رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
مفارقات أدب الطفل


المشاهدات 1147
تاريخ الإضافة 2018/06/12 - 4:25 PM
آخر تحديث 2024/04/21 - 4:04 PM

[caption id="attachment_167626" align="aligncenter" width="212"]مفارقات أدب الطفل مفارقات أدب الطفل[/caption] محمد إسماعيل زاهر لا يدور أي حوار عن أدب الطفل إلا وتجد من يحدثك عن ضرورة أن يحترم الكاتب “عقلية الصغار”، حتى أصبح هذا الرأي من المسلمات التي يطرحها “ناقد” أو متابع أدب الطفل، وهو رأي يردد من دون تفاصيل تتطرق إلى ذلك العالم المغلق والذي لا يود أحدهم الاقتراب منه والانخراط فيه ونعني به عقلية الطفل، ذلك الصندوق المغلق والذي يختزن في داخله أحلام وخيالات لا نهاية لها، ذلك الصندوق الذي نشعر بأن كل من يحاول الغوص بداخله يحمل معه عقليته هو . إن “احترام عقلية الطفل” تفضي في النهاية لكل من يرقب هذه الحوارات أن نكتب بعيداً عن المفارقة وبعيداً عن التحولات التي تعتري البشر والكائنات والأشياء من حولنا، أي بعيداً عن تلك الثيمات التي دارت حولها حكايات الطفل الكبرى، أي نعقلن الحدوتة وفق منطق الكبار، أو وفق عالم من القيم والصور والمبادئ الناتجة عن وسائل التكنولوجيا الحديثة التي يبدو أنها لم تنجح في سرقة خيالنا وحسب، بل امتدت إلى أحلام الأطفال . ويبدو لقارئ حكايات الطفل الكبرى، أو التي اعتبرت كذلك فيما بعد، أنها لم تكتب في الأساس للأطفال، والقائمة طويلة وتتوزع على آداب عدة وتبدأ من كليلة ودمنة وألف ليلة وليلة ولا تنتهي بأبطال مجلات الكوميكس الخارقين، والتي صدرت للتعبير عن رسائل سياسية واجتماعية يود مؤلفوها تمريرها من دون إزعاج، ويبدو أيضاً أن الحكايات التي كتبت بطريقة مباشرة أو شبه مباشرة للأطفال ونالت شهرة واسعة نادرة، ولم تترك التحليلات الفكرية والانثربولوجية مكاناً لـ “عقلية الطفل” وهي تتناول بالبحث والدراسة الحكايات الشعبية الأخرى، واستكثرت الدراسات الفائقة الحداثة أن يتضمن عالم الأطفال حكايات الجن والعفاريت والأشباح . . الخ، فسرقتها منهم وألحقتها بـ“أدب الكبار”. في الحالة العربية هناك أزمة أيضاً تتعلق بتلك النصوص التي تنتمي إلى الأدب المعاصر وبإمكاننا تبسيطها للطفل، أي تلك النصوص التي أنتجتها “عقلية الكبار” المنطقية، وتحترم بالتأكيد “عقلية الصغار”، وبرغم أن دار الشروق في مصر كانت قد بدأت مشروعاً كهذا مع روايات نجيب محفوظ الأولى والتاريخية إلا أنه لم يستمر، وبرغم قيمة ومكانة محفوظ إلا أن أدبه لا يصلح للأطفال، وبالإضافة إلى ذلك لا تحضر الذاكرة رواية عربية يمكن تبسيطها لـ“اليافعين” أيضاً، وذلك بعكس آداب شرقية وغربية أخرى، وتلك مسألة حساسة لم يتطرق إليها أحدهم وتتعلق بطبيعة الأدب العربي المعاصر نفسه والذي يحتاج إلى عدة مراجعات . الملاحظة الأهم لمتابع الحالة الأدبية أن الرواية أو القصة، السرد بصفة عامة، في الأدب “الموجه للكبار” لم يعد يحتفي بالحكاية التقليدية أو يتوقف أمامها، وأصبحت الذائقة أو “الموضة” تركز على الغرائبي والمدهش والخلاب، فالرواية الناجحة الآن لا بد أن تكسر المسار المنطقي للأحداث وتتضمن غموضاً هنا أو مفارقة خيالية هناك، أي أننا نبحث عن منطق الأشياء في “أدب الصغار”، ونحتفي بالنقيض تماماً في “أدب الكبار”، قد يكون الهدف المعلن تعويد الطفل على التفكير المنطقي، ولكن الكثير من مذكرات الأدباء الذين حلموا وحلقوا في خيالات مدهشة وهم صغار اعتمدوا على هذه الخيالات وهم يمارسون إبداعهم في مراحل عمرية لاحقة . الأكثر إشكالاً في “أدب الطفل” مسألة القيم التي ينبغي تضمينها في هذا الأدب، خاصة مع إقبال الأطفال على قصص ورسوم وأفلام كرتونية يراها البعض لا تتناسب مع قيمنا وأصالتنا، في الوقت الذي نقبل فيه نحن على تلك المنتجات نفسها الموجهة للصغار، بل وربما نستمتع بها أكثر منهم برغم إدراكنا لمحتواها السلبي عندما نكتب عنها أو نُنظّر لها، بل تحتل هذه المنتجات فضاءً اجتماعياً واسعاً فرسوم توم وجيري وسوبرمان وبات مان وسبايدرمان . . .الخ، تملأ الصورة من السينما إلى المجلات إلى الكارتون في التلفزيون إلى حقائب الأطفال وأدواتهم المختلفة . .الخ، هي فكرة البطولة “الغربية” التي تحيط بنا في كل مكان، وبرغم مئات الصفحات التي كتبت وانتقدت هذه البطولة وأبعادها الكابوسية والمختلفة، فإنك لن تجد من بإمكانه اختراع البطل العربي، فمواصفاته ستصطدم بالتأكيد بتابوهات سياسية وخلافات حول القضايا التي ينبغي له وضعها على قائمة أولوياته ونزاعات حول رؤيته للآخر وشجارات حول القيم التي ينبغي لمخترعه وضعها في الاعتبار وهو يقوم بمغامراته، في طفولتنا ووسط كل هذا السيل من الكرتون والمجلات الغربية كانت تصدر مجلة “عنترة” في لبنان وسلسلة “فارس الأندلس” في مصر، فالبطولة في هذا البحر الخطر تتعلق بالماضي وبكل ما هو معلوم، وكفى الله المثقفين عواقب الخلاف فيما يتعلق بالحاضر أو ما يمكن ابتكاره للمستقبل المجهول. إن إشكاليات “أدب الطفل” هي صورة معبرة عن إشكالياتنا الثقافية، صورة تمتلئ بالمفارقات تتضمن التخبط المعرفي حول أساسيات الثقافة نفسها وركائزها الغائبة .

تابعنا على
تصميم وتطوير