جريدة الزوراء العراقية

نافذة الأمل لكي نبقى على قيد الحياة


أخذ «كورونا» منّا كل مأخذ، وحوّل في أقل من عشرين شهراً حياة البشرية إلى كابوس، فغيّر المفاهيم والتقاليد والعادات، وأغلق المؤسسات والمدارس والجامعات والمطارات والمصالح العامة من فنادق ومطاعم ومقاهٍ ونوادٍ ودور سينما ومسارح، وألزم مليارات من الناس أن يعيشوا عزلة موحشة ومقفرة ومقلقة ومرعبة، لم تخطر على بال غابريل غارسيا ماركيز حين كتب في عام 1967 أشهر روايات القرن العشرين «مائة عام من العزلة».
صار ما قبل «كورونا» (كوفيد - 19) مما اصطلحنا على تسميته «الزمن الجميل»؛ من دخول أي مطعم، أو دار سينما، أو دار أوبرا، أو متحف، أو حديقة عامة، أو فندق، أو جامعة، أو مدرسة، أو مستشفى، أو حتى تسلق جبال الهيمالايا صعوداً إلى قمة إيفرست... حكايةً من حكايات سندباد وكَليلة ودِمنة وعلي بابا وطرزان والديناصورات. كنا نختار أي خطوط جوية، وفي أي رحلة، وإلى أي دولة، وفي اليوم أو الساعة التي نريد، بل نختار الطعام على الطائرة. كنا نركب القطارات والحافلات العامة بلا خوف أو وجل. كنا نعرف مواعيد الإجازات والعمل ونتبادل الزيارات وحضور حفلات الزواج. كنا نهرع إلى مهرجانات السينما والمسرح ومعارض الكتب واللوحات الفنية. لكن كل ذلك، وأكثر منه، صار من الماضي أو «الزمن الجميل». وهنا أتوقف عند تحذير خطير وجّهته منظمة اليونيسكو قبل أشهر من أن الأطفال في المجتمعات الفقيرة، وذوي الاحتياجات الخاصة والمهاجرين واللاجئين، ويقدّر عددهم بنحو 260 مليون طفل، يعانون إلى درجة الحرمان من التعليم، بسبب إغلاق المدارس. وأفاد تقرير للمنظمة بأن «التلاميذ الذين يعيشون ضمن عائلات ميسورة بإمكانهم مواصلة تعليمهم من منازلهم باستخدام أجهزة كومبيوتر محمولة وهواتف ذكية وإنترنت، بينما الآخرون الذين لا يتمتعون بهذا الترفيه انقطعوا بشكل كامل عن الدراسة».
لكنّ العلوم والاختراعات والابتكارات لا تعرف دورة الزمن أو استراحات «المحاربين». ففي عزّ جائحة «كورونا» أطلقت الإمارات العربية المتحدة -مثلاً- مركبتها التاريخية الاستكشافية الأولى إلى المريخ لتكون خامس دولة تقترب من الكوكب الأحمر بعد الولايات المتحدة وروسيا والمركبة الأوروبية والهند، وفي الخطط الصين واليابان. لكن لا يمكن حالياً إطلاق أكثر من مركبة كل 26 شهراً حين تكون المسافة بين المريخ والأرض أقصر من العادة ما يجعل الرحلة أسرع وأسهل، حيث تكون المسافة عندها 55 مليون كيلومتر تُقطع خلال ستة أشهر بينما هي في الأحوال العادية 225 مليون كيلومتر، وفقاً لوكالة «ناسا» الفضائية الأميركية. ولاختصار المسافة والزمن وتوفير الوقود، فإن المركبات الفضائية لا تُطلَق في اتجاه مباشر إلى المريخ أو أي كوكب، وإنما في اتجاه نقطة سيصل إليها الكوكب في المستقبل. لكن هذا ليس موضوع المقال.
حدث المريخ ينطبق على العلوم الشهيرة التي نعرفها أو سمعنا بها، فقد استمرت البحوث والدراسات والاكتشافات ومنها: الجيولوجيا أي علم الأرض، والميتافيزيقيا أي علم ما وراء الطبيعة، والباثولوجيا أي علم الأمراض، والأنطولوجيا أي علم الوجود، والميثيولوجيا أي علم الأساطير، والإستاطيقا أي علم الجَمال، والإبستمولوجيا أي علم المعرفة، والأنثروبولوجيا أي علم الإنسان، والهايماثولوجي أي علم دراسة الدم، والفايرولوجي أي علم الفيروسات.
