رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
حين تتحدث الطيور لغة الماء والقصب


المشاهدات 1862
تاريخ الإضافة 2025/10/26 - 9:30 PM
آخر تحديث 2025/11/02 - 11:44 PM

 في أعماق الجنوب العراقي، حيث تمتد الأهوار كصفحة مائية تعكس وجه السماء، تتوارث الأجيال هناك ذاكرة غنية بالصيد، تشبه القصص التي لا تنتهي. فالصيد في الأهوار ليس مجرد هواية أو وسيلة عيش، بل هو جزء من هوية المكان وثقافته، ارتبطت فيه الطيور بالماء، والإنسان بالطبيعة، في علاقة تنسجها الفطرة والبقاء والجمال.
منذ فجر التاريخ، كانت أهوار العراق موطناً لآلاف أنواع الطيور المحلية والمهاجرة، تأتي من أقاصي الأرض لتستريح على مائها الدافئ. ومع كل موسم، يبدأ الصيادون تحضير عدّتهم: البنادق التقليدية، والشباك، و»الطُوَر» (المخفيات الطافية بين القصب)، وأحياناً طيور مدرّبة تُستخدم كطُعم لجذب أسراب أخرى.
كان الصيد يتم مع الفجر، حين يلتقي الضباب برائحة الطين، ويُسمع نداء الطيور كأنه نشيد الطبيعة الأول.
وللصيد في الأهوار طقوسه الخاصة. فالصيادون يعرفون ممرات الطيور واتجاه الريح، ويتناقلون خبراتهم جيلاً بعد جيل. وقد ارتبطت بعض أنواع الصيد بالمواسم، مثل صيد البط، والوز، والغرانيق، وأنواع أخرى نادرة تمرّ عبر سماء العراق في رحلتها الشتوية.
لكن تلك الذاكرة بدأت تتغيّر مع تغيّر البيئة. فبعد تجفيف الأهوار في تسعينيات القرن الماضي، فقدت الطيور مأواها، وتراجعت أعدادها بشكل كبير، كما هجرت الكثير من الأنواع مناطقها التقليدية. ومع عودة المياه جزئياً بعد عام 2003، حاولت الحياة أن تستعيد أنفاسها، فعاد بعض الصيادين إلى مهنتهم القديمة، لكنهم وجدوا أن الزمن لم يعد كما كان.
اليوم، لم تعد «ذاكرة صيد الطيور في الأهوار» مجرد حكاية عن البندقية والشباك، بل صارت رمزاً لصراع الإنسان من أجل البقاء والحفاظ على التراث البيئي. إنها ذاكرة الماء والقصب والريح، ذاكرة المكان الذي علّم أبناءه أن الصيد ليس قتل الطيور، بل احترام دورة الحياة التي توحّدهم بها.
 


تابعنا على
تصميم وتطوير