جريدة الزوراء العراقية

اصلاح المناهج الجامعية و وزارة التعليم العالي والبحث العلمي


الاستاذة الدكتورة راجحة علي غالب العلي

يتفق الكثيرون على ضرورة تطوير المناهج الدراسية في التعلم ويعد ذلك خطوة الاولى لاصلاح التعليم وعليه يتوقف نجاح جامعاتنا لاحداث التحول النوعي لمخرجاتها وردم الفجوة بين مخرجاتها ومتطلبات سوق العمل على سرعتها في أصلاح جذري للمناهج الجامعية، لان واقعها ضعيف نظرا للخلل الكبير في الية تصميمها وبنائها، فلمنهج     بمفهومه الحديث يتجاوز المحتوى العلمي الصرف الى شموليته للخبرات والمهارات التي تهيؤها الجامعات لطلابها داخل الجامعه وخارجها بما يساعدهم على النمو الشامل العقلي والنفسي والاجتماعي والثقافي وهذا ماتسعى اليه الدول لبناء وتشكيل افراد مجتمعاتها وفقا لفلسفتها وثقافتها ومعتقداتها، لان هذه المناهج تعكس تطلعات وطموحات هذه المجتمعات وامالها في اجيالها القادمه، كما انها تعكس الواقع الذي تعيشه هذه المجتمعات وما تعانيه من احداث ومايمر بها من ازمات، حيث فطنت بعض الدول الى هذه الحقائق وقامت باجراء تعديلات واسعه وشامله واحدثت تطوير هائلا في مناهجها الدراسية مما ادى الى تقدم هذه الدول وتحقيقها مراتب متقدمة في مجال التعليم وعلى سبيل المثال فنلندا وسنغافورة وماليزيا واليابان والمانيا.
   اما واقع مناهج جامعاتنا العراقية  غير مرض حيث لم تشرق على معظمها شمس التطوير منذ عشرات السنين، ولا غرابة لهذا الواقع اذا ما عرفنا الية التصميم المناهج في الجامعات ومن يشرف على ذلك.
    حيث نرى ان الذين يشرفون على مشروع تطوير وتحديث المناهج اصحاب اختصاصات على الاغلب بعيدين عن الاختصاصات التربويه الدقيقة، فنرى المسؤولين ذوي اختصاص هندسة  كهندسة نفط وغاز او اختصاص هندسة ذات اصل عسكري ، فهولاء المسؤولين للاسف لايملكون الرؤية الاكاديمية التربوية لتطوير المناهج .
    بذلك لاتخرج مناهجنا عن حالتين :
الحالة الاولى: تعبئة نموذج توصيف المقرر المعتمد من قسم ضمان الجودة من قبل المتخصصين في القسم الأكاديمي المختص من خلال لجنة أو عمل فردي، ويتضمن نموذج التوصيف مفردات المقرر وتوزيعه وزمنه وتحديد المرجع الرئيس والمراجع الإضافية للمقرر، ويبقى تحديد المراجع مرهونا باجتهاد وخبرة أعضاء اللجنة أو العضو إذا كان منفردا وبعيدا عن الأسس العلمية والتربوية والاجتماعية الخاصة بتصميم المناهج، وبدون مشاركة المتخصصين في المناهج في معظم الأقسام الأكاديمية باستثناء التربوية منها.
وقد يواجه التدريسي  المكلف بتدريس المقرر مشكلة عدم توفر المرجع الرئيس أو حتى المراجع الإضافية، مما يدفعه إلى القيام بتجميع المقرر من مراجع أخرى وفق خبراته، وهذا ما يجعل مكتباتنا مليئة بالملخصات الجامعية المخزية. 
النتيجة للحالة الاولى :  تشتت عضو هيئة التدريس، خاصة حديث الخبرة، وتشتت الطلاب وفقدان التكامل الأفقي اللازم في مفردات المقرر الجامعي، والتكامل الرأسي مع المقررات الجامعية الأخرى في المستوى الجامعي نفسه أو المستويات الأخرى.
الحالة الثانية : في تصميم المناهج الجامعية تكليف القسم الأكاديمي المختص مجموعة من الأعضاء المتخصصين بتعبئة نموذج توصيف المقرر الجامعي المعتمد قسم ضمان الجودة والاعتماد  لمقررات تخصصهم، وتأليف المقررات وفق مفردات توصيف المقرر التي وضعت سابقا، مع اختيار المراجع الإضافية المناسبة من مكتبات رديئة  في شارع المتنبي .
