جريدة الزوراء العراقية

تيسير الآلوسي: انكفاء النقد جعله متأخرا عن المنجز الإبداعي


نسبة الجهد النقدي تجاه المنجز العربي ضئيلة عبدالله مكسور الأدب ليس وسيلة تسلية عابرة أو سطحية بل هو غذاء روحي اعتباري يطبع النفس بسمات تؤنسن وجودها أو تكون وحشية عند افتقادها للقيم الروحية التي يهذبها، وإذا كان الأدب لجميع الشعوب فإنّه في الحقيقة لا يقتصر على فئة أو طبقة اجتماعية لتتنوّع حالات الاستقبال والتفاعل حسب الفئة والإنسان وهويتهما. بهذا الاستهلال يبدأ أستاذ الأدب العربي الدكتور تيسير الآلوسي حديثه حين التقته في لاهاي على هامش أمسية نظمّتها جمعية البيت العراقي في هولندا. ولد الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي في محافظة الأنبار بالعراق عام 1957، وأنهى دراسة الآداب والعلوم الإنسانية قبل أن ينهي دراسة الماجستير في جامعة بغداد ليحصل بعد ذلك على درجة الدكتوراه في الفلسفة والأدب العربي عام 1992، وهو يشغل اليوم منصب رئيس جامعة ابن رشد المفتوحة في هولندا، وله العديد من المؤلفات الأدبية والأكاديمية كما يشرف على إصدار مجلة ابن رشد المحكّمة. وظيفة الأدب وظائف الأدب تقوم في جوهرها عند الآلوسي على تقديم جماليات تهذّب وجودنا كما تمنحه غنى وثراء في الخبرات وتدفع للتطهير وصنع السّمات الزكية فضلا عن قدرته التعبيرية عن تلك النفس وحاجاتها أثناء كل مرحلة عمرية في حياة الأفراد وبكل مرحلة تطورية في حياة الشعوب، فوصول الإبداع الأدبي لمرحلة الاندماج العضوي بين جمالياته ومضامينه يمنح الفرصة للإنسان المتماهي معه بأن يندمج عضويا بمجتمعه وبيئته الإنسانية بصورة نموذجية تحمل جمالياتها مثلما تحمل تجاربها المثلى أخلاقيا فلسفيا من جهة وتعبيريا جماليا سلوكيا من جهة أخرى. من هنا يقول ضيفنا إنّ الأدب العربي تميّز في كلّ مرحلة حسب حاجة المجتمع ودوافعه، فكان في البدء الدفاع عن القبيلة وقيمها السامية، ثمّ العمل على ترسيخ القيم المثالية التي جاء بها الإسلام، ولتظهر وظائف أخرى إبان مراحل الدولتين الأموية والعباسية من قبيل الغزل ووصف العمران وحياة الرفاهية وكذلك عرض قيم الصوفية والزهد، وهكذا -يتابع ضيفنا- “فإننا حتما أمام وظائف جديدة للأدب في عصرنا الحديث، من مثل التصدي للاستعمار مطلع القرن العشرين والتغني بالروح الوطنية، واليوم حيث نحيا ظروف حروب الطائفية وعنف المافيات ، دفع بلون أدبي عالج ويعالج التنوير الفكري والإصلاح القيمي وسط محاولات التجهيل والتضليل”. في ظلّ تلك المراحل التي تحدّث عنها ضيفنا أسأله عمّا إن كان الأدب دعامة للهوية الوطنية والقومية، ليقول «إنّ ظاهرة العولمة والاندماج بين الشعوب تتعمّق اليوم، لكن القيم الإنسانية الروحية لا يمكن أن تندثر وتتراجع في ظل مبدأ البصمة الشخصية لكل إنسان وفي ظل ظاهرة عصر الدفاع عن حقوق الإنسان الفرد وعن تقرير مصير الشعوب وحقها في استقلاليتها وهويتها المخصوصة. والنقد له دور تطبيقي في قراءة النص الأدبي ودور تنظيري قائم على تقديم الفكري الفلسفي في قراءة الأدب». الأدب والتغيير حديث ضيفنا عن الأدب ودوره دفعني إلى سؤاله عن المكانة التي يشغلها الناقد اليوم في حضارته عموما وفي الأدب العربي على وجه الخصوص، ليقول: إنّ افتقاد الاستقرار والتعرّض للآلة الجهنمية وطحنها الإنسان في تفاصيل يومه العادي باتت سببا للانكفاء عن العلوم والآداب، وقد فاقم ذلك وضخّمه حال شيوع الأمية والجهل والتخلف، ما فصل بوضوح بينه وبين المنجز الجمالي ونقده. ولكننا إذ نحاول قراءة مكانة الناقد، نستذكر له دوريه التطبيقي الفعلي في قراءة النص الأدبي والحركات والمذاهب