[caption id="attachment_129610" align="alignnone" width="300"]
احمد الجنديل[/caption]
أما آن الأوان لكي نمنح أنفسنا فرصة المراجعة لمجمل ما حصل لنا عبر عقود من التاريخ المتخوم بالشعارات النارية والفرقعات الحماسية والبالونات الساخنة ؟ ألم تحن الفرصة لكي نقوم بمراجعة شاملة للخطابات الملتهبة التي جعلت حناجرنا تصاب بالخدوش ؟ ومتى نستبدل دخان البنادق بغصن الزيتون ، ونطرح لغة التهديد والوعيد جانبا لتحل بعدها لغة التراحم والمحبة والتآلف بعد ما عانينا الأمرّين من حالات التمزق والتباغض ؟ ألم ندفع فواتير من الدم كضريبة لأطروحاتنا القائمة على الثأر والانتقام ؟
الجميع يسعى لتحقيق الحياة الآمنة المستقرة ، والكل يتطلع إلى الغد المشرق السعيد ، والشعوب تسعى بما لديها من طاقات وجهود لتتمتع بالحياة من خلال السعي المثابر ، والبحث عن سبل النجاح ، ومن يريد أن يقرأ هوية الشعوب عليه بالبحث عن شعاراتها ، ودلالة الهتاف التي تطلقه كل صباح .
في العراق ، وعلى أرض العطاء المستمر بالخير والبركة ، ثمة شعارات تدعو للتأمل والضحك معا ، فأنت أينما ذهبت تجد شعارات مكتوبة بالخط الكوفي تقول : ( نموت ويحيا الوطن ) ولا أحد يتوقف عندها ، ويسأل نفسه : ما معنى موت الشعب ليحيا الوطن ؟ وكيف تكون الحياة الخارجة من رحم الموت ؟ ولماذا لا نكتب : نعيش ليزدهر الوطن ببقائنا ؟ وتكون الحياة أكثر إشراقا وعطاء بوجودنا ؟.
وفي تاريخنا السياسي ، مقولات ولافتات وشعارات جميعها تؤكد على الموت والتضحية من أجل حياة الوطن وسلامته ، وكأنما الوطن لا يعيش إلا عن طريق الموت .
فتشوا أيها السادة في سجلات ماضينا العتيد ستجدون آلاف الشعارات ، وآلاف الحناجر التي تهتف للموت والدم ، ومثلها من المقولات التي تمجد من لا يستحق التمجيد ، شعارات لا همّ لها سوى تأجيج المشاعر ، ودفع العواطف إلى مناطق السخونة لكي يكون الدم عنوانا للحياة ، والقتل طريقا للبقاء ، رغم أنّ الدنيا قد تجاوزت هذا المنطق منذ عصور وأجيال ، وأصبح منطق الثأر والانتقام لا يمنح أصحابه غير الهزيمة والتخلف ، ولا يقدم للشعب غير الأزمات والانتكاسات ، ولا يغذي الوطن إلا بجراثيم الفتن .
والشعارات التي يقطر منها الدم لا يجنى منها غير الدم ، والهتافات التي تمجد صليل السيوف وقرع الطبول ولهاث الخناجر لا تخلق حياة آمنة مستقرة ، ولا تخلق غدا مشرقا سعيدا ، ومن يريد الحياة عليه أن يؤسس لمشروع العشق لها ، أن يحترم قوانينها ، أن يتوكل على الله ويشمر عن ساعده ويتسلح بالمعرفة التي تقوده إلى انتصاره وانتصار شعبه ووطنه ، أن ينثر الورد على قارعة الطريق الذي يسير عليه ، عندها سيكون الوطن منتصرا ، والشعب آمنا ، والمستقبل زاهرا .
نحن بانتظار غصن الزيتون أيها السادة فقد تعبت نفوسنا من صراخ البنادق .
إلى اللقاء .