رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
البناء القصصي عند زكريا تامر


المشاهدات 1302
تاريخ الإضافة 2018/01/02 - 5:54 PM
آخر تحديث 2024/05/12 - 7:51 PM

[caption id="attachment_145231" align="alignnone" width="300"] البناء القصصي عند زكريا تامر البناء القصصي عند زكريا تامر[/caption] الزوراء/ خاص: أرسى تامر دعائم القصة السورية وثبتها في خِضم حركة الأدب المضطربة آنذاك. لا يمكن إهمال دور زكريا تامر في القصة السورية وتطورها، وهو كما يقول عنه الأديب الألماني فولفنانغ فيريك: “أدب زكريا تامر هو محاربة الظلم والتخلف”. لتوضيح البناء القصصي عند زكريا تامر سأطرح قصتين من أبرز ما نجده في موروثه الأدبيّ؛ “رجال” و”يوم أشهب”. تشكّل هاتان القصتان مدخلًا لأدبه وسببًا وجيهًا لقراءة المزيد له . تُعد قصة “رجال” من أهم وأبرز ما ترك زكريا تامر من إرث أدبيّ؛ فعلى صغر حجمها إلا أنها تحمل في مكنوناتها الكثير؛ فلو نظرنا إلى العنوان “رجال” الذي أتى بصيغة الجمع مع أن البطل واحد هو عبد الحليم المُر الذي يشكل ضمنيًا مثالًا على كل الرجال؛ فهو شرقيّ، مسلم، أصبح مفهوم الرجولة عنده متقزم حدّ التلاشي، لم يعد له دور يعتد به، أو إضافة يشكلها حضوره؛ ليجد عبد الحليم نفسه وقد جرد من كل أسلحة الرجل العربي المتعارف عليها، ولم يبق له منها إلّا “يمين الطلاق”. إلى جانب دلالة العنوان الذي لخص وفسر جزءًا من الغموض في العمل الفني، جاءت دلالة اسم عبد الحليم المر؛ الحليم الذي لا يرضى بالدنية أو الرذائل بعكس الشخصية الرئيسة التي حملت الاسم، والتي لم يكن لها نصيب منه؛ لم يستطع عبد الحليم مواجهة المآزق التي وضعت أمامه أو وضع أمامها بحلم! زكريا تامر الساخر، انحاز للمرأة في مواجهة عقلية الرجل الشرقي، فقد هاجم المجتمع الذكوري السطحي الساذج الذي يكثر فيه التلويح بيمين الطلاق ووقوع الطلاق على أتفه الأسباب. بالانتقال إلى قصته “يوم أشهب”، التي يمكن أن نعدّها “أقصوصة” أو مسرحية من ذوات الفصل الواحد، تعتمد على اللمح والتكثيف والتركيز دون تعدد الشخصيات، سأبدأ الحديث من طرح البناء العام للقصة وتحليل الشخصيات؛ بدءًا من شخصية شكري المبيض، التي أجاد زكريا تامر في رسم ووصف ملامح العنف التي تعرض إليها دون ذكرها بشكل مباشر، فالأقصوصة تعتمد على حسن الاختيارات وتسليط الضوء، وهذه الشخصية تمثل المعادل الموضوعي للشخصية المتحركة، السائق هو الشخصية الثابتة في القصة ومن سماتها أن تكون مغايرة لشخصية شكري المبيض. لقد رسم زكريا تامر الصراع في القصة بصورة ساخرة عن طريق حركة الشخصية الأولى وكما نعلم أن الأشياء تتميز بضدها فشخصية شكري تميزت لوجود شخصية السائق والتي تمثل السلطة. عني زكريا تامر بتصوير وتشبيه الشخصيات، فقد أطلق الصفات المتحركة على الشخصية الثابتة وأطلق الصفات الثابتة على الشخصية المتحركة؛ مثلًا: (تمرن، مارس، أخطأت) وهي أفعال إرادية بدرت من شكري، في المقابل؛ (يواجه، سأل) هي أفعال صدرت عن السائق، مشيرًا من وراء ذلك إلى أن الإلحاح هو من صفات شخصية السائق وتحريك الثبوت عند شكري . عمد زكريا تامر في هذا النصّ إلى تصوير طباع السلطة المستبدة في تلك الفترة، وما يتعرض له السجناء داخل السجون، هادفًا من وراء ذلك إلى وصف المجتمع والحياة الاجتماعية ومعالجة آفة الجهل، والسخرية من ذلك الواقع الذي قُلبت فيه الموازين ولم يعد يُنظر إلى الحقيقة بالصورة السليمة. إن فن زكريا تامر وبراعته في وصف عنصر الحركة والسكون وتدرجه في هذا الوصف كان يشدنا في تدرج نفسي وإلحاح عاطفيّ، استطاع التنقل بسلاسة بين التراجيديا والكوميديا مع المحافظة على تلك الشعرة بينهما، وبذلك تمكّن من تغييب الهدف الأساسي لوهلة عن ذهن القارئ. قدّم زكريا تامر نصًا أدبيًا يتّسم بالبساطة، واعتمد على اليسر والانسياب دونما مغالاة في الاستعارة أو اجتلاب المحسنات البديعية؛ فالعبارة مألوفة لا يعتريها نادر أو غريب يحد من تدفقها، وهذا هو قوام العمل القصصي الناجح. تقوم طريقة زكريا تامر على مراعاة تسلسل العرض والتدرج بالقصص حتى يرسم ملامح الشخصية التي آثر اختيارها لتكون محورًا لموضوعه الأساسي؛ صانعًا بذلك أداءً فنيًا يميزه عن غيره.

تابعنا على
تصميم وتطوير