رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
الشيخ و الكلب


المشاهدات 1203
تاريخ الإضافة 2018/02/27 - 5:20 PM
آخر تحديث 2024/07/27 - 1:16 AM

[caption id="attachment_153331" align="alignnone" width="300"]الشيخ و الكلب الشيخ و الكلب[/caption] الزوراء / خاص/ ماجد الحجامي كان ذلك في شتاء العام 1999 عندما كانت العاصفة الثلجية في عنفوانها حتى إن وسائل الاعلام المحلية في مدينة مانيتوبا حيث اقيم حينها كانت تطلق التحذيرات ، مانيتوبا تعد من أحد أكثر مدن العالم بردا في الشتاء، كان التحذير من السفر خارج المدينة بسبب كثافة الثلوج وشدة البرد) . كنت أعمل في مطعم للفطائر الإيطالية ، وعملي هو نقل الفطائر إلى المنازل وأماكن العمل والأفراح ) . كان صانع الفطائر يعتذر إلى أحد الزبائن في تلك الليلة عن عدم قدرته تلبية الطلبات وبرر ذلك بصعوبة الوصول إليهم فمكان تكسير الحصى الذي يعملون به ناء جدا وطريقه ترابي وعر، ناهيك عن هذه العاصفة المرعبة العاتية ، لكنهم لم يستسلموا واخذ جرس الهاتف يرن مرارا وأخذوا يتوسلون ويشكون اليه شدة الجوع لأن الذي كان يزودهم بالطعام قد اعتذر اليهم ولا يستطيعون ترك عملهم حتي الصباح، ارتفع صوته رافضا قائلا: افهموني أرجوكم لا حيلة لدي فلا يمكن لأي سائق ان يغامر و يذهب اليكم في هذا الجو التعيس إلا إذا كان مجنونا او هاربا من الحياة. شعرتُ بجوعهم وأدركتُ معاناتهم فقررتُ أن أكون أنا المجنون فإذا كان زمن الوصول إليهم نصف ساعة فليكن ساعة على أن أقود سيارتي بحذر ، هكذا قلت في نفسي، كنت مهتما أن أوصل إليهم الطعام يدفعني هاجس غريب بدأ ينمو بداخلي. انطلقتُ أخيراً وأنا أسمع خلفي أصوات أصحابي وهم ينصحونني بالحذر ويوصونني بالانتباه فسلكت الطريق بشيء من الخوف والقلق ولكن ما أن بلغت نصف الطريق حتى بلغ الخوف ذروته حيث طرق المزارعين الترابية محصورة بين خندقين عميقين لا أرى أي أثر لخندق أيمن أو أيسر، الثلوج الكثيفة تغطيهما تماما والرياح العاتية غمرت الخنادق لتجعلها بمستوى الطريق وبينما أسير ببطء وسط الظلام الشديد اذ لا وجود لأي ضوء سوى ضوء سيارتي اليتيم، واضواء بعيدة خافته أغلب الظن أنها منازل المزارعين وعلى حين غرة وجدت نفسي مغطى بالثلوج مما جعل سيارتي تتوقف تماما عن الحركة ,نعم إنه الخندق الذي كان سبب خوفي وقلقي طوال الطريق ، فتحتُ الباب وخرجتُ بصعوبة فوجدتُ سيارتي شبه مختفية ، نظرتُ إلى الجهات الأربع لعلي أرى مجنونا آخر، لكن دون جدوى: اذا فكرت في الذهاب باتجاه الأضواء البعيدة سيكون أكثر جنونا وحماقة ، إذاً سأموت قبل أن أبلغ نصف الطريق,عدتُ إلى سيارتي وأغلقتُ الباب والمحرك يدور ويعطيني الدفء الكافي ولكن كنت افكر بنفاد وقود سيارتي مما يعني موتا محتما بعد ساعات، ضاحكا قلت: يا لها من نهاية. فقدتُ الأمل تماماً وأصبح الرعب سيد الموقف ، والخوف هو النديم وأنا أتلفت باستمرار وإلى جانبي طعام أولئك المساكين، شعرتُ بالأسف لعدم تمكني من إغاثتهم، لا مناص لي سوى الدعاء فأكثرت الدعاء بكل ما أوتيت من صدق، ولسبب ما راودني بعض الأمل بالنجاة وعندما نظرتُ حولي عاد لي الخوف والرعب والدعاء في كلا الحالتين لا ينقطع، أخذتُ أنظر إلى السماء والثلوج تنهمر منها بغزارة شديدة حتى راعني ضوء شديد كان قادما نحوي تماما فاذا بسيارة كبيرة بيضاء ترجل منها شيخ بلحية بيضاء ملابسه بيضاء وإلى جانبه كلب أبيض قائلا لي بصوت مرتفع يعلو على صوت العاصفة ,هل أنت بخير سيدي، عندما تحدث إليّ بلغتهم أدركت أن هذا البياض بسبب الثلوج التي غطتهم وليس لأنني من أصحاب الكرامات، فأجبته بصوت مرتعش : - بلا شك سيدي فبعد وصولك أظن أنني بخير - إذن فقد كان كلبي على حق . - وماذا قال لك كلبك. - كان ينبح بطريقة غريبة دون توقف فأمرته بالسكوت بعد أن فتشت حول المنزل دون أن أجد ما يثير ألقلق لكنه لم يتوقف وهو ينظر إلى جهة واحدة فنظرت إلى جهته فلم أر شيئا غريبا ولكن بعد أن أمعنت النظر رأيتُ ضوءً خافتا بعيدا تحت الثلوج فأدركت أن أحدهم وقع في أحد الخنادق فأخذت سيارتي وعدتي وهرعت إليك مسرعا. أخرجني من الخندق وأنا عاجز عن شكره وكلبه الذكي النبيل، وبعدها أرشدني إلى الطريق الآمنة ووصلت إلى العاملين أخذوا طعامهم وكانت كلمة الشكر التي أطلقوها اكثر برودة من العاصفة فحمدت الله أنهم دفعوا أجرة الطلب دون نقص وما ندمتُ إطلاقا لأني ما ذهبت من أجلهم - وإن كان ذلك سببا - فمن ذهبت من أجله سخر لي الكلب .

تابعنا على
تصميم وتطوير