جريدة الزوراء العراقية

حرب مفروضة وحرب مطلوبة


أعلن القائد السابق للقوات الأمريكية في أوروبا في حديث لإحدى القنوات الإخبارية الفرنسية، الأحد، أنّ” الأهداف الاستراتيجية للبيت الأبيض الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط غير واضحة” وشكّك المسؤول العسكري الأمريكي في وجود هذه الأهداف أصلا ، معتبرا أنّ حلف شمال الأطلسي (ناتو) “ غير جاهز في حال إندلاع نزاع شامل مع روسيا” .
وتأتي هذه التصريحات لتؤكّد حقيقة أولى وهي ، أنّ الولايات المتّحدة لا تقدّر من جهة تداعيات أفعالها وحروبها وتدخلاتها العسكرية عموما على الدول والمجتمعات التي تستهدفها ، ومن جهة ثانية ، هي تضع مسألة إستقرار الأمن الإقليمي والدولي في آخر إهتمامها .
وأمّا الحقيقة الثانية التي تشير إليها هذه التصريحات المثيرة فهي ، أنّ الحرب الشاملة ، وإنْ كانت ليست الخيار الذي يريده أيّ طرف بما في ذلك أمريكا، فإنّ الجميع يُسرع الخطى تجاهها ، وذلك بفعل عديد الأفعال العدائية غير محسوبة العواقب التي تقوم بها كلّ الأطراف دون استثناء تقريبا.
ولسنا في حاجة للتذكير بتاريخ التدخّلات العسكرية “ الحافل” التي قامت بها الولايات المتّحدة الأمريكية في مختلف مناطق العالم والتي حرّكتها فقط مصالحها الضيّقة والآنية دون إيلاء أيّ اعتبار لما بعد أفعالها تلك ، وذلك بدءا بإلقاء القنبلة النووية على مدينتي هيروشيما وناكازاكي اليابانيتين إبّان الحرب العالمية الثانية ووصولا إلى ردود الفعل الحالية ضدّ الحوثيين في اليمن وضدّ جماعات مسلّحة في كلّ من العراق وسوريا، ومرورا بأفغانستان والصومال وغيرهما من الدول ، دون أن ننسى التدمير الممنهج الذي مارسته الولايات المتّحدة ضدّ دولة ومجتمع العراق العظيم بعد 2003 .
وبدا من الواضح أنّ آخر إهتمامات المارد الأمريكي هو سيادة الأوطان واستقرار الأمن والسلم الدوليين ، وهي لذلك لا ترى مانعا في الإعتداء على دول مستقلة وذات سيادة بعناوين مختلفة تراوح بين حقّ الردّ والدفاع عن النفس ونشر قيم الديمقراطية .
بدا كذلك أنّ آخر ما تفكّر فيه أمريكا هو مدى الحرج الذي تسبّبه للدول والحكومات أعمالها العسكرية العدوانية ، لأنّها لا ترى غضاضة في أن “ تضرب متى تريد وفي المكان الذي تريد “ كما عبّر عن ذلك نهاية الأسبوع الماضي الرئيس الأمريكي جو بايدن.
أمريكا تتناسى دوما أنّ تفكيك وإضعاف دول المنطقة هو من صنيعة سياساتها وتدخلاتها العسكرية والسياسية ومواقفها المساندة بالمطلق للكيان الإسرائيلي الغاشم والحامية للعدوان الهمجي الذي يقوم به الاحتلال الاسرائيلي في غزّة والضفة الغربية ضدّ شعب وأرض فلسطين منذ أشهر في آخر حلقات مسلسل درامي يدوم منذ عشرات السنين ولم تعرف البشرية له مثيلا . 
ونعتقد أنّ من الطبيعي أن نسجّل ردود فعل من الأفراد والجماعات وحتّى من الدول على هذا السلوك المارق لدولة نصّبت نفسها شرطيا غير أمين على العالم ، لكونها لا تحتكم إلى الأخلاق ولا إلى المنظومة القانونية الدولية التي ساهمت في وضعها ، ولا حتّى إلى القيم التي أصمّوا آذاننا بالحديث عنها.
ويتّجه الرأي إلى أنّ دول ومجتمعات منطقتنا تُراكمُ الوعي داخلها بضرورة التخلّص النهائي من التخلّف ومن الوضع الدوني الذي تعيشه والذي ساهم في إضعاف وحتّى في تفكيك دولها ومجتمعاتها وجعل منها فريسة سهلة “لتجّار العبيد” الذين يتحكّمون في مواقف ومصائر العالم .
وسواء تعلّق الأمر بتقوية القدرات الذاتية وتمتين استقلاليتها وتركيز ديمقراطية لا تتصادم مع قيم مجتمعاتها كما تشهده بعض دولنا أو بمحاربة جائحة الفساد وتركيز مقومات الحوكمة الرشيدة كما يعيش العراق الآن ، كلّها مراحل مهمّة وأساسية لتقوية تماسك دولنا ومجتمعاتنا وتأمين شروط إستقلالية القرار السيادي الوطني .
إنّ مسار الإصلاح والتنمية في عدد هامّ من دولنا إنطلق وهو ما يؤشّر بجدّ على أنّ حرب التحرير بدأت وأنّ عملية التحرّر والحرية هي مسألة وقت لا غير .
 


المشاهدات 1214
تاريخ الإضافة 2024/02/07 - 8:24 PM
آخر تحديث 2024/07/27 - 3:26 AM

طباعة
www.AlzawraaPaper.com