[caption id="attachment_146243" align="alignnone" width="211"]
بلاغة العرب ومنطق ارسطو[/caption]
ليست البلاغة منطقاً آرسطياً بحتاً، وليست قواعد بروتوكول، أو أسس كهنوتية جافة جامدة لا تقبل الأخذ والرد، أو التجديد والتطور، وإنما هي قواعد الذوق الشفاف، قواعد الوجدان المنطلق، الوجدان الهائم الذي ينشد أناشيد الفن الجميل الصادق، ناظراً في جمال الحياة، يستكنه هذا الجمال، ويسبر أغواره، فيكسبه فناً من التعبير يتملاه الذهن الرفيف، والحسن الذواق، فناً نقياً رائقاً جميلاً، تستعلي به النفس، ويستمتع به الوجدان في سماء الصفاء والنقاء والطهر بعيداً عن دنايا الواقع بكل صغائره وسفاسفه.
حين بدأت البلاغة بقواعد أرسطو في العصر العباسي سارت في دروب مظلمة، مرتطمة بصخور قاسية في شعاب الذهن الجامد المدلهم، وأصبحت وهي فن الذوق الجميل، باباً من أبواب المنطق تعيش أبوابها وفصولها على هامش المنطق والفلسفة، فلا هي من الفلسفة ولا من المنطق، ولا صلة ولا رحم يجعلها تمت إليهما بنسب.
وكانت مشكلة البلاغة هينة جداً في العصر العباسي، وذلك حين كان الذوق قوياً خصباً غير معقد، ولكنها تعقدت فيما بعد وذلك خلال ما تلى الفترة العباسية من عصور، ففي أيام الأتراك والمماليك عاشت البلاغة العربية أياماً كالحة حالكة، وكادت أن تلفظ روحها لفظاً في غياهب الذهن المتحجر، وجفاف القواعد الجامدة.
وكيف أنه ينبغي أن نرجع البصر أكثر من كرة إلى هذه القواعد فنقوم بفحصها ودرسها وتمحيصها وغربلتها على أساس جديد من دراسة النفس والذوق، وليسيطر التيار الذوقي / النفسي على قواعد البلاغة بدلاً من المنطق القاسي الواهن.