الأدبية والتنظيري القائم على تقديم الفكري الفلسفي في قراءة الظاهرة الأدبية وسط الظواهر الإنسانية المعقدة بالانتماء إلى تعقيدات عصرنا. على الصعيد العربي يتابع ضيفنا، أنّه لا بدّ للمتابع أن يدرك حجم المنجز النقدي العربي كما ونوعا، ليحدّد مكان الناقد ومكانته. ولربما كانت نسبة الجهد النقدي تجاه المنجز الأممي عالميا ليست بالحجم المميز ولربما أيضا كانت نسبته تجاه حاجات الوضع العربي العام برمته، أقل شأنا من المنتظر، إلا أنّنا في جميع الأحوال، يمكن أن نلمس للنقد والناقد العربيين فرص محاولات جدية ونوعية طيبة، تمنحهما مكانة ذات أهمية. ويصف الدكتور الآلوسي تلك الجهود في معظمها أنّها جهود فردية لا تنتظم في حراك مجتمعي لأسباب مختلفة، إلا أنه يؤكّد على وجودها، لذا نراه يرمي الكرة في ملعب النقّاد مذكّرا إياهم بأهمية تفعيل دورهم وتطويره وتنمية أثره المجتمعي، بوصف الناقد مساعد القارئ على تبيّن معالم الطريق بقراءة النص ومنجزه، وبالتفاعل فكريا وفلسفيا على وفق آخر ما وصل إليه عصرنا من مستويات ومطالب. هل يمكن أن يؤدّي الأدب إلى ثورة؟ أسأل ضيفنا الذي يقول: إنّ للأدب أدواره عبر التاريخ الإنساني، فالأسطورة جسّدت فلسفة البشرية في عصرها الأول، والأدب يبقى بجمالياته ممتلكا للتأثير الروحي الحاسم في بناء الأنفس بأسس سليمة صحية قادرة على إعداد القدرات الذاتية للثورة، ومن هنا يرصد حذر السلطات الاستغلالية القمعية التي تطارد الكتّاب وتحاصر المكتبات والكتب وتحاول إشاعة الأمية والجهل لتغييب وعي الناس، فيما الأدب ومنه الشفاهي يقف بعكس التيار السلبي ليعزز دفق أنهر التغيير ومسارها، فالأدب يمكن أن ينهض بمهمته التحريضية ما يعني ولادة وظيفة جديدة له مازال يغذ السير فيها لتنضج أدواته ومنجزاته وتستطيع إطلاق شرارة التغيير وثورته. للأدب أدواره عبر التاريخ الإنساني، فالأسطورة جسّدت فلسفة البشرية في عصرها الأول، والأدب يبقى بجمالياته ممتلكا للتأثير الروحي الحاسم في بناء الأنفس. حديثه عن الدور التحريضي للأدب في مرحلة ما قادنا للحديث عن مقولات الأدب في ظل انهيار المدن التي نشهدها في الشرق اليوم، ليردّ ضيفنا أنّ الأدب ظـاهـرة مـدنيـة في ولادته تعبيرا عن الإنسان الفرد والجماعة، وفي الأساس ينتمـي الأدب اليـوم إلى المدينة وحضارتها ومنطق وجود المجتمع الإنساني فيها، أما وقد استباحت جحافل الجريمة المدن وأهلها فإن الأدب لم ينته، ولن تقتله الرصاصة، لأنه موجود في الوجدان الإنساني ولأن الإنسان المعاصر لا يمكن أن تغيب عنه الروح، ما يعني استمرار الحاجات الروحية بمطالبها لغـذائها. وهنا كما يرى ضيفنا تبدأ آلية تبـادل تـأثير الأدوار فعلها ليستمر الأدب في التعبير عن الواقع وهو يجسد الآلة الجهنمية ومطحنتها بمقابل قدرات التحدّي وكوة النور على ضيقها. أسأل ضيفنا الذي يقيم في هولندا اليوم عن رؤيته للانقسام الحاد في الموقف السياسي بين الأدباء وأثر ذلك في الإنتاج الإبداعي وتلقّيه عموما، ليقول: إنّ الأدب تجربة روحية إنسانية تجسد الانفعال والعاطفة والسلوك والممارسـة وكذلـك تجسـد أيضـا القيم والمبادئ كلها مجتمعة في صياغة جمالية إبداعية مخصوصة، وهي -أي العملية الإبداعية- في ضوء ذلك لا تقبل التحدّد بقوالب جامدة ومعالجات تضيق بحدود التحزب السياسي وانقساماته وتخندقاته وحالات التمترس فيه. على الأديب ألا يقيّد نفسه بتلك التحنّطات والالتزام المنتظر في الأدب وخطابه هو التزام الإنسان وحرياته وحاجاته الروحية.

المشاهدات 1327
تاريخ الإضافة 2015/10/20 - 6:55 PM
آخر تحديث 2023/06/03 - 11:31 PM

طباعة
www.AlzawraaPaper.com