستقبل. نظرت الى نفسي بسخرية باردة وأمامي حقاً تاريخ صالات العرض في خمسينيات بلادي وفجر ستينياته يوم كانت رائحة شواء الذرة المملحة نفسها تجسد حلم الأمة الناهضة في دور السينما العراقية قبل أن تختفي وتتحول فضاءاتها الى مخازن لتجارة الجملة ومضارب الربح بعد أن انتظمت بضاعتها ورقدت على مقاعد جلوس رواد الماضي وبعبثية عالية في تلك الدور. إن ما يستقر في الرأْس لا بدّ أن يؤثر بطريقة وبأخرى في السلوك او على الأقل في المشاعر لنتحسس واقعنا من أجل غدنا وكيف نريده حقاً، فقد رجعت الى مفكرة عقلي لأبحث عن حكاية الذرة في هذه البلاد البعيدة وسر تفوق إنتاجها عالمياً وبهذا الزخم الذي لا ينتهي، لأعثر في سري على حقائق تقول: تعد الذرة المحصول الأول عالمياً من حيث تفوّق إنتاجه على بقية المحاصيل والتي تزيد اليوم على 800 مليون طن متري سنوياً. وان تعاظم الطلب على الذرة جاء مع تزايد الطلب العالمي على العلف الحيواني والطلب على الوقود الأخضر. وتنفرد الولايات المتحدة الأميركية بإنتاج حوالي 42 بالمائة من الذرة في العالم، ومازالت هي من أكبر بلدان العالم إنتاجا وتصديراً لمحصول الذرة، حيث تصدر أميركا حوالي 16 بالمائة من إنتاجها السنوي منه، وان التشريعات الفيدرالية تلزم تخصيص جانب من إنتاج المحصول وتحويله الى وقود أخضر (اثينول) ليخلط مع البانزين عند البيع في محطات الوقود وبنسبة تستحوذ حالياً على 30 بالمائة من إنتاج أميركا من المحصول المذكور آنفاً. وان ربع الأراضي الزراعية الأميركية غدت مخصصة لزراعة محصول الذرة حالياً ولاسيما في منطقة الغرب الأوسط الأميركي وتمثل حوالي 35 مليون هكتار. كما يستنفد محصول الذرة لوحده حوالي 40 بالمائة من أسمدة أميركا النتروجينية سنوياً و30 بالمائة من بقية الأسمدة الفوسفاتية وغيرها. وبهذا فإن حصة الذرة من الدعم الزراعي الحكومي الأميركي هي الأعلى من بين المحاصيل الزراعية الأخرى، حيث بلغ الدعم الزراعي لهذا المحصول خلال المدة 1995 - 2006 ما يزيد على 56 مليار دولار. في حين لم يحظ محصول الحنطة إلا على 22 مليار دولار والصويا 14 مليار دولار والرز 11 مليار دولار وللمدة نفسها. ختاماً: غادرت صالة السينما في واشنطن التي أدهشني فيها (فيلم أفاتار) وهو من أفلام الخيال العلمي الشهيرة يوم عرضته دور السينما الأميركية لمخرجه (جيمس كاميرون) قبل سنوات وبلغت عائداته في الأشهر الثلاثة الأولى من عرضه في صالات السينما هناك قرابة الملياري دولار، متفوقاً بذلك على مداخيل فيلم (تايتانيك) للمخرج نفسه. وأنا أتذكر في نفسي فيلم (سبارتاكوس) الذي عرضته إحدى دور السينما العراقية في ستينيات القرن الماضي وكيف تمتعنا بقوة إخراجه ومضامينه الإنسانية وأبطاله، ولم يخفف من آلام فاجعة نهايته في حينه إلا رائحة الذرة المشوية في أروقة دار السينما التي مازالت تقع في قلب بغداد وهي شامخة بماضيها وأحلامها ولكنها ظلت خالية من روادها.

تابعنا على
تصميم وتطوير