إلا أن هناك علوماً أخرى، قد لا يعرف كثير منّا عنها شيئاً ولا حتى معناها، استمرت أيضاً في بحوثها ومختبراتها في التحليل والتقصي والتفسير، مثل الثيولوجيا أي اللاهوت أو الإلهيات، والفيلولوجيا أي اللغات، والأونيرولوجي أي الأحلام (حدوثها وحركتها واستدعاؤها وليس تفسيرها)، والكوزمولوجي أي الكون، والأورنيثولوجي أي الطيور، والبومولوجي أي الفواكه. القصد من هذا الكلام أن مسيرة العلم يجب أن تدور في الأفلاك مثل الأقمار ولا تتوقف إلا عندما تتوقف الحياة.
وفي الوقت نفسه تحركت بشكل إيجابي عجلة الابتكارات والاكتشافات في ظل «كورونا»، فوصفت مجلة «موبايل هيلث نيوز» الطبية جهود العلماء في البحث والفحص والوقاية والمراقبة وإيجاد اللقاحات اللازمة بأنها «نقطة تحول»، فالكوارث تدفع الإنسان دائماً إلى فتح نافذة الأمل لاستمرار الحياة والتطور. ونشرت مجلة «تايم» الأميركية في نهاية العام الماضي قائمة بأهم 100 اختراع ركز معظمها على إيجاد حلول لمشكلات مستجدة مواكبة لجائحة «كورونا» ما يجعل العالم أفضل وأكثر ذكاءً ويُسراً. من تلك الاختراعات «روبوت» للتدريس عالي التقنية، وعمليات جراحية موجّهة تستخدم نظارة الطب الجراحي تساعد في توجيه الجراحين في العمليات بالغة الدقة، و«صياد الجراثيم» لمنع الرذاذ الأنفي من نقل العدوى، و«مطهر محمول» يوضع على غطاء زجاجات مياه الشرب ويستخدم الأشعة فوق البنفسجية لتعقيم المياه خلال دقائق في أثناء الحاجة خارج المنزل أو معسكرات التخييم سواء للحنفيات أو جداول مياه الحدائق والمتنزهات. لكن أهم اختراع هو إنتاج مياه شرب عذبة من الهواء بواسطة تسخين مواد نباتية وحيوانية مهمَلة، ما يؤدي إلى إطلاق بخار الماء في الهواء فيتولى الجهاز المبتكر إعادة تكثيف البخار ليصبح مياهاً صالحة للشرب، وتم تطبيق هذا الاختراع في أوغندا وتنزانيا لتوفير مياه نظيفة. في الصين ابتكرت شركة صينية أزرار مصعد تعمل من دون الحاجة إلى الضغط عليها، وتسمح للركاب باستخدام لوحة تعمل على استشعار حركة يد الراكب في الهواء فوق لوحة زجاجية للتعرف إلى الدور الراغب في الصعود إليه من دون الحاجة إلى الضغط على الأزرار أو لمسه�، منعاً لانتقال العدوى.
لسوء الحظ فإن التقديرات العلمية تذهب إلى أن تأثير «كورونا» سيمتد إلى خمس سنوات قادمة. وتقول مجلة «فوربس» الأميركية: «علينا أن نفكر كيف نبقى على قيد الحياة خلال الأزمات بعد أن قلبت الجائحة كل شيء رأساً على عقب. وإن محاولة العثور على بارقة أمل في القضاء على هذا الفيروس تنطوي على انعدام المسؤولية، ولكنها يمكن أن تكون عاملاً مساعداً في تحقيق تغيير مذهل».
عموماً فإن الوباء القاتل أثّر على الحياة العامة في العالم كله، وليس فقط التعليم أو التسوق أو الرفاهية أو السفر أو المستشفيات أو الاقتصاد أو الوظائف أو رجال الأعمال أو التنمية المستدامة في الحاضر أو المستقبل.
ومثل كل الدول، فرضت جزر المحيط الهادئ والمحيط الأطلسي إجراءات شاملة لمنع تفشي الفيروس. من ذلك منع السفن السياحية من الرسوّ في الموانئ وتقليص الرحلات الجوية إلى رحلة واحدة كل أسبوعين. وذكرت إذاعة «بي بي سي» البريطانية أن جزيرة ناورو في المحيط الهادئ على بُعد نحو 300 كيلومتر من أقرب أرض لها، وهي عضو في الأمم المتحدة وتعداد سكانها عشرة آلاف نسمة هي حتى الآن آخر مكان في كوكب الأرض سيصل إليه فيروس «كورونا» في زيارة سياحية.
لقد ظهر «كورونا» في البداية مشكلة صينية، لكنه ما لبث أن أصبح مشكلة عالمية بعد أن انتقل إلى اليابان والهند وتايلند وسنغافورة وكوريا الجنوبية وإندونيسيا وباكستان وإيران ثم إيطاليا واليونان وتركيا وبقية الدول، وضمنها دول غارقة في سبات عميق استيقظت وهي تصرخ: «كورونا» عندنا... يا مرحباً يا مرحباً.


المشاهدات 1443
تاريخ الإضافة 2021/02/23 - 5:52 PM
آخر تحديث 2024/03/23 - 2:09 PM

طباعة
www.AlzawraaPaper.com