رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
مشاركة الأخبار الكاذبة ستتم دون وعي ... مارد التكنولوجيا يلغي الحدود الفاصلة بين الأخبار المزيفة والحقيقية


المشاهدات 1001
تاريخ الإضافة 2018/05/15 - 5:28 PM
آخر تحديث 2024/04/24 - 6:47 AM

[caption id="attachment_163266" align="aligncenter" width="300"]مارد التكنولوجيا يلغي الحدود الفاصلة بين الأخبار المزيفة والحقيقية مارد التكنولوجيا يلغي الحدود الفاصلة بين الأخبار المزيفة والحقيقية[/caption] لندن/متابعة الزوراء: أدوات التثبت من المعلومة لم تعد كافية فكل شيء يمكن تزييفه ورفاهية اعتزال الأخبار خيار صعب في عصر المعلومات. فعندما اغتيل جون ف. كيندي في مدينة دلاس في الثاني والعشرين من نوفمبر 1963 كان في طريقه إلى إلقاء خطاب أمام أعيان المدينة الذين كانوا بانتظار قدومه. وبقي النص لمدة طويلة منشورا على شبكة الإنترنت، يوفر قراءة مثيرة ليس فقط بسبب ما حصل في ساحة ديلي ذلك اليوم، لكن لأن أجزاء كبيرة منه تبدو مناسبة بشكل غريب في عهد الرئيس دونالد ترامب. كان جون كيندي خطيبا رائعا، استعان بكتّاب خطابات ممتازين (وخاصة منهم تيودور سورونسن). كانت خطاباته متأنقة ومتميزة بشكل منتظم: كان يتصيد العبارة الجميلة وكان إلقاؤه عادة خاليا من الأخطاء. لذا كان مستمعوه في دلاس ينتظرونه بشغف لما يجدونه من متعة عند سماعها، إلى أن جاء هارفي أوسوالد فوضع نهاية لحلمهم. وبعد 55 عاما، سمعنا أخيرا ما كان الحضور في خطاب كيندي المرتقب سيسمعونه. ففي مثال رائع للبراعة الفنية سحب فريق من مهندسي الصوت 116777 وحدة صوتية من خطابات الرئيس وأحاديثه في الراديو. وجرى تحليلها من حيث النبرة والطاقة واستعملت لتكوين أفضل قراءة تقريبية بصوت كيندي نظرا لنوعية التسجيلات التي كان على المهندسين العمل عليها. الاستماع إلى الخطاب هو تجربة غريبة بالفعل، خاصة لمن رأى وسمع جون كيندي شخصيا، بحسب ما ذكر جون نوتون في صحيفة الغارديان البريطانية، الذي عاصر عهد كيندي. يقول نوتون “إن التركيبة تبدو دقيقة بشكل كبير وهذا يأخذنا إلى فكرة مزعجة: إذا كانوا قادرين على فعل ذلك مع مواد متفاوتة في الجودة، فما هو الشيء الذي لا يقدرون على فعله مع التسجيلات الرقمية الممتازة جدا لهذه الأيام؟”. أصبح تزييف التسجيلات الصوتية مع التكنولوجيا المعاصرة على نفس الدرجة من السهولة تقريبا مقارنة باستعمال تقنية الفوتوشوب مع الصور الرقمية. وتبقى مقاطع الفيديو أصعب قليلا، إلا إذا كان في المتناول استعمال تكنولوجيا سي.جي.آي التي تستخدمها حاليا استوديوهات الأفلام، لكن ذلك أيضا سيصبح متوفرا في الأسواق في المستقبل القريب. إضافة إلى إمكانيات برمجيات إي.آي، وسنصل سريعا إلى نقطة يصبح فيها من المستحيل التمييز بين حقيقة شيء ما وزيفه. لقد طوّر الباحثون بجامعة واشنطن في سياتل شبكة عصبية تقوم بحل مشكلة كبيرة في مجال رؤية الكمبيوتر وبذلك يتم تحويل أشرطة صوتية إلى فيديوهات واقعية مع تزامن حركة الشفاه للشخص الذي ينطق تلك الكلمات. وتم عرض النتائج أثناء مؤتمر تقني في أغسطس الماضي. حيث أنتجوا فيديو واقعيا على نحو مدهش لباراك أوباما وهو يتحدث عن الإرهاب والأبوة وإحداث مواطن العمل ومواضيع أخرى باستخدام مقاطع صوتية لخطابات ومحادثات أسبوعية حقيقية مصورة بالفيديو كانت في الأصل تتناول