تعد انتخاباتُ مجالس المحافظات في العراق، التي أجريت في الثامن عشر من شهر كانون الأول/ ديسمبر الماضي، هي الانتخاباتَ المحلية الرابعة خلال الـ 20 عاما المنصرمة.
كما تعدُّ هذه المجالس بمنزلةِ السلطة التشريعيّة والرقابيّة في كل محافظةٍ، حيث لهذه المجالس “المنتخبة” الحقُ في إصدار التشريعاتِ المحلية، بما يمكنها من إدارةِ شؤونها على وفق مبدأ اللامركزيّة الإداريّة من دون أن يتعارضَ ذلك مع الدستورِ والقوانين الاتحاديّة التي تندرجُ ضمن الاختصاصاتِ الحصريّة للسلطات.
ونظمت آخرُ مرة هذه الانتخابات في نيسان/ أبريل عام 2013، بعد توقفها لأكثر من عقدٍ من الزمن، حيث أُلغيت مجالسُ المحافظات عام 2020، حين صوَّت مجلسُ النواب على إنهاءِ عملها على وقع احتجاجاتٍ شعبيةٍ غير مسبوقةٍ انطلقت في تشرين الأول/ أكتوبر 2019 ، حيث كان هذا الأمرُ مطلباً من مطالب المتظاهرين، قبلَ أن تقرَ الكتل السياسيّة إعادتها وفقاً للاتفاق السياسيّ الذي شكّل حكومةَ رئيس الوزراء محمد شياع السوداني عام 2022.
ففي أواخر عام 2005 أجريت الانتخاباتُ المحلية الأولى بالتزامن مع الانتخابات البرلمانيّة، بعد الاستفتاء العامّ على مشروع الدستور الدائم في منتصف شهر تشرين الأول/ اكتوبر من ذلك العام.
وفي كانون الثاني 2009 أجريت الانتخاباتُ المحلية الثانية، وفي نيسان 2013 أجريت الانتخابات الثالثة، وكان مقرراً، بحسب الدستور، أن تنتهي تلك الدورة في 2017، وتجرى انتخاباتٌ جديدةٌ، بيد أن جملةَ عوامل وظروف حالت من دون ذلك، لعل أبرزها تداعيات الحرب ضد تنظيم داعش الإرهابي، وهو ما استدعى أن تبقى الأمورُ على حالها واستمرارية عمل الدورة الثالثة حتى عام 2019.
لذلك تعد انتخاباتُ مجالس المحافظات، التي أجريت في الثامن عشر من شهر كانون الأول/ ديسمبر الماضي، هي الانتخابات المحلية الرابعة .
إذاً.. بعد الإعلانِ مؤخراً عن اختيارِ المحافظين الجدد، ورؤساء مجالس المحافظات، أصبحت مجالسُ المحافظات متكاملةً، وعلى المحك، للإيفاءِ بالالتزامات التي قطعتها على نفسها أمامَ أبناءِ محافظاتهم، وأيضاً أمامَ الحكومةِ المركزيّة.
أقول .. يتمتع المحافظُ، وحسب الدستور العراقي، بصلاحياتٍ كبيرةٍ ومهمةٍ، من بينها إعدادُ الموازنة العامة للمحافظة على وفق المعايير الدستوريّة عدا ما يقع ضمن اختصاصاتِ الحكومة الاتحاديّة لرفعها إلى مجلسِ المُحافظة، وتنفيذ القرارات التي يتخذها مجلسُ المحافظة بما لا يعارض مع الدستورِ والقوانين النافذة. كذلك للمحافظِ تنفيذ السياسة العامة الموضوعة من قبل الحكومةِ الاتحاديّة في حدودِ المحافظة، والإشراف على سَيرِ المرافق العامة في المحافظةِ وتفتيشها ما عدا المحاكم والوحدات العسكريّة والجامعات والكليات والمعاهد.. وللمحافظِ أيضاً سلطةُ الأمر على الأجهزةِ الأمنية المحلية والتشكيلات المكلفة بواجباتِ الحماية وحفظ الأمن والنظام العام في المحافظة، وتستثنى من ذلك وحدات الجيش والتشكيلات الأمنية الاتحاديّة، فضلاً عن تمثيل المحافظةِ في المؤتمراتِ والندوات والمحافل التي يدعى إليها، والمتعلقة بشؤونِ المحافظة وإدارتها المحلية، وله إيفادُ موظفي المحافظة وفقاً للقانون والأصول المرعية .
كما يحقُّ للمحافظ الاعتراض على قراراتِ مجلس المحافظ أو المجلس المحلي، إذا كانت مخالفةً للدستور أو القوانين النافذة، أو لم تكن من اختصاصاتِ المجلس، وأيضاً إذا كانت مخالفةً للخطةِ العامة للحكومةِ الاتحاديّة أو للموازنة.
بعد كل هذه الصلاحياتِ الكبيرة التي كفلها الدستورُ للمُحافظين، صار لزاماً على المحافظين الجدد، لاسيما المحافظين الذين تمّ تجديد الولاية لهم، وإعادة انتخابهم، من قبل الجمهور، أو أعضاء مجلس المحافظة، الإيفاء بالتزاماتهم والوعود التي قطعوها خلال التَرويجِ لأنفسهم قبلَ الانتخابات.
نعم.. على المحافظين الجدد الوقوفُ عندَ مشاكل وهموم المواطنين، والبحث لها عن حلولٍ ناجعةٍ، والاستماع عن كثبٍ لآراءِ المواطنين، والبسطاء في محافظاتهم من أجل الوقوف على الحقائق، وتذليل العقبات.
وفي الختام أقول.. أيها المحافظون، لا نريدُ أن نرى عوزاً لدى المواطنين الكرام، ولا نريدُ أن نرى مدارسَ من طينٍ لا يستطيع الطلابُ فيها أن يلبوا طموحاتهم، ولا نريدُ طلبةً لا يكملون دراستهم، كما لا نريدُ أن نرى مستشفيات تخلو من الخدماتِ والأدوية، ولا نريدُ شوارعَ غير مُعبدةٍ، ومناطقَ تخلو من أبسط الخدماتِ ومقومات الحياة، ولا نريدُ أن نرى كبارَ السن بدون مأوى، يئنون من مصاعبِ الحياةِ وهمومها، ولا نريدُ محافظةً تخلو من دور للمُسنين والأيتام ، وذوي الاحتياجات الخاصة، وأماكن ترفيهية للعوائل الكريمة.