رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
الهجوم السيبراني والحرب والبدائية


المشاهدات 1233
تاريخ الإضافة 2024/07/23 - 8:58 PM
آخر تحديث 2024/08/28 - 8:54 AM

قبل أيام استيقظ العالم على عطل فني كبير ضرب أنظمة الحاسبات والكثير من المرافق الحيوية على سطح الأرض، مثل البنوك وشركات الإعلام وشركات الطيران والمطارات، وقد كان عطلًا ضخمًا ومفاجئًا، انقلبت على أثره حياة الملايين من الناس حول العالم، فذهبت التحليلات هنا وهناك حول أهمية الأمن السيبراني والأهمية القصوى في حماية أنظمة المعلومات والأجهزة والشبكات، من أي اختراقات تهدد أمن البيانات والمعلومات.
وهالني في هذا المشهد الذي انتفضت له دول كبرى واستبد القلق بشعوب العالم الأول الذي توقفت حياته للحظة، أن ذهب بعض المتابعين إلى التخوف من حدوث عطل أكبر يضرب مفاصل الاتصال والتواصل وجميع التكنولوجيا في مقتل ويعود العالم كله بشكل مفاجئ إلى البدائية ومن ثم الهمجية، فوجدتني أتساءل بينما أتفكر في هذا المصطلح ومعناه (الأمن السيبراني)، وأتأمل برؤية الشق الأول منه «الأمن»، أليس الأمن قيمة إنسانية كبرى وحقًا أصيلًا للإنسان خصوصًا إذا كان هذا الإنسان في العصر الحديث، وابتعد عن ما نسميه البدائية والجاهلية بقرون، أي تخلص من قانون الغابة؟ فيتجدد السؤال أمامي بعد هذا الرعب الأمريكي والأوروبي من هجوم إلكتروني يضرب الأنظمة الحديثة في مقتل ويعطل الحياة: فما بال هؤلاء وهم يطالعون بل يشرفون بإخلاص على هجوم مباشر وقتل على مدار الساعة، واستهداف واضح لحياة الإنسان طفلًا وامرأة ورجلًا بشكل مباشر في صورة الحرب التي تفوق وصف النذالة والقسوة والوحشية؟ فيما صار اعتيادًا لهم بالأراضي الفلسطينية وقطاع غزة المنكوب، من قبل كيان محتل غاصب، لم يكن سوى أداة أمريكية وأوروبية لزعزعة الشرق والمنطقة، وكأن البشر هناك خارج التاريخ وخارج الجغرافيا ولا يستحقون الحياة، بل إن الاحتلال فوق ذلك وقد تجرد من كل معنى للإنسانية والحيوانية، كذلك يتفنن في تنفيذ القتل ما بين الإصابات المباشرة بالمدافع والصواريخ والأسلحة الخفيفة والثقيلة واستخدام التجويع والعطش، وصولًا إلى إطلاق الكلاب المفترسة على النساء والأطفال، ولقد عرف العالم الذي اهتز خوفًا من تعطل التكنولوجيا بأمر الطفل الفلسطيني المصاب بمتلازمة داون، وقد أطلق عليه جنود الكيان المحتل كلبًا ينهشه وكان الطفل المغلوب على أمره يظن بأن الكلب يلعب معه، ومن قبله حدث الأمر نفسه مع امرأة فلسطينية مُسنة، تم إطلاق الكلب عليها لينهش ذراعها، والكثير من الممارسات الوحشية التي لم تزل تُمارس، على مدار تسعة أشهر متصلة إلى الآن، ونتج عنها نحو 40 ألف شهيد و90 ألف مصاب.
ومنذ أيام كذلك أصدرت محكمة العدل الدولية رأيًا استشاريًا يتعلق بالعواقب القانونية الناشئة عن سياسات وممارسات إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، خلص إلى أن استمرار الوجود الإسرائيلي في فلسطين غير قانوني، وأن هذا الكيان ملزم بإنهاء وجوده غير القانوني في الأراضي المحتلة في أسرع وقت ممكن، وملزم  بالوقف الفوري لجميع الأنشطة الاستيطانية الجديدة، وإجلاء جميع المستوطنين من الأرض الفلسطينية، وملزم بدفع تعويضات عن الأضرار التي لحقت بكل ما هو طبيعي أو الأشخاص الاعتباريين المعنيين بالأرض الفلسطينية المحتلة، وأن جميع الدول ملزمة بعدم الاعتراف بشرعية الوضع الناشئ عن ما هو غير قانوني ووجود إسرائيل في الأرض الفلسطينية المحتلة، وعدم تقديم المساعدات أو المساعدة في الحفاظ على الوضع الناشئ عن الوجود المستمر للكيان بفلسطين، وأن المنظمات الدولية، بما فيها الأمم المتحدة، ملزمة بعدم الاعتراف قانونيًا بالوضع الناشئ عن الوجود غير القانوني لإسرائيل في المنطقة والأرض الفلسطينية المحتلة. وأن الأمم المتحدة، وخاصة الجمعية العامة، التي طلبت الرأي، ومجلس الأمن يجب أن ينظروا في الطرائق الدقيقة والإجراءات الإضافية اللازمة لتحقيق ذلك. وعلى الرغم من هذا الرأي التاريخي مثل ما تم سابقًا من اتهام الكيان المحتل بممارسة الإبادة الجماعية، وعلى الرغم من تفصيل وتفنيد الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والقانون الدولي من قِبل الاحتلال، وعلى الرغم من اعتراف شعوب العالم كله وبعض الدول بحق الفلسطينيين في أراضيهم والتنديد بالانتهاكات الإسرائيلية المدعومة من قبل أمريكا وقوى الشر في العالم، لكن كل ذلك لم يغير من المشهد البدائي، ومن الغابة المفروضة على الشعوب الآمنة شيئًا، ولا يزال الكيان مستمرًا في إجرامه وارتكاب المجازر وإراقة الدماء وقتل الأطفال والنساء واغتصاب الأرض، وتجريد أصحاب الأرض من كل مسببات الحياة، فلا بيت يُؤوي ولا سقف يقي شمس الصيف أو مطر الشتاء، ولا غذاء ولا إغاثة، والقتل مستمر بمباركة أمريكية، والمجازر مستمرة بلا أي وازع من إنسانية أو حتى حيوانية، فقد تجاوز الاحتلال حتى قانون الغابة، وصار حيوانًا لا ولن يُروض سوى بالفناء أو التشرد. 
فهل يستشعر المجتمع الدولي مسئولية حقيقية ويقف بشكل جدي وحقيقي في وجه هذا الطغيان وهذه الوحشية، أم أننا قد عدنا بالفعل إلى ما قبل البدائية، وليس أمامنا سوى البقاء للأقوى وبقاء قانون الغابة؟
نقلا عن « صحيفة الاهرام «
 


تابعنا على
تصميم وتطوير