مواضيع مختلفة. استعملوا شبكة عصبية لمواءمة شكل فم أوباما وتعيين النموذج لتسجيلات الفيديو وصوته، وكل ما احتاجوا إليه هو 14 ساعة من التسجيلات الرقمية. يبدو الاتجاه الذي نمضي فيه واضحا ويضع أفكارنا الحالية حول التعامل مع “الأخبار الزائفة” والتضليل الإعلامي في سياق أكثر جلاء. ولن يكفي التثبت من الحقائق وتدريس الثقافة الإعلامية. إذ لم تعد مقولة “سأصدق عندما أرى ما حصل”، صالحة في وقت يسود فيه التزييف الرقمي. أصبحنا في حاجة إلى تطوير لعبتنا. وكما قال غريغ سيلفرمان مؤخرا، ما حصل هو أن “المؤشرات التي استعملها الناس لتحديد مصداقية المعلومة لم تعد كافية من جوانب متعددة فكل شيء تقريبا يمكن تزييفه. التكنولوجيا التي أتينا بها تتفوق على قدراتنا الذهنية وعلينا أن نطور طرقا للإبحار في هذا الخضمّ من المعلومات الرقمية. يضيف سيلفرمان، “ما رأيكم في تغيير الذهنية؟ في الماضي اشتغلنا على مبدأ: ثق ثم تثبت. بعبارة أخرى، خذ في البداية الأشياء على ما هي عليه ولا تتثبت إلا عندما تساورك الشكوك. لكن في عالم رقمي علينا أن نقلب هذا المبدأ رأسا على عقب: تثبت أولا، وبعد ذلك (وفقط بعد ذلك) ثق. هذا أمر جيد جدا إن كنا نعرف كيف نتثبت، لكن مثلما يبين بحث جامعة واشنطن، يزداد ذلك صعوبة مع مرور كل يوم. وهذا ما يفسر ما قد يتسبب تلوث نظامنا البيئي للمعلومات في أزمة وجودية لديمقراطيتنا”. لكن البعض قد يذهب إلى خيار مغاير تماما، كما فعل إيريك هاغرمان، الذي كان يعمل سابقا، مسؤولا تنفيذيا لشركة نايك، والآن يعيش في مزرعة، حيث يمارس فنه ويذهب لاحتساء القهوة ويعزف القيثارة ويعطي مقابلات لصحيفة “نيويورك تايمز”. لجأ هاغرمان إلى الانعزال عن العالم من حوله لممارسة فنه. وتمكن رؤية أعماله على الإنترنت، فهو يقوم بالأشياء التي لا تبدو أن هناك قيمة من وراءها. ولكن إذا كان هناك ما يكفي من الأخبار المتداولة في العالم، فهناك أيضا ما يكفي من الفن فقير الجودة الذي من الممكن إيلاء الاهتمام به. ما يفعله هاغرمان، وهو منع دخول المعلومات من العالم الخارجي إليه، ليس حصارا كما يحلو له أن يسميه، وإنما هو شبيه بقرار ترامب بحظر السفر إلى الولايات المتحدة. والمفارقة أن هاغرمان لا يُمانع أبدا خروج المعلومات من منطقة حصاره، أي منه هو شخصيا، لأنه، أجرى مقابلة مع صحيفة “نيويورك تايمز”، وتناول محاور “نيويورك تايمز” الانتقادات التي تم توجيهها إلى نهج حياة هاغرمان بطريقة جعلتها، تكتسب جاذبية أكثر “إن تجنب ما يحدث من حولنا هو في بعض الأحيان أشبه برفاهية وكماليات لا يستطيع الكثير من الناس تحمل شرائها”. ويقول الكاتب ديفيد ميتشل “تحتاج إلى تجاهل الأخبار لفترة طويلة جدا حتى تكون على استعداد لتقبل ماهية هذا الكوكب الذي نعيش عليه”. ويضيف، “على مدار الأسابيع القليلة الماضية، وبينما لم أجد مواضيع شيقة لكتابة الأعمدة، فإنني لم أعد أقرأ الأخبار بقوة كما كنت أفعل في ذي قبل. أصبحت أنظر للأحداث التي تجري من حولي بنصف عين. أحببت الهدوء النسبي الذي أشعر به، ولا أشعر بالذنب على الإطلاق”. ويتابع “أعتقد أنني سأقدّر دائما إحساسا غامضا بما يبدو أنه يحدث بشكل عام، وكأنه إنكار للمجتمع. لكن الطريقة التي تصل بها الأخبار إلينا هذه الأيام، مع كون الكثير منها إما مزيفا وإما عاجلا، هي أسوأ من الجهل بها”.

تابعنا على
تصميم وتطوير