النتيجة للحالة الثانية : تطبع الجامعة المقرر أو يطبعه الأعضاء أنفسهم عن طريق أحد الناشرين، وتسميته بالكتاب الجامعي لمقرر ما وتسويقه للطلاب المساكين الذين لاحول لهم ولاقوه في الاعتراض.
  ولذالك وجب علينا اصلاح المناهج الجامعية ووتغيير الية تصميمها وتطويرها ، والايمان بأن المناهج الجامعية علم له نظرياته واسسه .
لاننا كما نعلم ان مناهجنا الدراسية الجامعية لاتحظى بالاهتمام اللازم من قبل قادة وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ورؤساء جامعة بغداد، علما ان تعليمات وزارة التعليم العالي تعتبرمناهج  جامعة بغداد  مرجعية لكل الجامعات ولا يستطيع رئيس جامعة  وافد على جامعة بغداد  متابعة وضع مناهج اكاديمية  
  فالمنهج الجامعي العراقي بمعناه الواسع مفقود والجامعات تقوم من خلال الاقسام العلمية بتوفير توصيف للمقرر الجامعي .
  و كذلك تطلب بعض جامعاتنا من عضو هيئة التدريس إعداد خطة لتدريس المقرر لا تختلف في متطلباتها ومضمونها العام عما جاء في توصيف المقرر المتقادم ، وتطلب منه تقريرا عن المقرر الدراسي نهاية كل فصل دراسي كجزء من متطلبات الجودة والاعتماد الأكاديمي وتقييم ادائه  حتى وصل تقييم بعض اساتذة بغداد الى 100/100 ليسبق بذالك اقرانه في هارفرد واكسفورد!!.
  وتطلب الجامعات من أقسامها العلمية توصيف للبرامج الأكاديمية التي تنفذها، ويترك  للتدريسي تنفيذ هذه المتطلبات المبعثرة، فيواجه تحديات كبيرة جدا في عملية التنفيذ في ما يخص المناهج الجامعية، أبرز تلك التحديات:
1.عدم توفر المرجع الرئيس للمقرر الجامعي.
2.قدم المرجع الرئيس للمقرر. 
3.عدم قناعة  التدريسي بمحتوى المرجع الرئيس المعتمد في توصيف المقرر. 
4.عدم كفاية المرجع الرئيس للمقرر والمراجع المساندة.
ولذا تأتي أهمية تطوير المناهج الجامعية لدواع كثيرة، منها على سبيل المثال: 
1)ركود المناهج الجامعية وثباتها في ظل التقدم العلمي .
2)تشعب المناهج الجامعية وشيوع التخصصات العلمية .
3)عدم إشباع احتياجات المتعلمين.
4)ضعف مستوى المنافسة في التصنيفات الدولية للجامعات .
5)غياب الاعتماد المؤسسي والبرامجي في جامعاتنا.
6)النقل الحرفي للمقررات الجامعية التي تعدها الجامعات بطريقة  ((copy and past )).
7)المخالفات للملكية الفكرية والأمانة العلمية، بإقرار بعض الكتب والمراجع دون إذن مؤلفيها، وتبين ذالك بالتلاعب( ببرامج الاستلال) التي اقرتها وزارة التعليم العالي منذ سنة 2015 م ومع ذالك تفتقد بعض تشكيلات جامعة بغداد والجامعات الاخرى  لهذا البرنامج البسيط.
8)غياب التخطيط الاستراتيجي والإدارة المستقلة أو غياب مقترح ( الدائرة المختصة في بناء المناهج الجامعية) بدلا من اللجان االفرعية  التي أنشئت منذ عام  2015 عبثا ولم تصل الى نتيجة الى الان سوى اجتماعات ومداولات ومبالغ صرفت عليها بملايين الدنانير .
9)     ترقية وتقييم بعض الأساتذة الجامعيين من خلال بناء توصيفات المقررات و اختيار المراجع العلمية التي يؤلفونها لاجل الترقية الى درجة استاذية فقط حتى وصل تقييم بعض الاساتذة الى 99.9 % !!
