رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
أي أنواع الموت يختار؟


المشاهدات 1331
تاريخ الإضافة 2018/02/03 - 4:24 PM
آخر تحديث 2025/07/04 - 6:29 AM

[caption id="attachment_2592" align="alignnone" width="267"]نوال السعداوي كاتبة مصرية نوال السعداوي كاتبة مصرية[/caption] أغلقت مفكرتي وأطفأت النور، السرير دافئ عطره خفيف، يخفف من التهاب الأسعار وتوحش العالم، أدفن رأسي تحت اللحاف وأكاد أختنق، ثم تحلو الحياة فجأة، فأفتح شقا رفيعا في الغطاء، تدخل منه نقطة ضوء وقطرة هواء ، ما زلت أتنفس وقلبي ينبض، تغمرني سعادة طفولية، لم يصبني توحش العالم إلا بنوع واحد من الموت، يسمونه الموت الدماغي ويظل جذع المخ في مؤخرة رأسي صاحيا، يسيطر على عملية التنفس وضغط الدم، من وراء الزجاج يتخفي القمر في المحاق، شبح واقف يشبه أمي الميتة منذ ستين عاما، الضوء يسقط على ثديها الأيسر المفقود، الجرح غائر في صدرها لايزال مفتوحا ينزف، شعرها مرسل على كتفيها، بشرتها بيضاء بلا قطرة دم، أنفها خط مستقيم مرفوع يشق وجهها نصفان، عيناها تلمعان بشدة، تنحدر منهما خيوط رفيعة، تلطخ خديها البازرين بلون أحمر، ليس «أحمر الخدود» الذي تغطى به النساء أحزانهن، سمعتها تناديني: إصحي يا نوال. هل كنت نائمة أو ميتة؟ هل هو شبح أمي أو هي أمي الحقيقية ؟ لم أكن متأكدة، فالحلم يذوب في الحقيقة، والواقع في الخيال، لم تكن أمي نحيفة أو طويلة بهذا الشكل، كانت متوسطة الطول، تبدو قصيرة الى جوار أبي، في الضوء الرمادي أصبح لونها شبحيا، سمعتها تقول: أخوك مات، كلمة مات ترن في رأسي الأجوف، يعجز عقلي عن إدراكها، فهل الموت فراغ في العقل؟ نهضت وارتديت معطفي الأبيض، فأنا طبيبة بالمستشفى، الحزن لم أشعر به ، فهل الحزن كالموت فراغ في العقل؟ لذة الحياة فقط تمشي في جسدي وعضلات الساقين وأنا أمشى نحوه بخطوتي القوية، كان ممدودا فوق المنضدة بثلاجة المشرحة، تطل قدماه الشاحبتان من تحت الملاءة القذرة، المستشفى حكومي وملاءاته غير نظيفة بالطبيعة. الموت يعرفه البشر بالفطرة والطبيعة، الموت يحدث للأحياء فقط، الحياة هي شرط الموت، يدرك الإنسان موت الآخرين ولا يدرك موته، يعجز المخ عن الوعي بذاته، العين لا ترى نفسها، والعقل لا يعقل نفسه، لا بد من عين الآخرين لترانا، ولا بد من عقل الآخرين لإدراك وجودنا، حين نموت تنتهي حواسنا فلا نشعر بموتنا، مع ذلك يظل الخوف من الموت أكبر خوف فى حياتنا، نحن نموت قبل أن نموت بالفعل فلماذا نعيش أسرى الخوف من الموت؟ أهي نظم التربية والتعليم (منذ النظام العبودي) تزرع الخوف في خلايا المخ البشري؟ لنتصور إنسانا لا يخاف الموت، ألا يكون الخطر الأكبر لأي نظام يسلبه حقوقه؟ ألهذا يتم اعتقال وقتل العقول المفكرة الحرة في أي بلد بالعالم؟ في مشرحة كلية الطب أمسكت في يدي مخ الإنسان، قطعة لحم، تنزلق من بين أصابعي، أكبر أجزائها هو «المخ» 85 % من وزن الدماغ، يختص بالوظائف العليا العقلية والحسية ، كالذكاء والذاكرة والإبداع والحب والكره، يقوم «المخيخ» بالتنسيق وحفظ توازن الجسم، أما جذع المخ فهو يربط نصفي المخ بالحبل الشوكي، ويعمل على الاستيقاظ والتنفس وضغط الدم ونبض القلب، في حالة الموت الدماغي، يتوقف النشاط الكهرومغناطيسى بالمخ، يظهر رسم المخ البياني خطا مستقيما، لكن المخ قد يموت ويبقى جذع المخ حيا، يسمونها «الحالة النباتية» تستمر لحظات أو سنوات، يظل الجسم يتنفس والقلب يدق، لكن الإنسان يكون فاقدا وظائفه الإنسانية العقلية والحسية. منذ منتصف القرن الماضي بدأت الحاجة إلى تعريف الموت الحقيقي، ليتم نزع الأجهزة الطبية عن المريض (كجهاز التنفس) والتبرع بأعضائه، كان طب زراعة الأعضاء قد أصبح من أكثر العلوم الطبية نجاحا، وإنقاذا لأرواح كثيرة يائسة وبائسة، لكنه أصبح من أكبر عمليات القتل والسرقة والتجارة بالأعضاء البشرية في سوق الرأسمالية المتوحشة، كالتجارة بالأسلحة والمخدرات والجنس والتجسس ومساحيق الزينة. قرأنا بالصحف هذا الخبر منذ أيام: كشف رئيس الادارة المركزية للعلاج الحر والتراخيص الطبية بوزارة الصحة أن اللجنة المختصة بتحديد تعريف موت جذع المخ ستعرض تقريرها في اجتماع اللجنة العليا لزراعة الاعضاء البشرية يوم 28 يناير الجاري، وستحدد فيه معايير إقرار اللجنة الثلاثية المختصة بالموافقة على قرارات زراعة الأعضاء وموت المريض إكلينيكيا. انتهى الخبر، ولم تسأل وزارة الصحة الشعب المصري أي أنواع الموت يختار بعد التهاب الأسعار؟

تابعنا على
تصميم وتطوير