10)عدم التعامل مع بناء المناهج كعلم له نظرياته وأصوله، وتكييف المناهج مع مستوى الطلاب وليس مع ما ينبغي أن يكون عليه المنهج الجامعي.
11)عدم توافق ومواكبة المناهج الجامعية للتطورات التقنية والمعلوماتية، وبالاخص التحول نحو مناهج رقمية جامعية في ظل جائحة كرونا والاوبئة القادمة الاشد فتكا. 
12)انتشار الملازم المضحكة  بين كليات المجموعة الطبية والصيدلة  وقلة الاعتماد على المراجع الأساسية والنجاح اصبح من الدور الاول  للصيدلة بنسبة 90% . وسط دهشة المنظمات الجامعية العالمية.
إن واقع المناهج الجامعية الحالي لا يتناسب إطلاقا مع توجهنا نحو تطوير الجامعات ومنحها الاستقلالية وفق اعلان ليما لسنة 1988 والفقرة تاسعا منها، وعدم ادخال جامعة بغداد ضمن التصنيفات ضمن 300 افضل جامعة في العالم،  ولا مع احتياجات مجتمعنا ومتطلبات سوق العمل، ولا مع طبيعة القرن 21 المتسم بالتغير المعرفي السريع والاوبئة التي سوف تستمر لسنين طويلة ، وآن لنا وعلى وجه السرعة التغيير الجذري لمناهجنا الجامعية.
ولنبدأ بالادارة باعتبارها العنصر الاهم في نجاح أي عمل، وعليه اقترح  بتشكيل ((مركز اتحادي عراقي لتطوير المناهج )) ويرتبط بمجلس الوزراء، ويجب ان يضم خيرة التربويين والاكاديميين والذين سبق لهم العمل في مجال التعليم، مع مراعاة التخصص الدقيق، لانه ليس من المفترض يدير هذا المركز ذو تخصص هندسي تقني او عسكري ، ولايجوز ادارة هذا المركز المقترح من الوافدين الغرباء على جامعة بغداد ،لانه هذه مسؤولية وطنية وتربوية كبيرة، كيف لا وعملية تطوير المناهج تعني تطويرا في بناء واعداد انسان المستقبل الذي بدوره سيصبح قادرا على الامساك بدفة التطوير في كافة مجالات الحياة ليشق بها طريقه الى غد مشرق وواعد لاجيال المستقبل.
    وبناء عليه اضع بين يدي قادة التعليم العالي الافكار التالية ، وانا على يقين كامل بان لديهم من الرؤى والافكار في تحقيق الاهداف والتطلعات خدمة للمسؤولية الوطنية المقاة على عاتقهم:
أولاً: على المركز الأعلان عن أهدافة وخططه لكي تقوم المؤسسات التربوية من مدارس وجامعات للأطلاع عليها ودراستها وتكوين الوعي لديها بأهمية مشاركتهم كل حسب تخصصه في مجال تاليف المنهج او تطويره.
ثانياً: تطوير الأهداف التعليمية لكل مرحلة دراسية جامعية تتضمن المهارات الأساسية للبناء المعرفي وتحقيق التوازن الكمي والنوعي في محتوى المقررات الدراسية وربطها بالبيئة المحلية ومشكلات المجتمع.
ثالثاً: إذا اردنا للمناهج ان تواكب مستجدات العصر فلا بد ان تتضمن اعداد الاستذ الجامعي وفقاً للإتجاهات التربوية الحديثة والإهتمام بالإدارة الجامعية وفق اختصاصات تربوية دقيقة بعيدا عن الفساد الاداري والمالي، لدور الكبير للادارة الجامعية في تنفيذ المناهج التربوية وفق الاساليب التدريسية الحديثة.
رابعاً: يجب أن تركز المناهج الدراسية الجامعية على مهارات التفكير والتخطيط وحل المشكلات (critical thinking)  وتناسب مستويات الطلبة المختلفة وتشجعهم على ممارسة الحوار والمناقشة والمناظرة والتواصل مع بعضهم البعض من أجل تأصيل القيم الدينية والوطنية والثقافية لديهم حتى لا تتعرض هذه القيم الى الاهتزاز والضياع، كما هو الحادث الان، فيتوجه طلابنا  الى الشارع متذمرين. 
خامساً: ضرورة الإستفادة من الإتجاهات العالمية الحديثة في بناء وتطوير المناهج  واستدامتها ، والإطلاع على تجارب الدول التي حققت نجاحات واضحة في مجال إصلاح التعليم العالي كالتجربة الكورية والفنلدية .
سادساً: الاستفادة من خبرات أبناء وزارة التعليم سواء العاملين او المتقاعدين وكليات التربية في الجامعات العراقية باعتبارهم على دراية واسعة بفلسفة التربية والتعليم وكيفية التعبير عنها على شكل أهداف تربوية يستفاد منها في تحديد أهداف المناهج الدراسية المختلفة.
سابعاً: الإطلاع على نتائج وتوصيات الرسائل العلمية في مستوى الماجستير والدكتوراة المقدمة للجامعات العراقية من قبل الباحثين في مجال المناهج وطرق التدريس والإستفادة منها ما أمكن.
ثامناً: تأسيس فروع للمركز المقترح (مركز عراقي اتحادي لتطوير المناهج) في المحافظات لتكون حلقة الوصل مع المركز والميدان التربوي وتسهل مهمة المركز في الحصول على التغذية الراجعة لكافة ممارساته وإجراءاته.
تاسعاً: تطوير المناهج الدراسية بحاجة الى جرأة وشجاعة في التغيير تتجاوز مجرد إعادة الشكل للمنهاج وتتجاوز مجرد إضافة مفردات جديدة الى وضع مناهج تقدم التعلم على التعليمlearning rather teaching)  ) والمنشود إيجاد جيل عراقي مهيئ على التعلم ومواكبة تطورات العصر وليس جيلاً ينتظر ((التعليم والتلقين والحشو)) كما هو حاصل الان من قبل تشكيلات وزارة التعليم العالي .
عاشرا: ضرورة طرح الإشكالات التي تعتري تطوير المناهج بصراحة وشفافية امام الجميع ،وهذا يتوقف على قيادة وزارة التعليم العالي ،واهم تلك الاشكالات التعليم الاهلي ،ويطرح السؤال هل اطلع معالي الوزير على مناهج الكليات والجامعات الاهلية ؟ وما هية الكادر التدريسي فيها ؟ .
وهذا مثال صارخ ان وزارة التعليم العالي تفتح قسم هندسة الطيران لكلية اهلية  في محافظة عراقية بكوادر ومناهج وهميه .
وعليه ارجوا من قادة الوزارة البعد عن المبالغة في استخدام البعد الإجتماعي او السياسي كمبرر يعيق تطوير المناهج .
احدى عشر: توجيه رؤساء الجامعات  على استخدام النشر الالكتروني ،والتغلب على المشاكل التي تنجم عن المقرر المطبوع ، وإثراء المحتـوى الرقمي العراقي على شبكة الإنترنت .
اثنتا عشرة: اعتبار اﻟﻤﻨﺎﻫﺞ اﻟﺠﺎﻤﻌﻴﺔ جزء من اﻷﻤن اﻟﻔﻜري ﻟﻠطﻼب ، ﻴﻤﻜن ﻤن ﺨﻼﻟﻬﺎ ﺘﻔﻌﻴل دور (مركز اتحادي لتطوير المناهج )  ﻓﻲ ﺘﻌزﻴز اﻷﻤن اﻟﻔﻜري ﻟطﻼب العراق وتثبيت دعائم  اﻷﻤن اﻟوطﻨﻲ العراقي .
ثلاثة عشرة :  متابعة المناهج الجامعية  الرقمية مع الملحقية الثقافية في امريكا و بالتعاون مع دور النشر مثل ماكروهيل  McGraw Hillو وسينكيج Cengage و السيفير Elsevier و بيرسون Pearson ، بدلا من اجتهادات شخصية بتاليف المقرر من قبل لجان العمداء للكليات العلمية التي لم تنهِ اعمالها منذ 2015 م . 
  وفي الختام اقول ان نتيجة التطور المتسارع في كافة مجالات الحياة ، غدا من  الضروري ان يتصدى النظام التربوي لهذه المستجدات ليواكبها ، لانه من المتعارف عليه ان التربية تسبق التنمية ولانكون بعيدين عن التربية ومعانيها الكبيرة في الحياة الانسانية .
 


المشاهدات 1881
تاريخ الإضافة 2021/05/26 - 4:58 PM
آخر تحديث 2024/03/23 - 12:40 PM

طباعة
www.AlzawraaPaper.com